أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن صالح الشنكالي - غياب المشروع الوطني… العراق بين وهم الوحدة وحقيقة الانقسام














المزيد.....

غياب المشروع الوطني… العراق بين وهم الوحدة وحقيقة الانقسام


حسن صالح الشنكالي
كاتب وباحث تربوي واجتماعي

(Hassan Saleh Murad)


الحوار المتمدن-العدد: 8520 - 2025 / 11 / 8 - 10:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ونحن مقبلون على الصمت الانتخابي في هذا اليوم السبت، الموافق 8 تشرين الثاني، عند تمام الساعة السابعة مساءً نقولها بصدق ووجع عراقي خالص:
إن ما نراه من خطابات انتخابية متكررة لا يبشر بولادة عراق جديد، بل يعيد تدوير الأزمات القديمة بشعارات جديدة.
فما تزال أغلب البرامج السياسية تفتقر إلى المشروع الوطني الجامع، وتدور في فلك الانتماءات الطائفية المقيتة، وكأن العراق مجموعة تكتلات مذهبية وقومية متباعدة لا يربطها وطن واحد.

من الشعارات العروبية إلى المحاصصة الطائفية
لقد أُنهك العراق، منذ منتصف القرن الماضي، بشعارات عروبية صاخبة لم تترجم يوماً إلى مشروع دولة حقيقية.
كانت الأنظمة السابقة تتغنى بوحدة الأمة، وهي تغرق العراق في حروب داخلية وخارجية استنزفت أبناءه وثرواته.
وحين سقط النظام عام 2003، كان الشعب يحلم ببداية جديدة، لكنه استيقظ على وطن ينهار من الداخل.

بدل أن تبنى الدولة على أسس المواطنة والعدالة، تكرست المحاصصة الطائفية في كل مفاصلها.
تقاسمت القوى السياسية الوطن كما تقسم الغنائم، فصار لكل مكون نصيبه تباع به حقائب الوزارات والمناصب،
وغاب الانتماء إلى العراق ليحل محله الولاء للحزب أو الطائفة أو الزعيم.
حكومات فاشلة وجمهور مخدوش
منذ عام 2003 وحتى اليوم، لم تنجح أي حكومة في بناء مشروع وطني حقيقي. كل كتلة ظلمت جمهورها قبل غيرها؛ فاسد الشيعة منهم، وسارق السنة منهم، وفاسد الكرد منهم.
والنتيجة: دولة مشلولة الإرادة، تتنازعها الولاءات والانقسامات.
وعندما تطلع على الدعايات الانتخابية للمرشحين لا تجد في برامج المرشحين ما يعالج أزمات المياه، ولا البطالة، ولا التعليم المنهار، ولا الصناعة المتوقفة، ولا البنية التحتية المتهالكة، ولا نظام صحي يليق بالمواطن. ومنذ عام 2003، لم توفر الحكومات المتعاقبة سكن ملائم للمواطن، فمعظم البنايات الجديدة عشوائية عدا إقليم كردستان. أما الفساد، فقد صار ثقافة سياسية لا جريمة يحاسب عليها أحد، وأصبح شعار (محاربة الفساد) مجرد بند انتخابي بلا مضمون.

موارد مهدورة وطاقات معطلة
العراق ليس فقيراً..
إنه بلد غني بالثروات الطبيعية والبشرية؛ أرض خصبة، ونفط وفير، وعقول متعلمة وكفاءات شابة تبحث عن فرصة لتخدم وطنها.
لكن هذه الطاقات تهدر، وهذه الثروات تنهب وسط صراع الأحزاب وتضارب المصالح.
لقد تحول النفط من نعمة إلى نقمة، والثروة من وسيلة للتنمية إلى أداة للمساومة السياسية،
توزع مغانمها لا على أساس الكفاءة، بل على مبدأ الولاء.
في خضم هذا التشتت العام، بقي الولاء الإيزيدي حالة فريدة في المشهد العراقي؛ ولاء لم يكن يومًا للطائفة وحدها، بل للوطن بأسره، ولاء متجذر في أرض الرافدين وضميرها، صادق رغم ما لحق بهذه الجماعة من ظلم وتهميش وإبادة.
ومع ذلك، كان الإيزيديون أكثر المكونات التي دفعت الثمن؛ فقد تعرضوا لإبادة جماعية على يد تنظيم داعش، حين سبيت نساؤهم قتل رجالهم وهجر أبناؤهم، تحت نظر عالم صامت ودولة عاجزة.
واليوم، وبينما جراح سنجار لم تلتئم بعد، نرى قرارات العفو العام تخرج لتشمل بعض المجرمين والإرهابيين،
ليس بدافع العدالة أو التسامح، بل بسبب المساومات السياسية التي تجرى على حساب الدم العراقي، دم الإيزيديين، ودم شهداء سبايكر الذين ذبحوا بوحشية، ودماء الأبرياء الذين ابتلعتهم حفرة الخسفة في نينوى وسواها. أي عدالة هذه التي تنسى الضحايا وتصفح عن الجناة؟ وأي وطن يقام على مقايضة الدم بالسلطة؟

الوطن الممزق بين الطوائف والمناطق
إن أخطر ما يواجه العراق اليوم ليس الفساد المالي فحسب، بل الفساد في الفكرة الوطنية ذاتها.
حين تتحول الهوية الطائفية أو القومية إلى بديل عن الهوية العراقية، يصبح التقسيم واقعًا لا احتمالًا.
حتى في أبسط الدعايات الانتخابية، تعاد إنتاج الشعارات التي تقصي الآخر وتقدس الذات.
قرأت مؤخرًا منشورًا على منصة X يقول: «انتخابك لهذا المرشح دعم للعروبة».
أحدهم كتب في منصة X: «انتخابك لهذا المرشح دعم للعروبة»، وكأن الوطن يختزل في هوية واحدة!
أيها المواطن، ابن وطنك أولًا، ورمم ما مزقته الحروب الطائفية، قبل أن تتغنى بشعارات لا تطعم جائعًا ولا تبني مدرسة.

لكن متى كانت الانتخابات امتحانًا في القومية؟
إنها امتحان في القدرة على بناء الدولة، لا في الانتماء لهوية واحدة.
فالعراق لا يبنى بالعروبة وحدها، ولا بالكردية وحدها، ولا بالإيزيدية أو التشيع أو التسنن،
بل بالمواطنة الجامعة التي تعيد الثقة بين أبناء البلد الواحد،
مواطنة تجعل الجميع شركاء في الهم والأمل والمصير.

نحو مشروع وطني جامع
لقد آن الأوان لأن يعاد تعريف معنى العراق أولًا. فالمشروع الوطني ليس شعارًا، بل فعل وعي ومسؤولية، يقوم على المساواة في الحقوق والواجبات، وعلى سيادة القانون فوق العصبيات.
ما لم تتحرر الأحزاب من أسر المحاصصة، وتتحرر العقول من الطائفية، ستبقى الدولة هشة من الداخل مهما بدت متماسكة في الشكل. والوطن الذي ينهار في وجدانه قبل جغرافيته، مقدم على التقسيم لا محالة.
إن أخطر أنواع التقسيم ليست تلك التي ترسم على الخرائط،
بل تلك التي تتسلل إلى الوعي وتفرق أبناء الشعب الواحد،
ولذلك فمعركتنا اليوم ليست مع العدو الخارجي،
بل مع الانقسام الداخلي الذي يعيد إنتاج الخراب جيلًا بعد جيل.

وختاماً
بين الشعارات التي أكلها الغبار، والبرامج التي لا تلامس وجع المواطن،
وبين فشل الحكومات المتعاقبة، يقف العراق اليوم على مفترق خطير من تاريخه:
إما أن يولد مشروع وطني جديد،
وإما أن يستمر الانحدار نحو دولة الطوائف والمناطق والمصالح.
إن التاريخ لا يرحم الشعوب التي تهدر فرصها.



##حسن_صالح_الشنكالي (هاشتاغ)       Hassan_Saleh_Murad#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زهران عمدة نيويورك الجديد خليط متجانس
- هل رجل الدين لازال صمام أمان للمجتمع؟ وكيف تكون نظرته إلى ال ...
- الصدر مجددًا يعلن المقاطعة بين وهم المقاطعة وضرورة المعارضة
- الإيزيديون بين الدستور وواقع الإقصاء الانتخابي
- الانتخابات العراقيّة بين الشكوك والتوافق الإجباريّ
- تحولات الشرق الأوسط بين سقوط الأيديولوجيا وصعود الفرد
- بين الرموز والعبادة: قراءة في الإنسانية والدين في التراث الع ...
- العراق بين صناديق الاقتراع ومأزق الطائفية
- الدرس التاسع : كيف نفهم الدرس بسهولة
- الدرس العاشر: مستقبل التعليم في ظل الذكاء الاصطناعي
- التعليم والاقتصاد… هدر الطاقات في وطنٍ حائر
- دروس في التربية / الدرس الثاني
- دورس في التربية / الدرس الثالث
- دروس في التربية / الدرس الرابع
- دروس في التربية / الدرس الخامس
- دروس في التربية / الدرس السادس
- دروس في التربية / الدرس السابع
- دروس في التربية / الدرس الثامن
- دروس في التربية / الدرس الاول
- بيان استنكار


المزيد.....




- ما قصة الجدل حول خطة عقارية مثيرة ترتبط بترامب في صربيا؟
- تصوير طائرة مسيرة يظهر بوكروفسك وسط صراع روسيا وأوكرانيا على ...
- روسيا تشن هجومًا واسع النطاق على شبكة الطاقة الأوكرانية مع ت ...
- ارتفاع مهول في رفض لجوء السوريين في ألمانيا
- كوريا الشمالية تهدد باعتماد نهج -هجومي أكبر- عقب انتقادات لإ ...
- مناوي يحذر من تقسيم السودان والجيش يتصدى لمسيّرات الدعم السر ...
- إصابة مزارعين وصحفيين ومتضامنين أجانب بهجمات مستوطنين في الض ...
- القبض على مسؤول أمني بنظام الأسد متهم بجرائم ضد المدنيين
- صحف عالمية: مصير مقاومي رفح ما زال عالقا وإسرائيل تقتل أطفال ...
- انتقادات للحكومة وجدل في البرلمان التونسي لمناقشة الموازنة


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن صالح الشنكالي - غياب المشروع الوطني… العراق بين وهم الوحدة وحقيقة الانقسام