أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - هاني صالح الخضر - سوريا بين مطرقة النظام وسندان المؤامرة














المزيد.....

سوريا بين مطرقة النظام وسندان المؤامرة


هاني صالح الخضر

الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 08:58
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


ما جرى في سوريا، من تخلي داعمي "الجيش الحر" وانكفاء مشروع التغيير الوطني، لم يكن مجرّد تحوّل تكتيكي، بل كان انكشافًا مريرًا لطبيعة اللعبة الدولية والإقليمية، وتكريسًا لواقع الخراب الذي ساهمت فيه أطراف متعددة، من ضمنها لا فقط القوى الإمبريالية والأنظمة الرجعية، بل كذلك النظام السوري نفسه، بوجهيه: الأب والابن.

فحين نتحدث عن الخراب السوري، لا يمكن لنا أن نتغافل عن المنهجية التي اتبعها حافظ الأسد في خنق الحياة السياسية السورية، وتحويل الدولة إلى جهاز أمني ضخم، والمجتمع إلى رهينة تحت سلطة الخوف. لقد قام الأسد الأب، منذ مطلع السبعينيات، بتفكيك كل إمكان للتمثيل السياسي المدني، وتجفيف المجال العام، وإلغاء التعدد والاختلاف. كان مشروعه هو "الدولة-المزرعة"، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الزعيم، ولا وجود لسياسة خارج عباءة السلطة.

هذا ما تسميه هانا أرندت "تحطيم الإنسان"، حين يُلغى الفرد كمواطن حرّ ليُعاد تشكيله كأداة أو تابع أو مشروع مشتبه به دائمًا. وهكذا، كان المواطن السوري مغتربًا في بلده، مسحوقًا تحت آلة أمنية ــ أيديولوجية، تمتص الذاكرة، وتحاصر الحلم، وتعيد تعريف الولاء الوطني على أنه ولاء لشخص، لا لوطن.
ثم جاء بشار الأسد ليورّث هذا النظام ولكن من دون مشروع سياسي واضح، سوى الإبقاء على آلة القمع وتحديث وجهها الخارجي. وما إن انطلقت شرارة الثورة، حتى اختار النظام الرد بوسائل عرفها جيدًا: القمع، الدم، التخوين، وتعميم الخراب.
وما فعله النظام في العقد الأخير لم يكن مجرد قمع، بل تدمير منهجي لوحدة البلاد ولنسيجها المجتمعي، عبر سلسلة من الخطوات الكارثية:

أطلق سراح قادة جهاديين وسلفيين من سجون صيدنايا وفروع الأمن، ليرتكبوا لاحقًا أفعالًا تسهّل سردية "محاربة الإرهاب"، في الوقت الذي اعتقل فيه الناشطين السلميين، والفنانين، والصحافيين، والسياسيين الوطنيين، الذين طالبوا بالتغيير المدني.

رسّخ الانقسام الطائفي، وصنع من الهوية المذهبية متراسًا للسلطة، يلوّح به لتخويف الأقليات من "الغالبية السنّية"، ويبتز الغالبية بحجّة "حماية الوطن" من التكفير.

استدعى علنًا الميليشيات الطائفية من لبنان (حزب الله)، ومن العراق (كتائب أبو الفضل العباس والنجباء وغيرها)، ومن إيران، لتقاتل على الأرض السورية دفاعًا عن سلطته، لا عن البلاد.

حوّل المدن والبلدات الثائرة إلى ساحات حرب شاملة، عبر القصف بالطيران والبراميل، ثم عمليات الحصار والتجويع والتهجير، كما حصل في داريا، وحمص، والغوطة، وحلب وغيرها.

فتح أبواب الفساد حتى صارت "غنائم ومكاسب النظام" مرتبطة بشبكة مالية تشبه المافيا، يتحكم عبرها في الاقتصاد، ويُنهك بها الطبقة الوسطى، ويفتّت المجتمع بمحاباة أمراء الحرب والولاءات المناطقية والمذهبية.

من هذا المنظور، لم يكن النظام متفرجًا فقط في المؤامرة الكبرى على سوريا، بل كان جزءًا منها، إذ إن غيابه عن الإصلاح الحقيقي، وعن التحول نحو نظام ديمقراطي علماني يعترف بجميع مكونات الشعب، هو ما أتاح للثالوث الدنس ــ أمريكا، الصهيونية، والرجعية العربية ــ أن يتسلل إلى قلب المجتمع السوري الممزق.
وعليه، فإن التخلي عن دعم "الجيش الحر"، وتسليم المشهد لتنظيمات أكثر تطرفًا، لم يكن مجرد خطأ في الحسابات، بل كان في بعض جوانبه نتيجة مقصودة، ساهم فيها النظام نفسه حين حوّل الساحات إلى معسكرات، وشيطن الحراك الشعبي، وافتعل الفوضى، ليثبت أنه "الخيار الوحيد الممكن".

ولنكن واضحين، منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، كانت سوريا مستهدفة لتفكيك دورها الإقليمي، وعزلها عن محيطها الحيوي، وتحويلها إلى ساحة صراع لا طرفًا فيه. وقد توجّ ذلك بإخراجها من لبنان، و غض النظر عن تحالفها مع محور التبعية الإيرانية،
لكن ما لم تفهمه مراكز القرار في الغرب هو أن سوريا، بما تمثّله من تعقيد ديموغرافي، وجغرافيا حساسة، وتاريخ من الهوية الجامعة، ليست قابلة للتفكيك بسهولة، إلا إذا شارك النظام ذاته في تقويض بُنيتها الوطنية، وهذا ما حدث بالفعل، حين تم تجييش الطوائف، وتسليح الخوف، وبيع الجغرافيا مقابل البقاء.

أما إسرائيل، التي تقف دومًا على خط الصدع في المنطقة، فقد وجدت فرصتها التاريخية في هذا الانهيار. فمنذ وثيقة "عوديد يانون" عام 1982، التي دعت إلى تفكيك دول الطوق إلى كيانات طائفية، كان الحلم الصهيوني هو جعل التفكك العربي ذاتيًا، من الداخل، بأيدي الأنظمة وشعوبها. وفي سوريا، كان النظام حليفًا موضوعيًا لهذا المشروع، دون أن يعي أو دون أن يكترث.
ولم تكن روسيا، رغم حضورها العسكري، سوى شاهد زور على أكثر من 500 غارة إسرائيلية على الأراضي السورية، وسط صمت استراتيجي، يعكس تفكك الإرادة الدولية إزاء بقاء سوريا موحدة.
ما يجري في سوريا هو نتيجة تلاقي مشروعين:

مشروع تدميري خارجي يسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة وفق خرائط جديدة.

ومشروع استبدادي داخلي حوّل الوطن إلى "مزرعة أمنية" واستثمر في الطائفية، وقمع السياسة، ودمّر إمكان التغيير السلمي الحقيقي.

الجيش الحر، في بداياته، كان تعبيرًا عن التمرّد الوطني ضد هذا الواقع، وكان من الممكن أن يتحوّل إلى نواة جيش وطني ديمقراطي لولا أن تخلى عنه الجميع، واختُطف المشروع بأكمله لصالح وكلاء إقليميين وعالميين، يبحثون عن مصالحهم لا عن كرامة السوريين.

وفي الختام، لا بد من القول إن سوريا اليوم ليست فقط ضحية إسرائيل وأمريكا والرجعية، بل هي أيضًا ضحية نظام لم يقرأ شعبه، ولم يسمع أصواته، ولم يعترف بحق أبنائه في الحياة الحرة. ولكن التاريخ لا يُكتب من ورقة واحدة، ولا الشعوب تُقهر إلى الأبد.
إن الشعب السوري، رغم المآسي والخذلان، لا يزال يحمل في ذاكرته المتعبة شوقًا لوطن ديمقراطي، عادل، لا طائفي، لا استبدادي، ولا تابع.
سوريا تستحق أكثر من هذا الجحيم.



#هاني_صالح_الخضر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شركة واحدة تهزم اقتصاد أمة
- موت الوطن - إلى الذين لا يعرفون بعدُ لماذا هم هنا...
- نحو بديل حضاري... الكتلة الحرجة الواعية
- المتثاقفون والمتأسلمون: بيادق الهيمنة الناعمة
- العروبة والإسلام: توحيد لا تصادم
- الإسلام السياسي: مصطلح مفخّخ لشيطنة المشروع الحضاري
- تحليل بنيوي للشرذمة النفسية
- -الأسد يبني ليراقبك-: كيف تحوّلت العمارة في سوريا إلى أداة ق ...
- العلمانية... من مشروع تحرر إلى أداة استعمار ناعم


المزيد.....




- الصحفيون الأفارقة يدينون الاغتيالات المتزايدة والمتواصلة للص ...
- غزة والنيوفاشية العالمية
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- حزب التقدم والاشتراكية يقرر تفعيل مسطرة تجريد ستة أعضاء من ع ...
- القوة قد تُسكت الأصوات، لكنها لا تُلغي الحقيقة
- ترامب وصل إلى لندن في زيارة تاريخية.. وعمدة المدينة يتهمه بت ...
- وهم “الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية”
- شخصيات عامة وقوى سياسية وحقوقية ومهنية يطالبون بإسقاط معاهدة ...
- من الجامعة كأداة للدولة إلى فضاء خاضع للسيطرة
- إقالة واستقالة وانقسامات بحزب العمال.. ستارمر يواجه اختبار ا ...


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - هاني صالح الخضر - سوريا بين مطرقة النظام وسندان المؤامرة