أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - هاني صالح الخضر - المتثاقفون والمتأسلمون: بيادق الهيمنة الناعمة














المزيد.....

المتثاقفون والمتأسلمون: بيادق الهيمنة الناعمة


هاني صالح الخضر

الحوار المتمدن-العدد: 8418 - 2025 / 7 / 29 - 00:32
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


في زمن ما بعد الحقيقة، لم يعد القمع الصريح هو الأداة الأنجع للهيمنة، بل أصبح التزييف الذكي للوعي هو السلاح المفضل للأنظمة والسرديات الكبرى. في هذا السياق، ظهرت فئة هجينة من المثقفين والمتدينين – أو بالأحرى منتحلي صفاتهم – تم توظيفهم، بوعي أو بدونه، داخل آليات السيطرة الناعمة لإنتاج وعي مفرّغ، خاضع، وسهل التوجيه.

▪ المتثاقف: صوت الهيمنة بلسان الثقافة
في تنظيره حول "المثقف العضوي"، رأى أنطونيو غرامشي أن المثقف الحقيقي ليس مجرد حامل معرفة، بل فاعل اجتماعي في صراع الهيمنة، منحاز بطبعه لطبقة أو مشروع تاريخي. لكن ما نراه اليوم في الساحات الثقافية العربية هو نقيض ذلك: "المتثاقف" – مَن يقتات على الوجاهة الثقافية، ويقدّم خطابًا يبدو تنويريًا، لكنه يُقلم مخالب النقد الحقيقي ويوجه الوعي الشعبي نحو مشاريع السلطة أو السوق.

يتحدث هذا المتثاقف بلغة العقلانية، لكنه لا يجرؤ على المساس بالبنية البنكية أو الأمنية التي تحكم المجتمعات. يناقش حقوق الإنسان دون أن يلامس الاستعمار الناعم، ويُحرّك ملفات الهوية لكنه يبتعد عن نقد المشاريع الغربية أو الصهيونية أو النيوليبرالية. إنه نموذج "التقدمي المحايد" الذي يخدم بإخلاص سردية الهيمنة، باسم العقل.

▪ المتأسلم: عباءة الدين في خدمة الأجهزة
في الضفة الأخرى، يظهر "المتأسلم" – ليس المتدين الحقيقي، بل من يرتدي عباءة الدين لأداء دور وظيفي في منظومة الهيمنة. هذا النموذج قد يكون داعية استعراضيًا يُصدّر خطابًا مفرغًا عن الأخلاق الفردية والانضباط السلوكي، دون أي تقاطع مع العدالة أو مقاومة الظلم أو نقد الطغيان. أو قد يكون سياسيًا يمزج بين الشعارات الإسلامية والمصالح الانتهازية، لتمرير خطاب مهادن يُرضي الداخل والخارج معًا.

هذه الشخصيات كثيرًا ما تُروّج عبر منصات إعلامية ضخمة، يتم تضخيمها عبر شبكات التمويل والمنظمات الدولية، لتُقدّم "إسلامًا ناعمًا"، منزوع الدسم، قابلًا للتطويع داخل سرديات الدولة الأمنية أو المشاريع الغربية لما يسمى "الإسلام المعتدل".

▪ عندما تتقاطع الهيمنة مع التمويل
العديد من المؤسسات الدولية، تحت عناوين الديمقراطية والتنمية، ساهمت في خلق "نخب إسلامية علمانية" – نخب تتحدث بلسان الدين، لكنها تروّج لقيم تفكك البنية الرمزية للدين نفسه. إنها نخب مُمولة بعناية، تُمثّل دور "التجديد"، لكنها في الجوهر تُعيد إنتاج إسلام خانع، فرداني، منزوع السياسة والكرامة، ينسجم تمامًا مع منطق السوق والدولة المخابراتية.

في المقابل، يتم التضييق على كل من يحاول الجمع بين الوعي الديني والالتزام السياسي والتحرر الفكري. لأن هذا النموذج – المتمثل مثلًا في شخصيات كـمالك بن نبي أو محمد إقبال أو حتى من المعاصرين كطه عبد الرحمن – يُهدد بنية السيطرة ويعيد وصل الدين بالفعل التاريخي والتحرري.

▪ في ساحة الأسماء: بين الإشارة والتصريح
ليس المقصود هنا شيطنة الأفراد، بل تفكيك الأدوار التي أصبح الكثيرون يؤدونها عن وعي أو غفلة. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الأسماء التي أصبحت رموزًا لهذه الثنائية الوظيفية: من دعاة الاستعراض الذين يتحولون إلى وجوه إعلانية، إلى كتاب الأعمدة الذين يكتبون عن "التسامح" بينما يروّجون للتطبيع، مرورًا ببعض رموز "الإسلام المجدد" الذين يكررون خطابًا غربيًا مغلفًا ببعض الاستشهادات الدينية.

إنها منظومة واحدة: المثقف الذي يُسكت النقد باسم "الواقعية"، والداعية الذي يُخدر الوعي باسم "الرضا"، والباحث الذي يُفرغ المصطلحات من جذورها ليعيد تعبئتها في قوالب الاستشراق الحديث.

▪ نحو إعادة تعريف الوعي
الرهان اليوم ليس على إنتاج مزيد من "النجوم" الدينية أو الثقافية، بل على تفكيك بنية النجومية ذاتها. المطلوب هو بعث المثقف المؤمن، لا بالمعنى الطقوسي، بل المؤمن بالكرامة، بالعدالة، بالتحرر من الهيمنة. والمطلوب كذلك استعادة الدين كقوة تحرير لا كأداة ترويض، واستعادة الثقافة كفعل مقاومة لا كمحتوى استهلاكي.

إن معركة الوعي لم تعد مع الحكام وحدهم، بل مع البيادق الناعمة التي تُعيد إنتاج الاستلاب تحت أقنعة العقل والدين معًا.

............................................................

الهوامش:
Antonio Gramsci, Selections from the Prison Notebooks, ed. Quintin Hoare and Geoffrey Nowell Smith, (International Publishers, 1971).

عبد الوهاب المسيري، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، دار الشروق.

طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق، المركز الثقافي العربي.

مالك بن نبي، شروط النهضة، دار الفكر.



#هاني_صالح_الخضر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العروبة والإسلام: توحيد لا تصادم
- الإسلام السياسي: مصطلح مفخّخ لشيطنة المشروع الحضاري
- تحليل بنيوي للشرذمة النفسية
- -الأسد يبني ليراقبك-: كيف تحوّلت العمارة في سوريا إلى أداة ق ...
- العلمانية... من مشروع تحرر إلى أداة استعمار ناعم


المزيد.....




- غزة ولينينغراد.. الحصار وصمود المدن
- بالفيديو.. جورج عبد الله للجزيرة نت: عودتي ليست نهاية النضال ...
- جهة الدار البيضاء: السلطات تواصل التضييق على حزب النهج الديم ...
- سؤال وجواب حول إضراب يوم شغيلة غلوفو GLOVO يوم الاثنين 28 ...
- احتجاجات عمال التوصيل لدى شركة “كلوقو” (GLOVO) مستمرة…
- حزب التقدم والاشتراكية ينعى المناضل التقدمي الكبير حميد المُ ...
- م.م.ن.ص// لا نقبل التشتيت.. ولا تراجع عن مواجهة الهدم!
- المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي ينعي الرفيق أحم ...
- حزب العمال: العصابة الصّهيونية تعربد من جديد وتعتدي على سفين ...
- الرفيق عزوز الصنهاجي، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتر ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - هاني صالح الخضر - المتثاقفون والمتأسلمون: بيادق الهيمنة الناعمة