محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 21:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ عقود، ظلّ بين الجزائر والمغرب جدارٌ من الشكوك، تعلوه طبقاتٌ من الخيبات والتجاذبات، حتى صار الزمن يُقاس لا بالإنجازات، بل بعدد الأزمات التي مرّت دون أن تندلع حرب. كانت الحدود صامتة، لكنها مليئة بالأسلاك والأسئلة.
واليوم، حين تتحدث الأنباء عن وساطة أمريكية تسعى لتقريب الضفتين، لا يمكن أن نقرأ ذلك بوصفه خبرًا سياسيًا عابرًا، بل حدثًا ثقافيًا وتاريخيًا في مسار أمة أنهكتها الإيديولوجيا وبدّدتها الحسابات الضيقة.
إن أي اتفاق سلام بين الجزائر والمغرب لن يكون مجرد ورقةٍ تُوقَّع أو بيانٍ يُذاع، بل سيكون نقطة تحوّل في وعي المنطقة بأكملها — عودة إلى جوهر الفكرة الإفريقية الشمالية التي وُلدت يومًا من رحم الحلم بالتكامل، قبل أن تخنقها الشعارات وتشتتها المصالح.
لقد آن للسياسة أن تُصلح ما أفسدته الإيديولوجيا، وأن يُستبدل منطق الصراع بمنطق البناء. فكم من جيلٍ ضاع بين ضفّتين متجاورتين لا يفصل بينهما إلا سوء الظن، وكم من فرصةٍ للتنمية تبعثرت لأن الوطن الأكبر ظلّ منقوصًا من نصفه.
وإذا صحّ أن الولايات المتحدة تهبّ اليوم لتقريب المسافات، فذلك لا يُعدّ تدخّلًا بقدر ما هو صفعةٌ للزمن الضائع؛ زمنٍ سمحنا فيه للآخرين أن يقرّروا لنا من نحبّ ومن نخاصم. لقد آن أن يتكلّم صوت العقل في شمال إفريقيا، صوتٌ لا يعلو فيه أحد على مصلحة الإنسان، لا الأيديولوجيا ولا الحدود ولا التاريخ المشحون.
إن السلام بين الجزائر والمغرب ليس مصالحة بين دولتين فحسب، بل هو مصالحةٌ بين ذاكرةٍ واحدة شُطرت قسرًا، وبين شعبين ما زال في وجهيهما شبه الأخوّة مهما اختلفت الخطوط والرايات.
قد تبدو الوساطة الأمريكية اليوم مفاجئة، لكنها في الحقيقة إيقاظٌ للضمير الإفريقي الشمالي، الذي نام طويلًا على وسادة الشعارات الفارغة. والدرس البليغ هنا، أن ما فرّقته الإيديولوجيا يمكن للعقل أن يُعيد وصله، وأن زمن الصدام ليس قدرًا محتومًا، بل خيارًا يمكن تجاوزه بإرادةٍ من الداخل، لا بوصايةٍ من الخارج.
فلعلّ هذا الخبر يكون بداية صفحةٍ جديدة تُكتب بالحكمة لا بالتاريخ وحده — صفحةٌ عنوانها:
من الصحراء إلى المتوسط... سلامٌ يُبنى على الوعي، لا على التوقيعات.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟