أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله عطوي الطوالبة - أنموذج بئيس لتطبيق الشريعة الإسلامية في السودان !!!















المزيد.....

أنموذج بئيس لتطبيق الشريعة الإسلامية في السودان !!!


عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 12:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أعلن رئيس سوداني راحل، هو جعفر النميري، في أيلول 1983 البدء بتطبيق الشريعة الإسلامية. ولكي يناسب المقامُ المقالَ، أطلق الرجل على نفسه لقب "الإمام". طار مفكرون اسلاميون من الفرح ولم تعد الدنيا تسعهم، ومنهم من أسكرته النشوة ففقد السيطرة على لسانه. فها هو الداعية المعروف آنذاك، عبدالحميد كشك، يتصدى لناقدي "الإمام" بقوله:"إن الحملة التي يتعرض لها الرئيس جعفر النميري الآن بسبب تطبيق الشريعة الاسلامية، قد تعرض لها قبله سيد الأنبياء والمرسلين، وتعرض لها جميع دعاة الاصلاح. وقد عودتنا الحياة أن القافلة تسير مهما كانت الذئاب تعوي، وهل يضر السحاب نبح الكلاب"(كتاب البرلمان(1) عام على تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان، مجلس الشعب السوداني، مطبوعات مؤسسة دار التعاون للطبع والنشر، ص 94).
أما المفكر الاسلامي محمد الغزالي، فقد رأى أن تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان "كان إلهاماً جليلاً من الله سبحانه وتعالى للمسؤولين في السودان، وانهم بهذا المسلك الجديد احترموا عقائدهم وشعائرهم وشرائعهم وربطوا حاضرهم بماضيهم وامتدوا مع تراثهم العظيم ووقفوا أمام الغزو الثقافي وقفة صلبة وأحبطوا محاولات استعمارية خبيثة كانت تريد أن تُجهز على مستقبل الأمة الاسلامية في هذه الأرض الطيبة"(المرجع السابق، ص 71). أما يوسف القرضاوي، الرئيس السابق لما يُعرف بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فقد نشرت جريدة اللواء الاسلامي في عددها رقم (141) له رأيا بخصوص ما نحن بصدده، مفاده:"إن الرئيس السوداني يعمل على بناء الفرد الصالح والمجتمع الصالح، فهذا هو البناء الحقيقي وهو حجر الأساس في تجربة تطبيق الشريعة الاسلامية". في سطورنا التالية، نستحضر شواهد عملية على كيفية تطبيق الشريعة في السودان آنذاك، ونترك الحكم لقرائنا الأعزاء. بدأ "الإمام" جعفر النميري تطبيق الشريعة بتعديلات على الدستور، نتوقف عند أربعة منها. كانت المادة (80) في الدستور السوداني آنذاك تنص على أن "دورة الرئاسة ست سنوات قابلة للتجديد"، فأصبح نصها بعد التعديل، بناءً على طلب "الإمام أمير المؤمنين":"دورة الرئاسة تبدأ من تاريخ البيعة ولا تكون محددة بمدة زمنية معينة". هذا يعني أول ما يعني، أن "زعامة الإمام" دائمة مدى الحياة. واضح من هذا التعديل أن "الإمام النميري" قد "ربط الحاضر بالماضي وامتد مع التراث..."، واضعاً نُصب عينيه هدف تأبيد سلطته بغطاءٍ ديني. وقد ساعده في ذلك، أن نظام الخلافة في تاريخنا السياسي، لم يعرف تحديداً لفترة حُكم الحاكم ولا نصَّ من قرآن أو سنة على هذا الأمر. كما أن نظام الخلافة ذاته هو اجتهاد بشر أملته ظروف زمانه، ولم يُذكر في آية أو حديث. في سياق تأبيد السلطة أيضاً، ننتقل إلى تعديل المادة (112)، بعد اعلان تطبيق الشريعة. فقد نصت هذه المادة قبل التعديل على أنه "في حالة خلو منصب الرئاسة يتولى نائب رئيس الجمهورية الأول الرئاسة ويتم انتخاب رئيس جديد خلال ستين يوماً". وأصبحت بعد التعديل:"يجوز لرئيس الجمهورية أن يعهد الى أي أحد من المسؤولين وذلك بكتاب مختوم موقع عليه بخط يده، ويُفض في مجلس الشورى وعلى المجلس مبايعة صاحب العهد مدى الحياة". بلغة الحاضر، يتجلى الاستبداد في هذا التعديل في أجلى تطبيقاته وضوحاً. أرادة الحاكم نافذة حتى بعد وفاته، فهو من يعين خليفته ليحكم هو بدوره مدى الحياة، ولا علاقة للشعب المحكوم بالأمر لا من قريب ولا من بعيد. ولقد عزز "الإمام النميري" سلطته الأبدية في تعديلي المادتين (115) و (220)، حيث نص التعديل الأول على عدم جواز "مساءلة رئيس الجمهورية أو محاكمته"، فيما نص التعديل الثاني على أن "نقض البيعة للإمام خيانة عظمى". في هذين التعديلين، بيت القصيد ومبتغى "الإمام أمير المؤمنين". في التعديل الأول وضع نفسه فوق البشر، والبشر هنا هم شعبه الذي سلبه حق مساءلته مهما فعل. وفي التعديل الثاني، وصم للمعارضة بالخيانة العظمى وعقوبتها الإعدام. من هذا المدخل، لم يتردد "الإمام" في إعدام السياسي والمفكر السوداني محمود محمد طه، زعيم حزب الجمهوريين، يوم 18 كانون الأول 1985. السبب المعلن لإعدام الرجل، صدور حكم بردته عن الإسلام. أما السبب الحقيقي، فقد كان اعتراضه على أُسلوب "الإمام، أمير المؤمنين" في تطبيق الشريعة الإسلامية. ومن المعروف أن صدور حكم "الردة عن الاسلام" بحق المفكر محمود محمد طه، الذي اتَخِذَ ذريعة لإعدامه، يتعلق باجتهاداته المتعددة، ومن أهمها تقسيمه الإسلام إلى مكي تمثله السور المكية وعددها 86 سورة، ومدني تمثله السور المدنية (28 سورة).
ونعتقد أنه بات بمقدورك عزيزي القاريء الإجابة على سؤال: هل كان هدف النميري من تطبيق الشريعة "إلهاماً من الله" على ذمة محمد الغزالي، أم تأبيد سلطته والفتك بمعارضيه؟!
من تعديلات الدستور لتأبيد السلطة واعدام المعارضين، ننتقل إلى أحكام قضائية تخيرنا منها ثلاثة، لنرى كيف عمل "الإمام النميري" على "بناء الفرد الصالح والمجتمع الصالح"، كما قال عنه القرضاوي. ففي يوم 20 أيار 1984، صدرت الأحكام في قضية "سرقة أسلاك كهرباء". وكان من أهمها، ما صدر بحق المتهم صديق رمضان مهدي، بالقطع من خِلاف(قطع اليد اليمنى والقدم اليسرى وهو حد الحرابة). وصدر حُكم مماثل على المتهم في القضية ذاتها، عبدالله النور آدم.(النشرة رقم (3)، المنظمة العربية لحقوق الإنسان 27 آب 1984). وفي يوم 20 أيار 1984، صدر حكم بحق المواطن الايطالي جوزيف سانتينو، وكيل الكنائس الكاثوليكية في السودان، بالسجن شهراً والجلد 25 جلدة والغرامة 500 جنيه، لضبط زجاجة ويسكي و16 زجاجة نبيذ وكرتونة بيرة في حوزته. يمكن قول الكثير هنا، لكن ما يلفت النظر صدور هذا الحكم مع أن أحكام الاسلام لا تحظر الخمر على غير المسلمين. وفي قضية ثالثة، حُكم على المواطن السوداني سمير أمين محمود، ويعمل في "شركة شفرون" بارتكاب جريمة الشروع في الزنا ومعاقبته بستين جلدة وألف جنيه غرامة وبالسجن سنة إذا لم يدفع". هنا أيضاً نتساءل: هل يوجد في أحكام الفقه الإسلامي جريمة مستقلة اسمها "الشروع في الزنا"؟!
في حياة الشعوب وبمقاييس التاريخ، لا تبعد عن حاضر السودان كثيراً مرحلة "تطبيق الشريعة". وها هم السودانيون يرفلون اليوم بالظلال الوارفة لتلك المرحلة، وينعمون بنتائجها الباهرة المبهرة، وخاصة على صُعد رغد العيش وارتفاع معدل الدخل إلى مستويات قياسية. وعن التقدم العلمي والتقني في البلد الشقيق، فحدث عزيزي القارئ ولا حرج، فأنت نفسك شاهد على ما يزهو به السودانيون من تقدم مذهل في هذا المجال انعكس، يا لطيف تلطف، على شؤون حياتهم كافة!!!



#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القلق الرسمي الأردني والاحتمالات المفتوحة
- ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية (2) لقاءٌ مع الأمير فيصل ...
- مذكرات تشرشل
- العلم والدين *
- ماذا وراء الأكَمَة؟!
- دولة المزرعة العربية !
- أين تجار الوطنية؟!
- ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية (1) الأحوال العامة في من ...
- الزرادشتية
- نظام التفاهة (5) والأخيرة تتفيه الإنسان والثقافة والصحافة وا ...
- ترامب بلا أخلاق ومجرد من القيم
- قمة وهم الحركة في شرم الشيخ
- تعاون عسكري عربي صهيوني !
- هكذا قيَّدوا العقل العربي وكبَّلوه !
- مبارك للدكتور ياغي، ولكن...!
- نحو مراجعة عقلانية لموروثنا
- نظام التفاهة (4) النقود غاية الغايات !
- العرب و-اسرائيل- في خندق واحد !
- لا بد من وعي جديد مختلف
- خطة ترامب لنحر السلام !


المزيد.....




- الآلاف من اليهود الحريديم يحتجون في القدس على التجنيد في الج ...
- آلاف اليهود المتشددين يتظاهرون في القدس رفضا للتجنيد الإلزام ...
- -لبرق الحمى عهد علي وموثق-.. فلسفة العهد في الشعر في صدر الإ ...
- العدالة الانتقالية في ضوء الشريعة.. رؤية تأصيلية
- أحدث تردد قناة طيور الجنة TOYOUR EL-JANAH TV.. على نايل وعرب ...
- أحدث تردد قناة طيور الجنة TOYOUR EL-JANAH TV.. على نايل وعرب ...
- مصر.. -حياد- المساجد يتصدر مشهد الانتخابات البرلمانية لـ-ضما ...
- خطة الرباعية بمواجهة عراقيل الإخوان.. السودان والخيار الأخير ...
- باكستان تهدد بـ-محو-حركة طالبان أفغانستان
- المغرب..ترميم دار مولاي هشام يعيد الحياة لذاكرة دمنات اليهود ...


المزيد.....

- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله عطوي الطوالبة - أنموذج بئيس لتطبيق الشريعة الإسلامية في السودان !!!