محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 09:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ فجر الاستقلال، سكن الخوفُ صدورَ من تصدّروا المشهد،
فتوارَت الحقيقة خلف الشعارات، وضاعت الملامح بين الأيديولوجيا والسلطة.
فماذا أفاد التستّر على هوية الشعب الجزائري منذ عهد أحمد بن بلّة، مرورًا بـهواري بومدين، والشاذلي بن جديد، واليمين زروال؟
عقودٌ من الصمت والتوجّس،
جرت فيها محاولاتٌ لطمس الذاكرة ومسخ الوجدان،
تحت راية “الوحدة الوطنية” التي أُريد لها أن تكون وحدةً بلا جذور، ووطنًا بلا ملامح.
لقد أراد البعض أن يُبنى الوطن على النسيان لا على الحقيقة،
وعلى الإقصاء لا على الاعتراف،
فكانت النتيجة تيهًا في الذات، وضبابًا في الوعي،
وأجيالًا تربّت على الخوف من ماضيها، والحياء من لغتها، والغربة في أرضها.
ومع ذلك، ظلّت الأمازيغية، روح الجزائر العميقة،
تتوارى في الجبال، وتنبض في أسماء المدن والقرى،
تعيش في الزيّ، وتتنفس في اللسان،
وفي ذلك الكبرياء الصامت الذي يأبى الذوبان أو التزييف.
حتى جاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة،
فكسر جدار الصمت، وكان أول من امتلك شجاعة الاعتراف بالأمازيغية لغةً وطنية ثم رسمها ودسترها،
خطوةٌ أعادت للتاريخ توازنه، وللأمة وجهها الذي حُجب عقودًا طويلة.
ثم جاء الرئيس عبد المجيد تبون،
ليعمّق المسار بخطوةٍ أكثر وضوحًا وصدقًا،
فكان أول رئيسٍ يعترف علنًا بأمازيغيته أمام الإعلام،
ويؤكد أن الهوية الأمازيغية ليست من بقايا الماضي، بل من جوهر الحاضر وبذور المستقبل.
في عهده، رُسمت الأمازيغية في الدستور بوضوحٍ لا لبس فيه،
وأُضيفت إليها مادة صمّاء لا تقبل النقاش أو المساومة،
كما ثُبّتت الأرض الأمازيغية كأحد أعمدة الهوية الوطنية،
في اعترافٍ صريح بأن لا وطن بلا أرض، ولا هوية بلا جذور.
إن ما نعيشه اليوم هو بداية تصالحٍ شجاعٍ مع التاريخ،
فالأمازيغية ليست نقيض العروبة، ولا خصمًا للإسلام،
بل هي الأرض التي احتضنت الرسالة، واللسان الذي بلّغها بصدق، والروح التي حمتها قرونًا من الزمان.
واليوم، على النظام أن يُدرك أن بناء الدولة العصرية لا يتحقق إلا بالصدق مع الذات،
وبالانفتاح على كل روافد الهوية الجزائرية،
فـ الهوية الواحدة لا تُفرض بالقوة، بل تُبنى بالاحترام والاعتراف والعدالة.
الهوية ليست خطرًا… بل أساس السيادة والوطنية.
ومن لا جذور له، لا ظلّ له ولا مستقبل.
وسيأتي يومٌ — وإن تأخّر —
يتوحّد فيه الجزائري بلغته وتاريخه،
يفخر بأصله دون أن يُقصي غيره،
ويعلم أن الوطن لا يُبنى بالإنكار،
بل بالصدق مع الأرض، والذاكرة، والإنسان.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟