عماد الطيب
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 8519 - 2025 / 11 / 7 - 10:01
المحور:
كتابات ساخرة
يبدو أن التاريخ عند بعض المعلنين لا يُقرأ في الكتب، بل يُطبخ على نار هادئة! آخر صيحات العبقرية التسويقية جاءت من مطعم قرر أن يضع الحضارة البابلية على المائدة حرفياً، فأطلق على وجبته الجديدة اسم "حمورابي" رز ولحم بطريقة مختلفة!
هنيئاً لنا بهذا الاكتشاف العظيم، فقد كنا نعتقد لقرون أن حمورابي هو الملك البابلي الذي أسس أول دولة نظامية في التاريخ، فإذا به اليوم يتحول بقدرة دعايات التواصل الاجتماعي إلى أكلة دسمة تُقدّم مع مقبلات خاصة و”لمسة عصرية”.
تخيلوا المشهد لو عاد حمورابي من مثواه، ووجد تمثاله في إعلان تجاري يقول: "جرّب وجبة حمورابي… الطعم الذي سنّ القوانين!”
يا لروعة المأساة! كأننا ننتقم من حضارتنا بطريقة شهية. فمن يدري؟ بعد “رز حمورابي” قد نرى “كباب نبوخذ نصر”، و”تبسي كلكامش”، و”شاورما سنحاريب” كلها أطباق بصلصة التاريخ المنسي. !
المشكلة ليست في مطعم يبحث عن الشهرة، بل في جيل قد يظن فعلاً أن حمورابي لم يكن ملكاً بل شيفاً بابلياً اخترع أول وصفة رز باللحم منقوشة على ألواح الطين! تخيل أن تذهب إلى طالب وتقول له: من هو حمورابي؟ فيجيبك بثقة: “والله أكلة فخمة يقدمها مطعم راقٍ في الكرادة!”
أي زمن هذا الذي تُسلق فيه الرموز الحضارية على نار الإعلان، ويُقلى فيه التاريخ بزيت التسويق؟! حتى الحضارة التي علّمت الدنيا القانون، صارت اليوم إعلاناً تافهاً يتراقص فيه تمثال عظيم بجانب قدر رز يغلي!
يا ليتنا نتعلم من حمورابي الحقيقي لا من نسخته “الطهوية” الجديدة! فقد سنّ قوانين تحفظ الكرامة، بينما نحن اليوم نسنّ قوائم طعام تمسح الذاكرة.
أقترح على الجهات المعنية أن تُصدر “قانون حماية الرموز من الطباخين”، فقريباً سنسمع بإعلان يقول: " جرب ستيك سمير اميس… أول لحمة مدنية في التاريخ!”
لقد بلغ بنا العبث أن نحول الملوك إلى وجبات، والقوانين إلى توابل. يا قوم، أعيدوا حمورابي إلى عرشه، واتركوه بعيداً عن القدر… فالتاريخ لا يُؤكل، حتى لو كان مطبوخاً بطريقة مختلفة!
#عماد_الطيب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟