أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الخيانة الكبرى... بين ابن العلقمي وورثة المجوس














المزيد.....

الخيانة الكبرى... بين ابن العلقمي وورثة المجوس


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8517 - 2025 / 11 / 5 - 15:13
المحور: قضايا ثقافية
    


في كل مئة عام، يخرج من رحم الأمة مجدّد يحمل مشعل الحق، وفي المقابل ينبثق من ظلمة التاريخ خائنٌ يبيع النور للظلام، ويغرس في خاصرة العروبة والإسلام سكينًا مغطاة بالمسك والعهر. هكذا كانت دورة الخيانة منذ أن تنفّس التاريخ أول خائنه، وحتى يومنا هذا الذي امتلأت سماؤه بخونةٍ يبتسمون للوطن وهم يذبحونه باسم الولاء.
قرأت التاريخ جيدًا، ورأيت كيف يسير الخائن في طريقٍ مفروشٍ بالعهود المكسورة، يحمل في يده اليمنى كتاب الحكمة، وفي اليسرى خنجر المصلحة. يبدأ بدمعةٍ كاذبة، وينتهي بطعنةٍ من الخلف. منذ عبد الله بن أُبيّ بن سلول الذي خان نبي الرحمة ﷺ، مرورًا بابن سبأ الذي أضرم نار الفتنة بين الصحابة الأطهار، وصولًا إلى ابن العلقمي الذي فتح أبواب بغداد لهولاكو كمن يفتح صدره للسكين... تتكرر الصورة، ويختلف الزمن، لكن الملامح واحدة: وجهٌ غارق في التملق، وصوتٌ مبحوح ينطق بالشعارات، وقلبٌ باع العقيدة بالدرهم والدينار.ما أشدَّ ما يشبه خونة الأمس بخونة اليوم! أولئك الذين سرقوا بغداد من داخلها، وأولئك الذين اليوم يبيعونها من خارجها. إن الخيانة لم تعد فعلاً خفيًا، بل صارت عقيدةً تُدرّس في مدارس السياسة الحديثة، وصارت لها راياتٌ وأناشيدٌ وشاشات تلمّع وجوه أصحابها كما تُلمّع السيوف الصدئة. من باع وطنه بالأمس كان يُشنق في الميادين، أما اليوم فيُمنح الأوسمة، ويجلس على مقعد الوزير أو السفير أو الزعيم، ويُصفق له جمهور المخدوعين.ابن العلقمي مات مغمومًا لأنه خان الخليفة وسلّم بغداد، لكن من يحكم اليوم قد باع بغداد كلها ونام على وسادةٍ من الذهب، يضحك على رماد الوطن وهو يحسب الخيانة دهاءً، والولاء عبوديةً. أيُّ خيانةٍ تلك التي تلبس ثوب الوطنية لتخفي تحتها ملامح المجوس؟ وأيُّ رذيلةٍ أعظم من أن يبيع المرء أنفاس بلاده ليملأ رئتيه بدخان الفرس؟ إنهم لا يخونون حكوماتٍ ولا أنظمةً فحسب، بل يخونون التاريخ واللغة والذاكرة، يخونون أمًّا اسمها العروبة وأبًا اسمه الإسلام، ويقايضونها بالولاء لمن كان بالأمس يرسل حرابه إلى صدورنا.الخيانة ليست حدثًا عابرًا في التاريخ، بل هي مرضٌ متوارث، ينهش جذور الأمم ويشرب من دمها حتى آخر قطرة. هي كالنار، تبدأ بشرارةٍ من طمع، ثم تلتهم الأخضر واليابس، لا تبقي على وطنٍ ولا دينٍ ولا عرض. والخائن لا يولد خائنًا، بل يصنعه الجبن حين يخشى المواجهة، ويغذيه الجوع حين يبيع الكرامة بثمنٍ بخس، وتكبر فيه الخيانة حتى يصير وجهه مرآةً للعار.
حين خان ابن العلقمي خليفته، سقطت بغداد، وسقطت هيبة الأمة. لكن حين خان حكام اليوم شعوبهم، لم تسقط بغداد وحدها، بل سقطت الروح العربية كلها. سقطت الكلمة، وسقط الشعر، وسقطت حتى الدموع. لم يعد للخيانة وجهٌ واحد، بل ألف وجهٍ يبتسم في مؤتمرات الصحافة، ويلقي الخطب عن السيادة والاستقلال وهو يوقع تحت الطاولة على وثائق التبعية.
يا أيها الخائنون الجدد، ما أشدَّ ما تشبهون أبناء العلقمي، وما أبشع أن تكونوا أبناء لرماد التاريخ لا لضيائه. أنتم الذين بعتم بلادكم بالنفط، وصرتم تُحصون الخيانة كما يُحصى الإنتاج اليومي. لو وُقِفتم أمام المرآة لرأيتم في عيونكم وجه امرأةٍ بغداديةٍ وقفت يوم سقوط بغداد تصرخ: "أيهٍ يا ابن العلقمي، أهكذا كان بنو العباس يعاملونك؟"، لربما أدركتم أن الخيانة لا تموت بموت صاحبها، بل تترك لعنتها في وجوه كل من يشبهه.في فلسفة الوجع، ليست الخيانة خنجرًا يُغرس في الجسد، بل هي موتٌ بطيءٌ يصيب روح الأمة، تبدأ من المثقف الذي يبرر، إلى السياسي الذي يساوم، إلى الإعلامي الذي يلمع الزيف، إلى الجاهل الذي يصفق. وهكذا يتحول الوطن إلى مقبرةٍ صامتةٍ للخداع.ولأننا شعبٌ يحفظ التاريخ أكثر مما يحفظ المستقبل، فإننا نعرف أن كل خائنٍ له نهاية، وأن العلقمي وإن مات في قصره فقد مات مسمومًا بهمّه، وأن الله لا يترك الخيانة دون حساب. فالتاريخ لا يرحم، والذاكرة لا تمحو، والدم لا يجفّ.الخيانة الكبرى اليوم ليست في الكتب، بل في الكراسي. ليست في قصص الماضي، بل في نشرات الأخبار. وما أشد المفارقة أن يتحول الوطن من منبرٍ للحرية إلى سوقٍ للمزاد، وأن يُصبح اللص حامي الحمى، والخائن رمز الوطنية.لكن كما يولد في كل مئة عام خائن، يولد أيضًا مجدّد يطهّر الأرض من دنس الخيانة. وربما يخرج من بين الركام صوتٌ جديد، يشبه صوت بغداد حين تصحو من الرماد، ويشبه وجه التاريخ حين يغتسل من العار. فمهما طال الليل، لابد أن يشرق صبح الحقيقة، ومهما تسلّط الخائنون، سيبقى في الأرض نبضٌ اسمه العراق، وفي الذاكرة قسمٌ لا يُكسر: أن لا نغفر للخيانة، ولا ننسى الخونة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على عتبة الغياب
- العراق… بين الطين والوصاية
- الجادرية... المرآة التي كشفت وجه السلطة
- بلاد العبور الممنوع: انكسرت البوصلة بين دجلة والممرات.
- أنثى الضوء
- الخيانة الكبرى: خيانة الإنسان لذاته
- الكتابة من فم الموت
- جسدٌ يحاكي حُطامَهُ
- مواسم الانتظار
- وردٌ على فم الموت
- الخراب في مرآة الإنسان: الحرب السودانية وصراع النفوذ في جسد ...
- حينما هُدم التمثال، تكلم الحجر بلغة الجواد
- نامت المرآة في جيب الهاتف
- عليٌّ بريءٌ من عليِّكم
- العشيرة... بين لحمِ الأرض وروحِ الوطن
- الزجاج الذي لا يُشعَب… ووطنٌ كُسِرَت ملامحه
- عندما تجمّدت الشمس في صدورنا
- حين كُسِرت أصابعي ولم تَعُد تُمسك القلم
- الأحواز… نبيّ العطش المنسي
- اجعلوني مرجعاً لأيام


المزيد.....




- ممداني يرد على انتقاد خطاب حملته بشأن غزة: -آخذ معاداة السام ...
- ممداني يحقق فوزاً لافتاً، لكن ما التحديات الحقيقية التي تنتظ ...
- كيف تخبرنا فضلات الأطفال حديثي الولادة عن صحتهم في المستقبل؟ ...
- بعد تصريحات ترامب.. بوتين: روسيا ستفكر في استئناف التجارب ال ...
- سوريا: إسرائيل تجدد توغلها في بلدة جباتا الخشب بريف القنيطرة ...
- مشاركة عزاء للرفيق الدكتور خلدون الجعافرة بوفاة والدته
- من الشفرات إلى البطارية.. دليلك لاختيار ماكينة الحلاقة الرجا ...
- هل يعني إعلان الحكومة السودانية للتعبئة رفضها للهدنة الإنسان ...
- كيف يؤثر سقوط الفاشر على مستقبل الحرب في السودان؟
- تسلُّم جثامين 15 أسيرا فلسطينيا من الاحتلال الإسرائيلي


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الخيانة الكبرى... بين ابن العلقمي وورثة المجوس