محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 10:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لطالما حاول البعض تصوير الجزائر كما لو كانت تحت سيطرة تركية أو اندمجت في التحالفات العثمانية، إلا أن التاريخ يقول غير ذلك. ما حدث في القرن السادس عشر مع بابا عروج والدولة العثمانية لم يكن استعمارًا شعبيًا، بل تحالفًا سياسيًا وعسكريًا ضد التهديد الإسباني. ومن جاء مع هذا التحالف لم يكونوا أتراكًا فقط، بل من أصول ومناطق متعددة، ولم يتركوا بصمة ديموغرافية كبيرة؛ فالشعب الجزائري بقي الأغلبية الساحقة، محافظًا على ثقافته وهويته.
المجتمع الجزائري، عبر العصور، عرف كيف يحترم الوافد ويقدّر حماية الغريب، لكنه لم يكن يميل إلى الاختلاط العرقي. فالتمازج العرقي لم يكن قاعدة اجتماعية، بل استثناء محدودًا غالبًا لأسباب اقتصادية أو سياسية، ولم يكن أبدًا وسيلة لتمثيل سياسي أو تغيير ديموغرافي.
فلسفيًا، الجزائريون منذ فجر التاريخ حافظوا على هويتهم: لغةً، عاداتٍ، وقيمًا اجتماعية متجذرة. فهم يقبلون الآخرين ويحميونهم عند الحاجة، لكن لا يسمحون للهوية بالذوبان أو الانصهار في حضارات أخرى. فالهوية ليست مجرد دم أو نسب، بل حضارة متواصلة، وقيم مشتركة، ورصيد من الذاكرة الجمعية.
التحالفات السياسية ليست أبدًا سببًا لتغيير جوهر شعب، والجزائريون، كما كان عبر التاريخ، يستقبلون الوافد ويحمونه، لكن يحافظون على خصوصيتهم الثقافية والاجتماعية. ومن يحاول ربط غالبية الشعب بأصول عثمانية أو أجنبية، يغفل الحقيقة ويخطئ في فهم الهوية الجزائرية، التي ظلت صامدة، متجذرة، ومتميزة، عبر كل العصور والأزمات.
اليوم، ونحن نتأمل تاريخ الجزائر، نجد أن قوة الأمة تكمن في تمسكها بهويتها ووعيها الذاتي، في قدرتها على التفاعل مع العالم دون أن تفقد ذاتها، وفي حريتها في حماية تراثها وقيمها. إن الجزائر لم تُصنع مجردًا من الظروف السياسية والتحالفات العابرة، بل صنعتها روح شعب متشبث بالأرض واللغة والتقاليد، روح تعطي كل زائر الاحترام والحماية، لكنها لا تتنازل عن أصالتها.
وفي النهاية، تبقى الجزائر دروسًا حية في الثبات والهوية، مثالًا على أن الحضارة ليست بالأرقام أو الأصول، بل بالإرث الثقافي، والعادات، والقيم التي تصمد أمام العواصف، لتظل الأمة حرة، متميزة، ومصانة من كل اندماج قسري.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟