محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 15:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على عكس ما يردده كثيرون، أصل اسم مملكة نوميديا ليس الكلمة اللاتينية NOMAD التي تعني “البدو”، بل هو في الحقيقة مشتق من الجذر الأمازيغي (نومدن)، أي “ملك الشعب” أو “ملك لأهله”. هذه التسمية الأصيلة تعبّر عن رؤية محلية للسلطة والسيادة، حيث كان الملك جزءًا من نسيج شعبه، لا حاكمًا غريبًا مفروضًا عليهم.
لكن، وكما اعتدنا في كتابة التاريخ من منظور الآخر، فضّل بعض المؤرخين الرومان أن يربطوا نوميديا بالترحال والبدوية، وكأن الأمازيغ لم يعرفوا الاستقرار والحضارة إلا بفضل روما. غير أن الوقائع والآثار تكذب هذا الطرح؛ فقد كان للأمازيغ مدن قائمة، وقصور حجرية، ونظام زراعي متطور، وأساليب حكم وإدارة سبقت دخول الرومان بقرون.
لقد جاء ماسينيسا، الملك المؤسس، ليجسد هذا البعد الحضاري: فوّحّد القبائل، ونقلها من الصراعات القبلية إلى فكرة الدولة الجامعة. لم يكن مشروعه إلغاءً للترحال كما أراد الرومان تصويره، بل كان بناءً لكيان سياسي قادر على الصمود أمام القوى الكبرى في المتوسط. وبفضل حكمته ودهائه العسكري، تحولت نوميديا من مجرد تجمع قبائل إلى دولة حقيقية، لها جيشها واقتصادها وعلاقاتها الدبلوماسية.
الجغرافيا نفسها تؤكد أن نوميديا لم تكن مجرد فضاء للبدو، بل أرضًا واسعة غنية: من شرشال وتيبازة على المتوسط إلى جبال الأوراس الشامخة، ومن سهول متيجة الخصبة إلى قسنطينة وقالمة، حيث نشأت الزراعة والعمارة، فكان الأمازيغ فلاحين، مقاتلين، وبناة مدن.
وما يثبت أصالة هذا الشعب أنه لم يتوقف يومًا عن مقاومة الغزاة: فقد واجه الرومان طويلاً، وصمد في وجه الوندال والبيزنطيين، ثم قاوم محاولات الهيمنة العربية والأموية، ووقف في وجه العثمانيين حين أرادوا إخضاع الجزائر بالقوة، وأخيرًا واجه أشرس استعمار حديث هو الاستعمار الفرنسي. وعلى مدى كل هذه القرون ظل الأمازيغ يرفعون راية الحرية، يرفضون الذوبان في أي قوة أجنبية، ويؤكدون أن الجزائر لا تنحني إلا لأبنائها.
إن نوميديا لم تكن تسمية رومانية لقطيع من الرحّل، بل كانت إعلانًا عن ميلاد أول دولة جزائرية حقيقية، دولة شعب يعرف معنى الأرض والسيادة. ومن يتأمل تاريخ هذا الشعب سيجد خيطًا واحدًا يربط كل المراحل: رفض الاستعمار والوصاية، والإيمان العميق بأن الجزائر للأحرار لا للغزاة.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟