أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محفوظ بجاوي - بين الجذور والهوية المكتسبة: رحلة الشعوب نحو ذاتها














المزيد.....

بين الجذور والهوية المكتسبة: رحلة الشعوب نحو ذاتها


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 08:22
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عندما تتأمل خريطة شمال إفريقيا بعيون التاريخ والثقافة، يبرز سؤال يتكرر: لماذا يظهر الجزائري أو المغربي أو التونسي أو الليبي أكثر تمسكًا بالعروبة وأحيانًا أكثر تشددًا في الدين، مقارنةً بالخليجي في شبه الجزيرة العربية؟ ولماذا نرى الباكستاني أو الأفغاني ملتزمًا دينيًا رغم بعده عن اللغة العربية ومعرفته بالعلوم الدينية محدودة بلغات أجنبية كالانجليزية أو الفرنسية ؟
الإجابة ليست بسيطة، فالأمر يختلط بين التاريخ والثقافة والنفس البشرية.
شمال إفريقيا، من موريتانيا غربًا حتى مصر شرقًا يحمل في طياته شعوبًا أصلها الأمازيغي، أو خليطًا بين الأمازيغ والمصريين الأوائل، وقبائل ليبيا والتونسيين. هذه الشعوب، على الرغم من ثرائها الثقافي واللغوي العميق، اعتمدت تدريجيًا هويّة عربية إسلامية مكتسبة. لقد تخلّوا جزئيًا عن لغاتهم الأصلية وعاداتهم وتقاليدهم القديمة، ليصبحوا "مستعربين" أو "متأسلمين" وفق السياقات الجديدة التي فرضتها الدولة، الاستعمار والتحولات الكبرى في القرن العشرين.
ولأن هذه الهوية مكتسبة وليست من جذورهم الأصيلة فإن الدفاع عنها غالبًا يكون مفرطًا، أحيانًا مبالغًا فيه وكأنه محاولة لتعويض شعور بالفراغ أو فقدان الانتماء. مثال على ذلك، يُنادى المصري بـ "يا مصري"، وليس "يا قبطي، والجزائري بـ ( يا جزائري ) أو ( يا مغاربي ) وكذلك التونسي والليبي، مما يعكس شعورًا متأرجحًا بين الانتماء إلى الجذور القديمة والهوية العربية الجديدة، داخل إطار هوية جامعة نسبية تُسمى بالعروبة.
في الجزائر، نجد تمسكًا بالعربية والدين يجمع بين الوطنية والهوية المستعارة. المغرب يميل إلى الجمع بين الثقافة الأمازيغية والإسلامية، لكن الحديث عن العروبة يجعل التناقض الداخلي أكثر وضوحًا، كما هو الحال في تونس وليبيا، حيث التاريخ القبلي والطابع الأمازيغي يلازم الحياة اليومية، لكن الهوية العربية الإسلامية المكتسبة تغدو المرجعية الرسمية والاجتماعية السائدة. حتى في موريتانيا، نجد التمترس خلف العربية والإسلام على حساب اللغة والثقافة الأصلية، وهو نمط شبيه بما يحدث في شمال إفريقيا بأكملها.
هذا التوتر بين الأصل والهوية المكتسبة يخلق شعورًا دائمًا بالاضطراب النفسي والثقافي. فالأمازيغي والمصري والليبي والتونسي، رغم كونهم متدينين ومتمسكين بالهوية العربية، غالبًا ما يعيشون شعورًا داخليًا متناقضًا، كما لو أن الدفاع عن العروبة والإسلام يعوّض عن مسافة متباعدة عن الجذور. في المقابل نجد الخليجي أو السعودي أكثر اتزانًا مع جذوره وولاؤه لأرضه ووطنه أكثر وضوحًا واستقرارًا.
أما بعض أبناء هذه الدول شمال إفريقية، فقد يوجّهون ولاءهم إلى رموز بعيدة مثل إسطنبول أو طهران، او القدس أحياناً أكثر من ولائهم لعواصمهم الأصلية مثل الجزائر أو الرباط أو القاهرة أو تونس العاصمة. هذا التشتت يعكس إحساسًا داخليًا بعدم الانتماء الكامل وهو ما يفسر أحيانًا التشدد في الممارسة الدينية أو التمسك القوي بالشعارات العروبية.
التاريخ يلعب دورًا حاسمًا في هذه العملية. آلاف السنين من العيش الأمازيغي في المغرب والجزائر وليبيا وتونس، آلاف السنين من حضارات متفرعة في مصر وموريتانيا، تم استيعابها لاحقًا في هوية واحدة مكتسبة، فرضتها التحولات الكبرى بين الدولة والدين والسياسة. الشعوب تعلمت أن تتكيف مع هذا الواقع الجديد، لكنها تحمل في داخلها جذورًا لا يمكن محوها فتتراكم الصراعات الداخلية بين الجذر الأصلي والهوية المكتسبة.
إن فهم هذه الظاهرة ليس فقط دراسة سوسيولوجية أو تاريخية، بل قراءة نفسية للهوية، وللتمسك بها في مواجهة صراع داخلي دائم. هذه الشعوب تسعى للعثور على مساحة أمان نفسي، بين ما هو أصيل وما هو مكتسب، بين الانتماء للماضي العميق والانتماء لما فرضته الحياة الحديثة. وعليه، فإن الممارسة الدينية والتمسك بالعروبة، ليست مجرد تصرفات اجتماعية، بل انعكاس لتاريخ طويل من التكيف النفسي والثقافي ومحاولة للتوازن بين ما فقد وما اكتسب.
في النهاية، ما يربط هذه الشعوب بشعوب الخليج هو الدين نفسه، ولكن ما يفرّقهم هو صراع الهوية الداخلية. فالشعوب المستعربة والمتأسلمة شمال إفريقيا تعيش بين جذور ضائعة وهوية مكتسبة، بينما الخليجي متصالح مع ذاته وأرضه، يعيش الدين والعروبة باعتبارهما امتدادًا طبيعيًا لما هو أصيل في وجوده.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من غرس الشجرة إلى إشعال الشاشة: الجزائر تزهر بالثقافة
- الجزائر تزهر من جديد : تحية إلى شعب يغرس الأمل
- الهوية... الحقيقة التي خافوا منها طويلًا حتى أصبح الجزائري غ ...
- ومضة سلام عل ضفتي شمال إفريقيا
- حين استوردنا الحجاب...واستوردنا معه تراجع الوعي
- الجزائر : حضارة الهوية وحماية الذات
- من فضاء للتنوير إلى مسرح للإذلال... مأساة المدرسة الجزائرية
- نوميديا... مملكة الشعب لا مملكة البدو
- لسنا ضد الدين ... بل ضد من يحتكره
- الجزائر بين تلاعب الهويات وخطر التفكيك
- قراءة بسيطة في التاريخ : من ماسينيسا واكسيل إلى نوفمبر المجي ...
- الجزائر ونوميديا : هوية ضاربة في عمق الزمن
- الجزائر... هوية لاتباع ولاتنسى
- هروب الأمل من الوطن : الجزائر بين الجهل وتنويم الشعب
- سليل نوميديا بين المجد والوعي : الجيش والشعب في ميزان التاري ...
- العقل ثورة... والبقية عبيد الأوهام
- الجزائر... حين يختنق المستقبل في حضن الماضي
- اغتيال الهوية الجزائرية: الغزو الفكري الذي تهمله الدولة
- المثقف العشائري... حين يتحوّل إلى أداة اصطفاف
- لعبة النار...بين النظام والتيارات المتطرفة في الجزائر


المزيد.....




- بيلي إيليش بإطلالة كلاسيكية -قديمة الطراز- في نيويورك
- السعودية.. فيديو رد فعل أحمد الشرع على طرح -دول تُدمن على ال ...
- الجمعية الوطنية في فرنسا تُدين اتفاقية 1968 مع الجزائر وسط غ ...
- دراسة واعدة.. علاج بالبلازما يمنح الأمل باستعادة حاسة الشم ب ...
- هل تنهي قمة ترامب وشي الحرب التجارية؟
- ماذا تتضمن اتفاقية 1968 بين الجزائر وفرنسا وما تأثير التصويت ...
- في -حدث تاريخي-... افتتاح المتحف المصري الكبير بالقاهرة السب ...
- الباروكة القضائية بأفريقيا.. إرث استعماري يثير الجدل
- كيف تتشكل الأعاصير؟ وما الذي يجعلها أشد فتكا؟
- قتيل بغارة إسرائيلية على بلدة كونين جنوبي لبنان


المزيد.....

- كتاب دراسات في التاريخ الاجتماعي للسودان القديم / تاج السر عثمان
- كتّب العقائد فى العصر الأموى / رحيم فرحان صدام
- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محفوظ بجاوي - بين الجذور والهوية المكتسبة: رحلة الشعوب نحو ذاتها