أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - هاني صالح الخضر - من العائلة إلى الدولة: القومية، الاغتراب، وتحوّلات الهوية- قراءة في أفيل روشوالد وحنّا أرندت















المزيد.....

من العائلة إلى الدولة: القومية، الاغتراب، وتحوّلات الهوية- قراءة في أفيل روشوالد وحنّا أرندت


هاني صالح الخضر

الحوار المتمدن-العدد: 8519 - 2025 / 11 / 7 - 01:19
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


**قراءة في أفيل روشوالد وحنّا أرندت**

### مقدمة

عندما يتأمل المؤرخ الأمريكي **أفيل روشوالد** في كتابه *القومية العرقية وسقوط الإمبراطوريات* (2001) التحولات التي عصفت بأوروبا الوسطى وروسيا والشرق الأوسط في مطلع القرن العشرين، فإنه لا يكتفي بسرد سقوط الإمبراطوريات الكبرى، بل يكشف عن **تحوّل عميق في البنية الاجتماعية للانتماء الإنساني**.
تلك اللحظة التاريخية، التي تفككت فيها روابط الإمبراطورية التقليدية، ترافقت مع صعود **الدولة القومية الحديثة** التي بنت وحدتها على مفهوم "العرق" و"الوطن"، لا على رابطة العائلة أو الطبقة أو الدين.
وفي خلفية هذا المشهد، تقدم **حنّا أرندت**، في أعمالها الأساسية مثل *أصول التوتاليتارية* (1951) و*الشرط الإنساني* (1958)، تحليلًا فلسفيًا دقيقًا للكيفية التي أدت بها التحولات الاقتصادية والاجتماعية إلى **اغتراب الإنسان الحديث**، وانتزاعه من جذوره الطبيعية في العائلة والمجتمع، ليتحول إلى كائن معزول في حضن الدولة والمجتمع الصناعي.

---

### أولًا: القومية العرقية كبديل عن العائلة والأرض

يُبيّن روشوالد أن انهيار الإمبراطوريات التقليدية لم يكن مجرد نتيجة عسكرية للحرب العالمية الأولى، بل **تحول أنثروبولوجي** في معنى الانتماء ذاته.
فحين فقد الأفراد ارتباطهم بالأرض والعائلة — وهما مصدر الأمان الاقتصادي والهوية الموروثة — بدأت النخب المثقفة في بناء **انتماء بديل**: الأمة العرقية.
القومية، في هذا السياق، لم تكن انبعاثًا فطريًا، بل **مشروعًا سياسيًا مُصنّعًا** استخدمته النخب لإعادة إنتاج التضامن الجماعي على أسس رمزية جديدة: اللغة، التاريخ، والدم.
هكذا أصبحت "الأمة" بديلاً عن "الأسرة"، والوطن بديلاً عن "الأرض الموروثة"، والدولة القومية وريثةً رمزيةً للروابط التي كانت الأسرة والعشيرة تؤمنها في المجتمعات الزراعية القديمة.

---

### ثانيًا: الاغتراب عند أرندت – من الاقتصاد إلى الهوية

ترى **حنّا أرندت** أن هذا التحول الاجتماعي لم يكن مجرّد تبدل في شكل السلطة، بل **فقدان لمصدر الأمان الوجودي للإنسان الحديث**.
حين نزعت الثورة الصناعية والدولة الحديثة الأرض من العائلات، حُرم الإنسان من المورد الطبيعي الذي كان يضمن له الاستقرار، فانكفأ على ذاته في دائرة الحاجة الاقتصادية.
تقول أرندت إن الإنسان الذي يفقد مورد الأمان **يفقد أيضًا قدرته على الفعل السياسي**، لأن التفكير في الشأن العام يتطلب تجاوز الضرورة المعيشية، وهو ما لا يستطيع القيام به من يسعى فقط لتأمين معاشه اليومي.
لقد تولّى المجتمع الحديث — بمؤسساته الاقتصادية والإدارية — المهام التي كانت الأسرة تؤديها: الإعالة، الحماية، والرعاية. لكن هذا "التكفل الاجتماعي" أنتج ما تسميه أرندت بـ **الاجتماعي (le social)**، أي اندماج الأفراد في نظام شمولي يوحّدهم عبر التشابه لا عبر القرابة، فيُفرغ العلاقات الإنسانية من عمقها الشخصي.

---

### ثالثًا: الدولة القومية كصورة جديدة للانتماء

يتقاطع هذا التحليل مع ما يرصده روشوالد في فترة ما بين 1917 و1923، إذ كانت الدول الجديدة التي خلفت الإمبراطوريات — تشيكوسلوفاكيا، يوغوسلافيا، تركيا، والاتحاد السوفييتي — **تحاول إعادة بناء الانتماء الجمعي** بعد أن انهارت الروابط الإمبراطورية القديمة.
غير أن ما نشأ لم يكن مجتمعًا عضويًا متماسكًا، بل **دولة قومية بيروقراطية** تسعى لتوحيد الأفراد عبر رموز الهوية الجماعية (اللغة، العرق، الدين)، دون أن توفر لهم أمانًا اقتصاديًا أو عائليًا حقيقيًا.
هنا يلتقي التاريخ مع الفلسفة: فالدولة القومية، كما تراها أرندت، لم تكن فقط مشروعًا سياسيًا، بل **محاولة لتعويض الفقد الإنساني** الناتج عن انهيار البنى الطبيعية للانتماء.
غير أن هذا التعويض كان هشًا؛ إذ حوّلت الدولة الحديثة الأفراد إلى "رعايا متشابهين" أكثر منهم مواطنين أحرارًا، ومهّدت بذلك لصعود الأيديولوجيات الشمولية والعنصرية في أوروبا.

---

### رابعًا: من اغتراب الفرد إلى أزمة الانتماء المعاصر

من خلال الجمع بين رؤية أرندت وتحليل روشوالد، يمكن القول إن **القومية العرقية كانت الردّ التاريخي على أزمة الانتماء الاجتماعي** التي سببتها الحداثة الصناعية.
ومع فقدان الأرض والعائلة، سعت المجتمعات إلى اختراع بدائل هووية تضمن التماسك، لكنها في الوقت ذاته **أطلقت بذور الصراع العرقي والطبقي**.
هذه العملية لا تزال مستمرة اليوم في صور جديدة — من الانتماءات الرقمية إلى الوطنية الاقتصادية — لكنها تحمل الجوهر ذاته الذي وصفته أرندت:
محاولة الإنسان أن يجد لنفسه موطئ قدم في عالم سلبه موارده، فحوّله إلى كائن اقتصادي يبحث عن الأمان في الانتماء الرمزي.

---

### خاتمة

يُظهر اللقاء بين **روشوالد** و**أرندت** أن القومية الحديثة ليست مجرد نتاج للسياسة، بل **نتاج لفقدان الإنسان الحديث لأشكال الأمان التي كانت تمنحه معنى الانتماء**.
فحين فقدت العائلة أرضها، فقد الإنسان جذره، وعندما تولّى المجتمع والدولة وظائف الأسرة، تحوّل الانتماء إلى مسألة مؤسسية لا عاطفية، إلى هوية تُدار من فوق.
وهكذا، في المسافة بين الأرض المفقودة والدولة القومية الصاعدة، وُلد ما تسميه أرندت **الاغتراب الحديث** — ذلك الشعور العميق بالانفصال عن العالم، والذي ما يزال يطاردنا في أشكال جديدة حتى اليوم.

---

### 📚 المراجع

* Aviel Roshwald, *Ethnic Nationalism and the Fall of Empires: Central Europe, the Middle East and Russia, 1914–1923*, Cambridge University Press, 2001.
* حنّا أرندت، *أصول التوتاليتارية*، ترجمة عبد الرحمن بشناق، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2011.
* حنّا أرندت، *الشرط الإنساني*، ترجمة عبد الرحمن بشناق، دار الساقي، بيروت، 2012.
* عاطف معتمد وعزت زيان (مترجمان): *القومية العرقية وسقوط الإمبراطوريات*، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2012.



#هاني_صالح_الخضر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الهيمنة بالدولار إلى عصر الذهب الجديد: كيف تُعيد الصين رس ...
- هل ستفقد نصف أموالك فجأة؟ أمريكا تخطط لذلك…
- البيتكوين… هل أصبح وسيلة لسداد ديون أمريكا؟
- الأمة الوسط و الأمم الأخرى
- حين يصبح الدين وقودًا للهيمنة - الحلقة الأولى
- من يكتب مصيرنا؟
- هندسة الاستسلام البارد: ثلاثية السيطرة النفسية في الحرب الرم ...
- خذني، لكن لا تقل -نعود-
- إلى آخر ظلٍّ في ساحات المعبد
- من بغداد إلى إدلب: كيف تعلّمت واشنطن وأعادت هندسة المشرق
- سوريا بين مطرقة النظام وسندان المؤامرة
- شركة واحدة تهزم اقتصاد أمة
- موت الوطن - إلى الذين لا يعرفون بعدُ لماذا هم هنا...
- نحو بديل حضاري... الكتلة الحرجة الواعية
- المتثاقفون والمتأسلمون: بيادق الهيمنة الناعمة
- العروبة والإسلام: توحيد لا تصادم
- الإسلام السياسي: مصطلح مفخّخ لشيطنة المشروع الحضاري
- تحليل بنيوي للشرذمة النفسية
- -الأسد يبني ليراقبك-: كيف تحوّلت العمارة في سوريا إلى أداة ق ...
- العلمانية... من مشروع تحرر إلى أداة استعمار ناعم


المزيد.....




- بشبهة العلاقة بحماس.. ضبط أسلحة في النمسا وتوقيفات في لندن و ...
- 15 سنة سجنا بحق الرئيس السابق... نهاية أطول محاكمة في موريتا ...
- فرنسا تقول إنها تجري -حوارا لا بدّ منه- مع الجزائر للإفراج ع ...
- مجلس الأمن يرفع العقوبات عن الرئيس السوري أحمد الشرع قبل زيا ...
- الجزائر ومصر وتونس تدعو الليبيين للانخراط في مسار التسوية ال ...
- سرقة اللوفر مشاهير ضمن السارقين؟
- المغرب: إحياء الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء
- تونس: انطلاق أشغال المؤتمر الإقليمي الإفريقي للطب العسكري
- غزة مباشر.. أكثر من 10 آلاف شهيد تحت الأنقاض وإسرائيل تزيد ا ...
- هل يحرك القرار الأممي 2797 الركود في علاقات المغرب والجزائر؟ ...


المزيد.....

- نبذ العدمية: هل نكون مخطئين حقًا: العدمية المستنيرة أم الطبي ... / زهير الخويلدي
- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - هاني صالح الخضر - من العائلة إلى الدولة: القومية، الاغتراب، وتحوّلات الهوية- قراءة في أفيل روشوالد وحنّا أرندت