محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 08:35
المحور:
المجتمع المدني
بعد حملة «مليون شجرة» التي أعادت للجزائريين ثقتهم في الفعل الجماعي، وأثبتت أنّ هذا الشعب حين يؤمن بالفكرة ويجتمع حولها، يصنع المعجزات في أيام قليلة — يحقّ لنا اليوم أن نحلم بحملةٍ أخرى، لا تقلّ جمالًا ولا نفعًا: «سينما في كل بلدية».
لقد غرسنا في الأرض بذور الحياة، فآن الأوان أن نغرس في العقول بذور الثقافة والمعرفة والجمال. فالأوطان لا تزدهر فقط بالخُضرة والظلال، بل بالفكر والفنّ والوعي.
السينما ليست ترفًا، وليست مجرد وسيلة تسلية كما يظن البعض، بل هي ذاكرة الأمة ومرآتها البصرية، التي تعيد تشكيل وعي الناس، وتفتح أمامهم نوافذ على العالم. من خلالها نرى أنفسنا بوضوح، ونحاور تاريخنا، ونُعيد اكتشاف حاضرنا، ونصوغ أحلامنا للمستقبل.
أمّة بلا سينما، هي أمّة تتكلّم أقل، وتفكّر أقل، وتحلم أقل. لأنّ الصورة، في هذا العصر، هي لغة المستقبل، والفيلم أصبح أداة تربية وتنوير لا تقلّ شأنًا عن الكتاب.
فلنتخيّل لو أنّ في كل بلدية جزائرية قاعة عرض صغيرة أو شاشة متنقّلة في ساحة عامة، يشاهد فيها الناس أفلامًا وطنية وعالمية، يناقشونها، يتعلّمون منها، ويكتشفون من خلالها عوالم جديدة. حينها، لن تبقى الثقافة حكرًا على النخبة، بل ستصبح حقًّا للجميع، ومجالًا للحوار والتنوير في كل حي وقرية ومدرسة.
لقد كانت السينما الجزائرية، في زمنٍ غير بعيد، منارةً في إفريقيا والعالم العربي. أفلامنا نالت جوائز كبرى، وصور ثورتنا دوّت في المهرجانات الدولية، فعرّفت العالم بوجه الجزائر المبدع والمكافح. لكنّ تلك الشعلة خبت قليلًا، لا لغياب المبدعين، بل لغياب الدعم والرؤية الثقافية الواضحة. واليوم، حان الوقت لإعادة إشعالها.
وفي هذا السياق، لا يسعنا إلا أن نحيّي المفكر والناقد السينمائي الكبير أحمد بجاوي، الذي أفنى عمره في الدفاع عن الثقافة، وعن السينما الجزائرية، مؤمنًا بأنها ليست مجرد فنّ، بل قضية وعي وهوية. هو ومن يسير على نهجه يمكن أن يكونوا نواة هذا المشروع الوطني الطموح، الذي يجعل الفنّ السابع في متناول الجميع، ويعيد للثقافة دورها التنويري في مواجهة الفراغ والعنف والتطرّف.
ثمّ، لمَ لا تكون الخطوة التالية «مسرح في كل ولاية»؟
فالمسرح، مثل السينما، ليس رفاهية، بل مدرسة للحياة والحرية والحوار. على خشبته يتعلّم الإنسان أن يرى نفسه والآخر، أن يحترم الاختلاف، وأن يُعبّر عن ذاته بوعيٍ وجمال.
إنّ الثقافة ليست زينة للأوطان، بل هي أساس وعيها واستقرارها.
الشجرة تُنبت الظلّ والثمار، أمّا الثقافة فتُنبت الإنسان الحرّ، القادر على حماية وطنه من الجهل والخرافة والانغلاق.
فلنغرس شجرة... ولنُشعل شاشة...
فبهكذا فقط تُزهر الجزائر من جديد:
خضراء في أرضها، نقيّة في روحها، ومضيئة في فكرها.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟