أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هاني صالح الخضر - هندسة الاستسلام البارد: ثلاثية السيطرة النفسية في الحرب الرمادية














المزيد.....

هندسة الاستسلام البارد: ثلاثية السيطرة النفسية في الحرب الرمادية


هاني صالح الخضر

الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 00:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


❝حين تبتسم لك اليد التي تخنقك❞

في أحد تقارير الحرب النفسية التي نشرتها الاستخبارات الأميركية حول "الحرب الكورية"، وردت رواية غريبة عن أسرى من الجنود الأميركيين الذين لم يتعرضوا لأي تعذيب جسدي مباشر، لكنهم خرجوا من المعتقلات منهارين تمامًا، بعضهم انتحر، وبعضهم صار يكتب تقارير ضد زملائه دون إكراه، والسبب؟ ما سمّته التقارير: "غسيل الوعي البارد" — مزيج من العزل الرمزي، وتفكيك المعنى، وتضخيم العجز.
هذه القصة ليست استثناء، بل أصبحت النموذج العملي الأنجح لآليات السيطرة النفسية التي تستخدمها النخب المهيمنة في الحروب الرمادية المعاصرة ضد الشعوب.

🔻 الحرب الرمادية: حين تصبح الهيمنة ناعمة وغير مرئية

في زمن "ما بعد الحقيقة"، لم تعد السيطرة تعتمد على القمع المباشر وحده، بل على تفكيك القدرة على المقاومة من الداخل، دون طلقة واحدة. النخبة الصهيونية، بوصفها مركزًا لدوائر الهيمنة العالمية، أدركت أن التحكم بالعقل الجمعي أخطر من احتلال الأرض.
هنا تظهر "ثلاثية السيطرة النفسية" كآلية مركزية في إنتاج هندسة الاستسلام البارد، وهي:

1️⃣ إعدام الأمل: صناعة اليأس كأداة استراتيجية

وفق ما بيّنه نعوم تشومسكي في نظريته عن "تصنيع القبول" (Manufacturing Consent)، فإن أنظمة الهيمنة تُغرق الوعي الجماعي برسائل اليأس، ليس عشوائيًا، بل كتكتيكٍ لإخراج الشعوب من معادلة التأثير.
الإعلام، هنا، لا ينقل الواقع، بل يعيد إنتاجه، عبر ضخّ صور الانكسار، وتغذية القناعة اللاواعية بأن "الواقع غير قابل للتغيير".
هذا يشبه ما سمّاه ميشيل فوكو بـ"السلطة الميكروفيزيائية"، حيث تُمارس الهيمنة لا عبر الجلاد، بل عبر الذات التي تراقب ذاتها وتقمع أملها بنفسها.

❝ليس المطلوب قمع المقاومة، بل جعلها مستحيلة التصوّر❞
— فوكو، المراقبة والمعاقبة

2️⃣ احتكار السردية: سجن الخيال في تكرار الهزيمة

تستخدم النخبة المهيمنة آلية "الإغلاق السردي القسري" (Forced Narrative Closure) لمنع الشعوب من تخيّل مستقبل بديل.
يشرح بيير بورديو كيف تمارس النخب سلطتها عبر ما يُعرف بـ"العنف الرمزي"، حين تفرض تصوّراتها للعالم باعتبارها "الحقيقة الطبيعية"، فيُصبح الانكسار قدرًا لا يُناقش.
هذا يخلق ما أسماه إدوارد سعيد "الذاكرة المنتقاة"، حيث يتم ترسيخ صور فشل دائم، وتُمحى من الوعي صور الانتصار أو الإمكانية.

3️⃣ وهم السيطرة الشاملة: شلل الإرادة تحت سطوة الخيال

في هذا الركن الثالث، تُبث دعاية تؤكد سيطرة النخبة على كل المفاصل: الإعلام، القضاء، الاقتصاد، الأمن... فيشعر الجمهور أن كل باب مغلق.
يسمي علماء النفس هذا بـ"وهم السيطرة الكاملة" (Total Control Illusion)، حيث يُقنع الناس بأنهم عاجزون، حتى وهم يملكون أدوات التغيير.
تربط هانا أرندت هذا النوع من الهيمنة بما تسميه "التفكيك البيروقراطي للمعنى"، إذ تفقد المجتمعات ثقتها بقدرتها على الفعل، فيتحوّل النظام إلى سجن مفتوح.

❝تدمير السياسة يبدأ حين يتوقف الناس عن الاعتقاد بأن ما يفعلونه له أثر❞
— هانا أرندت، أسس التوتاليتارية

🧩 كيف تفكك هذه الثلاثية المجتمعات؟

هذه الثلاثية ليست مجرد أدوات إعلامية، بل منظومة كاملة لـ "تحييد الأغلبية"، عبر ما يُعرف في علم النفس السياسي بـ"الهندسة الإدراكية"، وتُستخدم بذكاء في مراحل ما قبل السقوط أو التطبيع أو الاستسلام.
تقوم هذه المنظومة على تحطيم الفاعلية الفردية والجماعية، وإنتاج ثقافة "اللاجدوى"، وإغراق الحراك الشعبي في مستنقع العجز والتكرار.

🛠 مقترحات للمقاومة الإدراكية:

تفكيك السردية الرسمية عبر بناء ذاكرة بديلة تستعيد لحظات النهوض والتغيير الحقيقي.

إعادة الأمل كخطة واعية وليس كحالة عاطفية.

كسر وهم السيطرة بإبراز اختراقات رمزية حقيقية.

التعليم النقدي كوسيلة مركزية لتحصين العقول من التلاعب.

🧭 خلاصة:

الحرب الحقيقية اليوم تُخاض في العقول، لا على الحدود.
ومثلما قال فوكو:

❝المعركة من أجل الحقيقة ليست معركة ضد الجهل، بل ضد مؤسسات الحقيقة❞.

فإن معركتنا ليست فقط مع النخبة الصهيونية كسلطة سياسية أو مالية، بل كسلطة رمزية تُهندس الوعي ليقبل بعبوديته.

📚 أهم المراجع (موثقة):

Noam Chomsky, Manufacturing Consent, 1988.

Michel Foucault, Discipline and Punish, 1975.

Pierre Bourdieu, Symbolic Power, 1991.

Hannah Arendt, The Origins of Totalitarianism, 1951.

Edward Said, Culture and Imperialism, 1993.

Philip Zimbardo, The Lucifer Effect, 2007.

George Gerbner, Cultivation Theory, multiple publications.

.



#هاني_صالح_الخضر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خذني، لكن لا تقل -نعود-
- إلى آخر ظلٍّ في ساحات المعبد
- من بغداد إلى إدلب: كيف تعلّمت واشنطن وأعادت هندسة المشرق
- سوريا بين مطرقة النظام وسندان المؤامرة
- شركة واحدة تهزم اقتصاد أمة
- موت الوطن - إلى الذين لا يعرفون بعدُ لماذا هم هنا...
- نحو بديل حضاري... الكتلة الحرجة الواعية
- المتثاقفون والمتأسلمون: بيادق الهيمنة الناعمة
- العروبة والإسلام: توحيد لا تصادم
- الإسلام السياسي: مصطلح مفخّخ لشيطنة المشروع الحضاري
- تحليل بنيوي للشرذمة النفسية
- -الأسد يبني ليراقبك-: كيف تحوّلت العمارة في سوريا إلى أداة ق ...
- العلمانية... من مشروع تحرر إلى أداة استعمار ناعم


المزيد.....




- فساتين النجمات في حفلات صيف 2025: بين الأناقة والتمرّد على ا ...
- مراسلة CNN تضغط على ترامب بشأن الاجتماع المحتمل مع بوتين
- البرغوثي يعلق على خطة غزة التي أعلنها نتنياهو
- ماذا كشف نتنياهو بخطة غزة الجمعة؟.. إليك ما نعلمه ولا نعلمه ...
- مفاوض سابق عن خطة احتلال غزة: من الصعب نجاحها وستكون باهظة ا ...
- لماذا تقود السعودية حملة دولية للاعتراف بدولة فلسطينية؟
- رفيقك الوفي.. كلبك قد يعيد لك توازنك ويخفف من الضغوط والتوتر ...
- وزير الهجرة اليوناني يشيد بتراجع أعداد الوافدين بعد شهر من ت ...
- فيدان: ناقشت مع الشرع تعميق التعاون والقضايا الأمنية
- حكم قضائي رابع يوقف أمر ترامب بمنع منح الجنسية الأميركية بال ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هاني صالح الخضر - هندسة الاستسلام البارد: ثلاثية السيطرة النفسية في الحرب الرمادية