أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - - أميرة- الرواية التي تلد فلسطين من رحم الذاكرة















المزيد.....

- أميرة- الرواية التي تلد فلسطين من رحم الذاكرة


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8517 - 2025 / 11 / 5 - 11:54
المحور: الادب والفن
    


في رواية «أميرة» للأديب الفلسطيني جميل السلحوت، الصادرة عام ٢٠١٤ عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، لا يكتب الأديب جميل السلحوت عن طفلة تُولَد فحسب، بل عن وطنٍ يتنفس من رحم الحكاية، ويُولد من خاصرة الألم.
من بين صفحات العمل، ينهض السؤال الأبدي: هل يمكن للفرح أن يكون وجهًا آخر للفاجعة؟
يقدّم السلحوت نصًا مركّبا، بسيطا في لغته، لكنه شديد العمق في معناه، يجمع بين التوثيق الاجتماعي والفلسفة الإنسانية والرمزية الوطنية، في بنية سردية تنسج من الولادة أسطورة مقاومةٍ صامتة.
1. الطفلة التي حملت الوطن في بكائها الأول
المشهد الافتتاحي — ولادة أميرة على يد الدّاية كاترينا — لا يُمكن قراءته كمشهد حياتي عابر.
الكاتب، ببراعة المراقب العارف ببنية الوجع الفلسطيني، يجعل من الولادة حدثا كوسمولوجيّا: ميلاد الجسد امتداد لميلاد الأرض.
صرخة المولودة هي الصرخة الأولى لفلسطين قبل النكبة، حين كانت القرى ما تزال تُغني للبرتقال والزيتون، لا للمخيمات والحدود.
إنّ اختيار الدّاية المسيحية «كاترينا» ليس تفصيلا بريئا؛ بل إعلانٌ رمزيٌّ مبكر عن أن فلسطين كانت، قبل أن تُختزل في السياسة، كيانًا إنسانيًا متعدّدا ومتكاملا.
يُبشّر المسلم والمسيحي والمزارع والعامل بالمولودة ذاتها، كأنهم جميعا يقبّلون وجه الوطن قبل أن يُصلب على جدار التاريخ.
2. الأنثى بوصفها الذاكرة والمصير
لا تُقدَّم المرأة في «أميرة» كجنس بيولوجي أو ديكور اجتماعي، بل كـمركز للوجود وللحكاية.
« سعدية» ليست أمّا فحسب؛ هي الأرض التي تلد وتُرضع وتخاف وتُحبّ.
و« خديجة»، الحماة المتسلطة، ليست شخصية ثانوية بل تمثيلٌ رمزيّ للسلطة الأبوية الموروثة، التي قهرت النساء وأضعفت المجتمع من داخله.
أمّا « كاترينا» فتمثل الوجه الآخر للأنوثة: المعرفة، الرحمة، والقدرة على كسر الحدود الطائفية.
هكذا، تتحول النّسوة الثلاث إلى مثلث رمزيّ: الأمّ/الذاكرة – الحماة/السلطة – الداية/المعرفة.
وكل ضلعٍ من هذا المثلث يعيد تعريف معنى" الأنوثة" الفلسطينية بوصفها القدرة على البقاء رغم الانكسار.
3. المكان الذي يتكلم بلغة الورد والتراب
يُدخلك السلحوت إلى المكان لا كزائر، بل كابنٍ يعود إلى بيتٍ يعرف رائحته منذ الطفولة.
البيوت الحجرية، السجاد العجمي، الأرائك الشامية، القيشاني الملوّن، الطابون، القهوة المغلية على نار الحطب — كلها لا تُوصف لتزيين المشهد، بل لتوثيق ذاكرة المكان الفلسطيني قبل النكبة.
هذا التوثيق الحسيّ يجعل الرواية عملا أنثروبولوجيّا بقدر ما هو أدبي.
المكان عند السلحوت ليس خلفية للأحداث، بل شاهدٌ حيّ على تفتّت العالم القديم.
كأن القصر والبيارة والشارع يروون الحكاية مثل البشر — كل حجر يتذكر صوتا رحل، وكل نافذة تشتاق لطفلة لم تكبر بعد.
4. اللغة كجسر بين المأساة والأمل
تتحرك اللغة في «أميرة» على حافة الشعر.
الفصحى تتعانق مع العامية، والأمثال الشعبية تتجاور مع الآيات القرآنية والأهازيج النسائية.
في هذا المزج، تتحول اللغة إلى كائن حيّ يحفظ اللسان الفلسطيني كما يحفظ التراب أسماء القرى.
حين تقول الدّاية:" ربنا أنعم عليك عروسة مثل البدر"، يتجاوز النصّ جمال العبارة، ليُدوّن نغمة الحياة التي كانت تُغنّى في البيوت قبل أن تُغرقها السياسة.
هكذا، تصبح اللغة وسيلة مقاومةٍ ناعمة، تحافظ على ما لم يعد يمكن حفظه بالسلاح.
5. من الزغاريد إلى الرصاص: حين يداهم التاريخ الحكاية
بعد الولادة، ينقلب الفرح إلى مأساة.
الرصاص البريطاني يملأ الأفق، والاحتلال يطرق الأبواب، فيختلط بكاء الطفلة بزغاريد النساء، وكأن القدر يكتب نصّه بالدمّ.
يتحوّل البيت الفلسطيني إلى مسرح للتاريخ؛ تبدأ الحياة بحفلة وتُنهيها جنازة.
في هذا الانقلاب المفاجئ، يختصر السلحوت مأساة فلسطين كلها:
كل لحظة ولادةٍ تُرافقها نبوءة موت، وكل ابتسامة تحمل ظلّ التهجير القادم.
الطفلة" أميرة" لا تكبر لأن الوطن نفسه لم يُتح له أن يكبر؛ ظلّ معلقًا بين الحلم والفقد.
6. نقد الذات بشجاعة المؤرخ العاشق
ما يميّز السلحوت عن كثيرٍ من الروائيين الفلسطينيين أنه لا يكتفي بإدانة الاحتلال، بل يفتح جرح الداخل.
يعرّي تناقضات المجتمع: التفاخر الطبقي، خضوع النساء، غياب التعليم، وسلطة المال والعادات.
يقول للقارئ، من دون خطابية: نحن لم نخسر الأرض فقط، بل خسرنا أنفسنا حين خاف بعضنا من التغيير.
هذه الجرأة تجعل الرواية نصّا للتّطهّر الجماعي أكثر منها رواية سياسية.
إنها تكتب المرآة كما هي — لا تلمّعها، ولا تحطمها، بل تضعها أمامنا حتى نرى وجوهنا بصدق.
7. البعد الكوني للرواية
القارئ غير الفلسطيني لن يقرأ" أميرة" كحكاية محلية، بل كملحمة إنسانية عن الذاكرة والأمومة والكرامة.
السلحوت ينجح في تحويل المأساة الوطنية إلى تجربة وجودية:
كيف يعيش الإنسان حين يُنتزع منه المكان؟ وكيف تظلّ الأغنية ممكنة وسط الركام؟
هذه الأسئلة تتجاوز الجغرافيا لتصبح شأنًا إنسانيًا عامًا، كما فعل نجيب محفوظ في القاهرة، وغارسيا ماركيز في ماكوندو.
" أميرة" بهذا المعنى لا تخصّ فلسطين وحدها؛ إنها صوت البشرية حين تفقد بيتها الأول.
8. جماليات البنية السردية
تعتمد الرواية على بناءٍ حلزونيّ: تبدأ بلحظة الولادة وتنتهي بالانهيار، لكنّ الخطّ الزمني ليس مستقيمًا.
الزمن في الرواية يتحرك مثل الذاكرة: يعود، يتوقف، يتناثر.
كل مشهدٍ هو قطعة من فسيفساءٍ أكبر، وكل صوتٍ نسائي أو رجولي هو خيط في نسيج جماعيّ.
هذه التقنية تمنح النصّ إيقاعًا شعريًا بطيئًا، كأنّ القارئ يسير في متحفٍ من الوجوه والروائح والأصوات، لا في سردٍ متسارع.
وهنا تكمن فرادة السلحوت: لا يستعجل القارئ نحو النهاية، لأنه يريد أن يجعله يعيش التفاصيل كما عاشها أهلها.
9. « أميرة» في الذاكرة النقدية
في سياق الأدب الفلسطيني الحديث، تضع" أميرة" نفسها بين أعمال إبراهيم نصر الله وليانة بدر وسحر خليفة، لكنها تحتفظ بخصوصيتها الريفية الأصيلة.
فبينما كتب الآخرون عن المقاومة والسياسة، كتب السلحوت عن الحياة التي سبقت المقاومة — عن البدايات التي أنجبت المأساة.
لهذا، تُعد الرواية وثيقة فنية من طبقة الروايات التي تصنع التاريخ لا تلك التي ترويه.
خاتمة: الولادة التي لم تنتهِ بعد
حين تغلق آخر صفحة من" أميرة»، تدرك أنّ الطفلة ما زالت تبكي.
صوتها يخرج من الرواية إلى الواقع، يختلط بأصوات المخيمات والحروب والنساء اللواتي ما زلن يلدن في المنافي.
إنها ليست مجرد شخصية خيالية، بل رمزٌ دائمٌ للأنوثة المقاومة، وللذاكرة التي ترفض الموت.
«أميرة» لا تروي تاريخا، بل تُعيد كتابته من منظور الحنين والأمل والأنوثة والحبّ.
هي رواية لا تُقرأ فقط، بل تُسكن القلب كصلاة، وتذكّرنا أن الشعوب التي تنجب أطفالها رغم الخراب — لا تموت.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعب الوعي… حين تصبح الروح ساحة حرب
- غزة… حين تنبعث من قلب الرماد
- لا تحفر لي حفرة
- حين يفكّر الله فينا… ينهزم اليأس
- قراءة في قصيدة -وجع- للشاعرة رانية مرجية بقلم د. عادل جوده/ ...
- حين تتحد الأرواح رغم اختلاف الأسماء
- ‏قراءة ادبية ‏ قي قصسدة ارحمنا يا الله للشاعرة رانية مرجية & ...
- الذين باركوا القتل رواية رانية مرجية 2 ...
- رولا.. الرواية التي تنسج الحلم الفلسطيني بخيوط الوجع والكرام ...
- قراءة في قصة -الصدق أحلى يا أصحابي- للدكتورة سيما صيرفي
- بعد موت أمي
- ‏قراءة الأدبية لرواية -الذين باركوا القتل- ‏ للكاتبة رانية م ...
- قراءة أدبية (( ملحمة الرماد والنبض) ) لرانية فؤاد مرجية بقلم ...
- الذين باركوا القتل – غلاف فارغ
- تنهيدة حرية: حين تكتب المرأة وجعها بالحبر والمقاومة
- «نبضات محرّمة»: حين يكتب القلب ما يحرّمه المجتمع
- تنهيدة حرية… رواية تُعيد كتابة الوجع الفلسطيني بأنفاس النساء
- وصيّة الأرض قبل القيامة
- سِفْرُ الكَلِمَةِ الأُولَى (أنشودة النور الكوني)
- أمهات الأرض


المزيد.....




- يتناول ثورة 1936.. -فلسطين 36- يحصد الجائزة الكبرى في مهرجان ...
- -صهر الشام- والعربية والراب.. ملامح سيرة ثقافية للعمدة ممدان ...
- انطلاق أعمال المؤتمر الوطني الأول للصناعات الثقافية في بيت ل ...
- رأي.. فيلم -السادة الأفاضل-.. حدوتة -الكوميديا الأنيقة-
- -المتلقي المذعن- لزياد الزعبي.. تحرير عقل القارئ من سطوة الن ...
- موفينييه يفوز بجائزة غونكور الأدبية وباتت الفرحة تملأ رواية ...
- السودان.. 4 حروب دموية تجسد إدمان الإخوان -ثقافة العنف-
- مخاطرة الظهور في -عيد الأموات-
- ليبيا تعلن اكتشاف موقع أثري جديد في مدينة شحات شمال شرق البل ...
- الاستماع أو العزف المنتظم للموسيقى يحافظ على ذاكرة كبار السن ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - - أميرة- الرواية التي تلد فلسطين من رحم الذاكرة