أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن صالح الشنكالي - تحولات الشرق الأوسط بين سقوط الأيديولوجيا وصعود الفرد














المزيد.....

تحولات الشرق الأوسط بين سقوط الأيديولوجيا وصعود الفرد


حسن صالح الشنكالي
كاتب وباحث تربوي واجتماعي

(Hassan Saleh Murad)


الحوار المتمدن-العدد: 8500 - 2025 / 10 / 19 - 20:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يطرح علي سؤال واحد وهو ما هي رؤيتك عن العراق مابعد الانتخابات البرلمانية ، أقول إن العراق جزء من المشروع الكبير لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، الجديد.

بعد هزيمة تنظيم داعش عام 2017، دار بيني وبين صديقٍ عزيزٍ نقاشٌ طويل حول ما بعد داعش في الشرق الأوسط، وخصوصًا في العراق وسوريا وتركيا وإيران. كان حوارًا بين الفكر والتاريخ، بين الواقع والاحتمال، عن المشروع القادم الذي يُعاد من خلاله تشكيل المنطقة، والذي سُمّي لاحقًا بـ “الشرق الأوسط الكبير”.

ناقشنا حينها أن الصراع القادم لن يكون بالسلاح، بل بالفكر والهُوية. وأن سقوط داعش لن يُنهي الأزمات، بل سيكشف عن تحوّل أعمق في بنية الأنظمة والمجتمعات.

لكن أكثر ما أثار دهشتي هو ما قاله صديقي عن مستقبل إيران. قال إن النظام الإيراني سيُجبر، عاجلاً أم آجلاً، على التحول نحو العلمانية، وإنه إذا اقتضت الضرورة لحماية نفسه من الانفجار الداخلي، فسيفتح ملاهي وبارات في قلب المدن التي كانت تُحكم باسم الدين. كنت أظنها آنذاك نبوءة خيالية، لكنها اليوم تقترب من الواقع.

فمنذ سنوات، تشهد إيران تمرّداً إجتماعياً ناعماً تقوده النساء، خرجن من عباءة الثورة إلى فضاء الحرية.
وها نحن نرى أن المرأة الإيرانية تخلّت تمامًا عن الحجاب بعد فرضه لأكثر من ستٍ وأربعين سنة، في مشهدٍ يعكس تحرر الوعي لا الجسد فقط، وإرادة جيلٍ وُلد من رحم الأيديولوجيا لكنه لم يعد يؤمن بها.
هذا الجيل لا يريد الحرب ولا الشعارات، بل الحياة، ولا يمكن للنظام أن يواجهه بالعنف إلى الأبد، لأنه أصبح تياراً ثقافياً عاماً لا يمكن احتواؤه.

وأعتقد أن هذا التحول نفسه بدأ يظهر في سوريا، فالمشهد هناك يُنبئ بأن بقاء جبهة تحرير الشام في الحكم لن يطول، وأن البلاد تتجه نحو كونفدراليات عرقية وطائفية ضمن إطار مدني شكلي، يعكس توازنات ما بعد الحرب أكثر مما يعكس إرادة الشعب.

وفي العراق، أرى أن الشعب لن يخوض حروباً جديدة بعد الآن. فقد أدرك أن الاستقرار أهم من الانتصارات المؤقتة، وأن الدولة المدنية هي المخرج الوحيد من دوامة الخراب. وربما تشهد الانتخابات القادمة تحولات جذرية تجعل تشكيل أي حكومة مرهوناً بالرؤية الدولية الجديدة للمنطقة.

أما في تركيا، فالمفاجأة الكبرى كانت فكرية قبل أن تكون سياسية.
من كان يصدق أن عبدالله أوجلان سيتراجع عن فكره القومي، ويصف نضاله السابق بأنه فكر رجعي، وأن ما يجمع الأتراك والأكراد ليس القومية، بل الهوية الدينية والتاريخ المشترك؟
إنه تحوّل في بنية الوعي القومي ذاته، من صراع العرق إلى وحدة المصير.
لكن هذا التحوّل الفكري لا ينفصل عن الواقع الاقتصادي والسياسي للبلاد. فـ اقتصاد تركيا لم يعد يحتمل مزيداً من المجازفات الخارجية، خاصة بعد الأزمات المالية المتلاحقة وتراجع عملتها وازدياد اعتمادها على الاستثمارات الأجنبية.
ولذلك، فإن أنقرة اليوم أمام معادلة صعبة: إما أن تركّز على الداخل وجغرافيتها الحالية وتعيد ترميم اقتصادها ومؤسساتها، أو أن تدخل مرحلة الاهتزاز الداخلي التي قد تفتح الباب أمام الانقسام، إذا لم يُحسن النظام التعامل مع تنوع المجتمع التركي وتوازناته الحساسة.

وفي لبنان، تلقّى حزب الله هزيمة سياسية ومعنوية بعد حربه الأخيرة، وفقد العديدة من قادته في الصف الاول وخسر كثيراً من قدرته على احتكار “المقاومة” ، بينما تحوّل “طوفان الأقصى” من مواجهة إلى تفاوض إقليمي معقّد يعيد ترتيب المصالح في المنطقة لا الشعارات.

أما السعودية، التي كانت في العقود الماضية تصدّر التطرف الديني إلى العالم، بعدما تقاسمت أسرتا آل سعود وآل الشيخ السلطة بين السياسة والدين، فقد دخلت اليوم مرحلة التحول الجذري.
فبقيادة حفيد آل سعود، تمضي المملكة في رؤية 2030 نحو الانفتاح والتغيير، بعد أن كانت المرأة السعودية لا تخرج إلا بمحرم، ولا تقود السيارة.
واليوم نرى تركي آل الشيخ، حفيد محمد بن عبدالوهاب، يقود وزارة الترفيه وينظّم المهرجانات العالمية ودوريات كرة القدم النسائية. لقد تحولت المملكة من رمز للانغلاق إلى مختبر للانفتاح الاجتماعي والثقافي، وصارت المرأة السعودية متحررة من أغلب القيود التي كبّلتها لعقود.

أما خليجياً، فقد لعبت قطر دوراً مساعداً في انبثاق خريطة الشرق الأوسط الجديد، من خلال إعلامها وأموالها الطائلة التي أصبحت رهن إشارة الحركات المتطرفة، والتي كانت الأداة الفعالة لهذا المشروع الإقليمي الجديد.
لكن هذا الدور لن يدوم إلى الأبد، فمع تقدم التحولات السياسية والاجتماعية في المنطقة، سينتفي الحاجة إليها تدريجيًا، وستهمش قدرتها على التأثير المباشر، بما يجعل الدور الخليجي يتكيف مع الموازين الجديدة بدلاً من فرض أجندات خارجية.
كل ذلك يعكس أن المنطقة تسير نحو تحول حتمي، حيث تتراجع الأيديولوجيا، وتتقدّم الدولة بمفهومها المدني الحديث، مهما اختلفت الأساليب والواجهات.

وختاماً:
إن ما يجري في الشرق الأوسط ليس سلسلة أحداث متفرقة، بل تحوّل استراتيجي شامل يعيد رسم حدود الوعي قبل حدود الجغرافيا.
من سقوط التنظيمات المسلحة، إلى انحسار سلطة الكهنوت، إلى صعود الفرد بوصفه محور الدولة الحديثة — تتشكل ملامح شرقٍ أوسطٍ جديد، يقوم على الانفتاح لا العزلة، وعلى المصلحة لا الشعارات.
لقد أدركت الأنظمة، ومعها القوى الكبرى، أن البقاء مرهون بمدى التكيّف مع التحولات الثقافية والاجتماعية العميقة في مجتمعاتها.
ولذلك، فإن المعركة القادمة لن تكون بالسلاح، بل بإعادة تعريف الهوية والسلطة والدين في وعي الإنسان.
وإذا كانت السنوات الماضية قد شهدت هزيمة داعش عسكريًا، فإن السنوات القادمة ستشهد هزيمة الأفكار التي أنجبتها.
وحينها فقط، يمكن القول إننا دخلنا فعلاً مرحلة الشرق الأوسط الجديد، حيث تتقاطع المصالح لا المذاهب، ويتقدّم الوعي على السلاح



##حسن_صالح_الشنكالي (هاشتاغ)       Hassan_Saleh_Murad#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الرموز والعبادة: قراءة في الإنسانية والدين في التراث الع ...
- العراق بين صناديق الاقتراع ومأزق الطائفية
- الدرس التاسع : كيف نفهم الدرس بسهولة
- الدرس العاشر: مستقبل التعليم في ظل الذكاء الاصطناعي
- التعليم والاقتصاد… هدر الطاقات في وطنٍ حائر
- دروس في التربية / الدرس الثاني
- دورس في التربية / الدرس الثالث
- دروس في التربية / الدرس الرابع
- دروس في التربية / الدرس الخامس
- دروس في التربية / الدرس السادس
- دروس في التربية / الدرس السابع
- دروس في التربية / الدرس الثامن
- دروس في التربية / الدرس الاول
- بيان استنكار
- الصراع بين ولاء الوطن وولاء الدين
- رسالة إلى المراجع الإسلامية الكرام
- هل يشهد العراق حرب مياه في العقد القادم؟
- رائحة الطين
- حين يُذبح الوطن باسم الدين، وتصمت الإنسانية
- الشرق الأوسط والحروب القادمة: غياب الوعي في زمن التفوق العسك ...


المزيد.....




- رغم نجاح صفقات ترامب الشخصية في الشرق الأوسط.. إلا أنها لن ت ...
- -شكرًا لإعادتها في تابوت-.. عائلات الرهائن القتلى تنتقد نتني ...
- ماذا تعرف عن القرية المصرية الصغيرة التي تنتج أكثر من نصف يا ...
- وزير الداخلية الفرنسي الجديد لوران نونيز ينوي -استئناف الحوا ...
- هل اتفقت قسد مع الحكومة السورية على طريقة الاندماج؟
- مرشحة عراقية تثير الجدل بمنشور ضد برشلونة ووعد بتزويج مشجعي ...
- أشياء لم تكن تعرفها عن تطبيق الملاحظات في -آيفون-
- إيران تعدم شخصا بتهمة التجسس لصالح إسرائيل
- باكستان وأفغانستان تؤكدان على دور قطر وتركيا لتثبيت وقف التص ...
- غارديان: أطفال غزة بحاجة للغذاء والدواء ونوم دون خوف


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن صالح الشنكالي - تحولات الشرق الأوسط بين سقوط الأيديولوجيا وصعود الفرد