عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8508 - 2025 / 10 / 27 - 08:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قابل الشيخ سلطان العدوان وولده الشيخ ماجد وبرفقتهما 14 خيَّالًا من شيوخ البلقاء الأمير فيصل بن الحسين، بعد انسحاب الأتراك من المنطقة. ويرجح مؤلف كتاب "ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية"، أن اللقاء جرى في الأزرق، وكان متاخرًا، عكس ما فعلت القبائل التي سارعت إلى مقابلة الأمير والترحيب به منذ لحظة دخوله حدود بلاد الشام في تموز 1917. ويشير المؤلف إلى أن قوات الأمير فيصل لم تدخل أراضي البلقاء، أثناء مسيرها في شرق الأردن متجهة إلى الشمال، بل توجهت من معان إلى باير ومن الأزرق باتجاه الشمال حتى وصلت درعا. أما الذين دخلوا البلقاء، فهم البريطانيون حلفاء الثورة العربية الكبرى، وقد حدثت مواجهة عسكرية بين الطرفين البريطاني والتركي في البلقاء.
يستحضر المؤلف رواية محلية تشير إلى أن الأمير فيصل جاء محملًا بصناديق من الذهب الإنجليزي، وزعها على شيوخ القبائل ليكسب ولاءهم. وأراد أن يعطي الشيخ سلطان العدوان منها كما أعطى غيره، فقال له: الآن تأتي يا ابن عدوان؟!
وفي ذلك إشارة إلى تذكير ابن عدوان بأنه جاء متاخرًا للسلام على الأمير فيصل. فرد الشيخ سلطان العدوان قائلًا: كان عندي ضيف مسلم(قصد الأتراك) ولما انتهت زيارته وعاد لبلاده تصحبه السلامة صار يحق لي الآن أن أقابلك. أحضر رجال العدوان رؤوسًا من الغنم كان الشيخ سلطان قد أمر بذبحها، وإعداد طعام الغداء لفيصل. فعرض فيصل أكياسًا من الذهب على الشيخ سلطان العدوان، وقال له:"هذه لك منا". فانزعج الشيخ سلطان وقال للأمير:"نحن لسنا شحادين، ولسنا بحاجة". فقال الأمير:"اعطيها لربعك". فكان رد الشيخ سلطان:"المحتاج نحن نعطيه"، ورفض أخذ أكياس الذهب.
بعد دخوله دمشق، بدأ الأمير فيصل يمهد الطريق لإقامة حكومة في بلاد الشام. وقد حضر مؤتمر الصلح في باريس بتاريخ 9/5/1919، وعند عودته إلى دمشق ألقى خطابًا أكد فيه على الإستقلال التام للعرب وتطبيق قواعد الحكم الديمقراطي. وطلب مؤازرته، لتحقيق هذين الهدفين. وعندما أُعلن تشكيل المؤتمر السوري الأول أرسل وجهاء الأردن ومنهم الشيخ سلطان العدوان مندوبين للمشاركة في أعماله. وقد أصدر المؤتمر الذي استمرت اجتماعاته حتى 2/7/1919 بيانًا ختاميًّا أكد فيه مطالبته بالاستقلال التام، وعدم فصل الجزء الجنوبي من سوريا (فلسطين) والمنطقة الغربية الساحلية (لبنان) عن القطر السوري. ودعا المؤتمر إلى الاستقلال التام للعراق، مؤكدًا رفضه أي اتفاقيات تجزئة ترمي إلى قيام كيان صهيوني في الجزء الجنوبي من سوريا.
نتيجة إثارة القضية العربية في مؤتمر الصلح، تقرر إرسال لجنة أميركية بإسم "لجنة كنج كرين"، زارت فلسطين وسوريا وشرقي الأردن للإستماع إلى تطلعات الأهالي ورغباتهم بخصوص مستقبل شرقي الأردن. استمعت اللجنة إلى ممثلي القبائل والعشائر والوجهاء، فوجدت أن مطالب الأغلبية تتمثل بالإستقلال التام دون حماية أو وصاية. ولم يخلُ الأمر من أقلية أكدت تأييدها للمطالب الوطنية، ولكن إذا ولا بد من الانتداب برأي هؤلاء فليكن بريطانيًا. ويضئ المؤلف على مواقف كل من الشيخ تركي كايد المفلح العبيدات والشيخ سلطان العدوان الرافضة للإنتداب وللهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتأييدهما لوحدة الأراضي السورية وضرورة مقابلة لجنة كنج كرين بصلابة العربي المؤمن بحقوقه، المعتز بقيمه الأخلاقية والروحية، وعدم السماح لتلك اللجنة بمقابلة جَهَلة القوم. قابلت اللجنة الشيخ سلطان العدوان، الذي أكد لها أن الموت عنده افضل من حياة التبعية للغرباء، حفاظًا على أرضنا، وعلى عاداتنا وتقاليدنا الروحية والدينية والاجتماعية. وأكد الشيخ العدوان لأعضاء اللجنة أنه يتحدث نيابة عن عرب البلقاء كلهم، ولا فرق عندهم بين المسلم والمسيحي، فكلهم من عباد الله الصالحين.
شارك ممثلو شرقي الأردن في المؤتمر السوري الثاني، الذي عُقد في دمشق بتاريخ 6-8/3/ 1920، وقرر المجتمعون إعلان استقلال البلاد السورية بحدودها الطبيعية، شاملة فلسطين، مؤكدين رفضهم المزاعم الصهيونية بأن فلسطين وطن قومي لليهود. ونادى المؤتمرون بالأمير فيصل ملكًا عليها، وأصدر هو بدوره مرسومًا يقضي بإنشاء أول حكومة سورية برئاسة علي رضا الركابي.
لم يمضِ وقت طويل على هذه التطورات حتى تقدمت القوات الفرنسية من الساحل، فوجد الملك فيصل أن من الحكمة العودة إلى مؤتمر الصلح، إلا أن الجنرال الفرنسي غورو حال دون تمكينه من ذلك. وفي 14 تموز 1920 بعث غورو إنذارًا إلى الملك فيصل للقبول بالإنتداب الفرنسي على سوريا. ولم يلبث الملك فيصل ومعه عدد من أعضاء حكومته أن قبلوا بالإنتداب، غير أن الأحرار السوريين رفضوا الإنصياع لأوامر فيصل بقبول الإنتداب. وقد عمت المظاهرات سوريا كلها، حيث قُتل وجُرح الكثيرون. عمَّ الغضب وازدادت النقمة على الملك فيصل وأعضاء حكومته من حزب الاستقلال في الشارع السوري. وأعلن السوريون الأحرار مقاومة الانتداب يتقدمهم قائد القوات العربية آنذاك شهيد معركة ميسلون ياسر العظمة.
آثر الملك فيصل الخروج من سوريا، بعد دخول القوات الفرنسية. ولم يكن الفرنسيون ليرحبون بوجوده، لمعرفتهم بعلاقاته الوطيدة مع الحكومة البريطانية. أضف إلى ذلك، الضغط الشعبي المناهض لسياسته وقبوله الانتداب.
كان أبناء شرقي الأردن قد أرسلوا قوات للمشاركة في الدفاع عن سوريا، بقيادة كل من الشيخ سلطان العدوان والشيخ عودة أبو تايه. بوصول هذه القوات قرية المزيريب قرب درعا، علمت ما حدث في ميسلون فعادت أدراجها.
بعد احتلال دمشق، سارعت القوات البريطانية إلى الإنسحاب من الأراضي السورية جميعها بما في ذلك شرقي الأردن، مما أوجد حالة من الفراغ السياسي والإداري والأمني في البلاد. استغل المندوب السامي البريطاني في فلسطين، الصهيوني هربرت صموئيل الوضعَ فاقترح على حكومته احتلال شرقي الأردن وفرض الإنتداب البريطاني عليها. التقى هربرت صموئيل يوم 21/8/ 1920 أعيان الأردن ووجهاءه، في اجتماع حاشد عُقد في السلط، لبحث شؤون الأردن ومستقبله. وقد حضر الاجتماع 600 شخص من شيوخ وأعيان ووجهاء العدوان والمجالي والحويطات وبني صخر وبني حميدة وعشائر البلقاء ووجهاء الشركس والعقبة. أما شيوخ اربد ووجهاؤها فلم يحضروا بسبب خصومات مع بعض عشائر البلقاء. ألقى الصهيوني هربرت صموئيل خطابًا مشحونًا بالعواطف أظهر فيه بريطانيا وكأنها تريد انتداب الأردن لإعجابها بسواد عيون الأردنيين. لذا، ستعمل على إنشاء إدارة منفصلة في البلاد عن فلسطين، لتساعد الأهالي على أن يحكموا انفسهم بأنفسهم. وأخيرًا، طلب صموئيل إلى من يريد من المجتمعين أن يكون الحكم في الأردن لبريطانيا، فليتقدم إلى الأمام ويعلن اسمه. فتقدم جمهور الحاضرين وطلب كل من الشيخ سلطان العدوان والشيخ رفيفان المجالي من هربرت صموئيل الإفراج عن الحاج أمين الحسيني وعارف العارف، المسجونين في القدس، فوافق على طلبهما وابتهج الحضور بذلك. واقترح شخص من أهل السلط أن يُنصَّب أحد أبناء الشريف حسين ملكًا عليهم، لكن الحضور لم يُظهروا تأييدًا أو حماسًا لذلك. وكان كبار الشيوخ قد عقدوا اجتماعًا مسبقًا واتخذوا قرارًا ضد هذا الأمر، وعلى رأسهم الشيخ سلطان العدوان والشيخ رفيفان المجالي، اللذين تزعما المجتمعين وأعلنا أنهما سيقدمان عرائض لتحديد الإدارة البريطانية، وأن كل ما حدث في الاجتماع كان من اختيار الأهالي.
يرى المؤلف أن تأييد شيوخ الأردن ووجهائه وأعيانه للإنتداب البريطاني لبلادهم، كان مؤقتًا مقابل مساعدتهم في إنشاء دولتهم التي يتطلعون لحكمها. ودليله على ذلك رفض اقتراح أحد المشاركين في الاجتماع تنصيب أحد أبناء الشريف حسين ملكًا عليهم. ويقول المؤلف في السياق أيضًا، أن البريطانيين كانوا يرغبون في تنصيب أحد زعماء البلاد ويتطلعون لإختيار شخصية لا تعارض سياستهم في المنطقة.
بعد اجتماع السلط، وبعده مؤتمر أم قيس في الثاني من ايلول 1920، تشكلت في شرقي الأردن ثلاث حكومات، هي حكومة عجلون، وحكومة الكرك، وحكومة السلط. واستمرت هذه الحكومات تقوم بمهامها حوالي سبعة أشهر. حصل انشقاق في حكومة السلط، كانت نتيجته قيام حكومة أم العمد وقد ضمت شيوخ بني صخر، والحديد، والعجارمة، والعباد، واللوزيين. وقد رفض هؤلاء الإلتزام بقرارات حكومة السلط، التي شكَّلَها الميجور البريطاني كامب بالتعاون مع مظهر أرسلان. ومن التطورات اللافتة آنذاك، استقطاب إدارة عمان برئاسة رئيس بلديتها سعيد خير بعض القوى الشعبية. أصبحت عمان مركزًا لحركة يتزعمها سعيد خير، بمساعدة الشيخ مثقال الفايز زعيم قبيلة بني صخر، وأخذ بعض وجهاء سوريا يتوافدون إليها. اجتمع هؤلاء في أواخر أيلول 1920 في دار البلدية، بمعرفة علي خلقي الشرايري رئيس حكومة اربد، بمنأى عن عيون الميجر كامب وبقية أعضاء حكومة السلط واتفقوا على طلب المساعدة من الشريف حسين بن علي من مكة، وأبرقوا إليه ليرسل أحد أبنائه ليدعم حركة المقاومة للإحتلال الفرنسي في سوريا. وتبين أن المعتمد البريطاني، وحكومة السلط برئاسة مظهر رسلان كانا يراقبان ما يجري في عمان، ويحاولان وقف هذه الحركة، ولكن دون جدوى.
ويذكر أن حكومة السلط قد استمرت تمارس مهامها حتى 21 نيسان 1921، عندما تشكَّلَت إمارة شرقي الأردن رسميًّا. (يتبع).
#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟