أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله عطوي الطوالبة - نظام التفاهة (4) النقود غاية الغايات !














المزيد.....

نظام التفاهة (4) النقود غاية الغايات !


عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 07:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ينقلنا ألان دونو، في الفصل الثاني من كتابه "نظام التفاهة"، إلى تجليات التفاهة في المال والاقتصاد. فقد أصبح السوق يعمل من دون تدخل العقل البشري، ويُحَرَّك من قِبل خوارزميات تقوم بعملياتها خلال نانو ثانية (واحد على بليون من الثانية)، وهو أمر يمكن أن يحدث معه الخطأ بطريقة خارجة عن السيطرة. ومن ضمن أشياء عدة، يمكن للخوارزميات كشف عروض الشراء في السوق، ثم مضاعفتها خلال نانو ثواني، وذلك بهدف السيطرة على ملكية الأسهم، ثم بيعها بسعر أعلى لأي راغب بابتياعها.
في سوق الأوراق المالية، يُتَلَاعبُ بمدخرات الأفراد ذوي الدخول المحدودة، والديون الوطنية للدول، وقيم العملات. ولهذا أثره المعتبر على أسعار الأسهم المستخدمة من وكالات التصنيف الإئتماني لتقييم الجهات العاملة في أسواق المال.
70% من صفقات سوق المال في الولايات المتحدة الأميركية، تمر عبر الكمبيوترات. لكن 90% من عروض الشراء المتخمة بها البورصة وتتسبب في صعود الأسعار وهبوطها، هي من صنيعها.
في الأول من تشرين الأول 2012، سيطرت خوارزميات مجهولة على البنية التحتية لبورصة نيويورك، وذلك بإغراقها بعروض خيالية من الأرباح. وكان الهدف، التقليل من التدفقات المنافسة، كجزء من استراتيجية ما تزال غير مفهومة حتى اليوم.
بتاريخ 23 اذار 2012 بعد الساعة الحادية عشرة صباحًا بأربع عشرة دقيقة و18 ثانية و436 ملِّي ثانية، كانت شركة جلوبال ماركتس، التي تمارس نشاط التداول المكثف، قد دخلت لتوها البورصة بدعاية صاخبة، بسعر أولي للسهم بقيمة 15,28 دولار. وخلال 900 ملِّي ثانية، انخفض سعر السهم إلى 0,28 دولار فقط. كانت ضربة قاصمة للشركة أرغمتها، خلال بضعة أيام، على قبول الاستحواذ عليها من قِبَل شركة مساهمة. ما حصل أنه فور اعلان السعر، كانت خوارزميات عدوة متربصة في كمين، قد وزعت بسرعة خاطفة عروض شراء بأسعار متدنية، وبطريقة دمَّرَت المعروض فورًا. ولم يَدُر أي تحقيق جاد في هذا الرعب، الذي أوقعه هذا التوحش المالي للقرن الجديد.
الأسواق ساحة قتال، من يملك الخوارزميات الأسرع والأقوى يكسب المعركة. في وضع كهذا، يقول دونو، يبدو الاقتصاد مثل ما قالته صاحبة البيت في رواية الكاتب التشيكي فرانز كافكا بعنوان "المحاكمة"، إذ تقول:"إنه يبدو شيئًا علميًّا، أعتذر إن كنت أتفوه بحماقات، ولكنه يبدو شيئًا علميًّا أنا لا أفهمه، ولا حاجة لي إلى فهمه أصلًا".
هذا الاقتصاد لا يخدم المجتمعات، بل فئات أقلوية بعينها هي أصحاب المال والسلطة، الذين يعتقدون أن حتى أبسط الأشياء يجب أن تكون مسخرة لخدمة إرادتهم. هؤلاء يحصرون كل شئ ضمن شروط السوق واقتصاد المضاربة. أما أجهزة الدول، فتتحول إلى محض آلة تراكم رأس المال للأوليجارشية الصناعية والمالية. وبطبيعي الأمر، فالفساد والتدليس والتفاهة سمات رئيسة لمنظومة هذه آليات عملها.
فرض المال نفسه على الثقافة الحديثة، كطريقة لحساب متوسط القيمة، بعد أن أصبح العلامة المفضلة للتوسط بين السِّلَع. ويضيف ألان دونو:"هذه الوحدة للقياس المتوسط للقيم، فرضت نفسها عبر التاريخ كناقل للتفاهة.
النقود أصبحت الوسيلة، التي تسمح لنا بالوصول إلى كل شئ. أصبحت النقود غاية الغايات لغالبية الناس في حضارتنا، بتعبير دونو، حيازتها الهدف الأعلى للأنشطة كلها. النقود أصبحت قيمة مُطلَقة.
يبسط نظام التفاهة سيطرته في الاقتصاد والمال من خلال مصطلحات، مثل الحوكمة. وتعني المواءمة المنسَّقة بين مصالح الأفراد والمؤسسات والمجتمع. وقد دخلت الحوكمة حيز التداول اللغوي بعد الحث عليها من مؤسسات ومنظمات دولية، منها لجنة كادبوري، بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت بريطانيا عام 1992. أساس الحوكمة المساءلة، من منطلق الإلتزام بقواعد وتعليمات الجهات الرقابية. لكن لعبة التفاهة بعد ظهورها في بريطانيا ابان حكم مارغريت تاتشر، نقلت فكرة الحوكمة إلى السياسة. وبهذا النقل، أفرغت السياسة من القيم والمبادئ الكبرى كالحق والإلتزام والصالح العام والواجب والقيمة والعمل، واستبدلت بها الحوكمة. كما استبدلت بمفاهيم الإرادة الشعبية والناشطين السياسيين المقبولية المجتمعية واللوبيات والشريك. والنتيجة، تحول الاهتمام بالصالح العام من شأن سياسي قيمي إلى إدارة مجردة من المُثُل العليا والمواطنة ومنظومات الأخلاق والإلتزام. وانصرف الاهتمام إلى الخصخصة وتحقيق الربح، فتحولت الدول إلى ما يشبه الشركات التجارية. وبدل أن تكون غاية الحوكمة الحد من الفساد، زاد الفساد بعد الحوكمة.
يقترن نظام التفاهة بالنظام الرأسمالي، الذي يتبنى فكرة رؤية فريدريك فون هايك، ومؤداها النظام التلقائي للسوق الحرة. ولا معنى لذلك في التطبيق العملي غير تحجيم دور الدولة بحيث تنحصر وظيفتها فيما يُعرف بوظيفة الحارس الليلي، أي الأمن الخارجي والداخلي، وترك الباقي لآليات السوق. وهو ما يدابر فلسفة جون كينز الاقتصادية المؤيدة لتدخل الدولة في السوق، والنهوض بوظائفها الحمائية. ولقد كانت الحِرفة ضمن ضحايا هذه التحولات، حيث تدنت إلى مستوى تافه وأصبحت مجرد مهنة ومصدرًا للرزق. وفي نظام التفاهة أيضًا، الفقراء يزدادون فقرًا، والأثرياء يزدادون ثراءً. بهذا الخصوص، يستحضر ألان دونو قولة القديس متى:"من كان معه يُعطى ويزداد، ومن ليس معه يُؤخذ منه كل ما في حوزته". يتبع.



#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب و-اسرائيل- في خندق واحد !
- لا بد من وعي جديد مختلف
- خطة ترامب لنحر السلام !
- نظام التفاهة (3) الملاذات الآمنة
- لنتأمل كيف ولماذا تقدموا وتخلفنا؟!!!
- بائع الأوهام دونالد ترامب !
- ارتباك ثقافتنا في اشكالية السلطة السياسية !
- فجوة الرواتب المخيفة في الأردن !
- نظام التفاهة (2) تتفيه التعليم والجامعات
- التهجير !
- فضيحة مكتملة الأركان !
- المهدي المنتظر *
- ماذا تعني لهم يهودا والسامرة؟!
- نظام التفاهة (1) تنميط الإنسان وتتفيهه لخدمة السوق
- من أجل الحقيقة وليس دفاعًا عن الخوارج
- الخطر الصهيوني على الأردن ليس قَدَرًا
- ثمن الهوان والتبعية!
- قراءة في مذكرات جولدا مائير (7) والأخيرة هذه الحلقة لجماعة - ...
- الدولة المستبدة بنظر مونتسكيو
- الإنتماء المقونن !


المزيد.....




- بعد اختيار ابن زيدان رسمياً لمنتخب الجزائر، ما هي -الجنسية ا ...
- العطش يهدد ربع سكان الأرض
- ترامب يتفاخر بأن الضربات الأمريكية قضت على قوارب تهريب المخد ...
- جدار مضاد للمسيرات.. هل يكون الحل الأخير أمام الخروقات الروس ...
- وفاة أحمد طالب الإبراهيمي وزير الخارجية الجزائري الأسبق عن ع ...
- المغرب: حركة -جيل زد 212- تواصل الاحتجاجات لليوم التاسع على ...
- وزير خارجية قطر يبحث مع الشيباني التطورات بسوريا
- غريتا ثونبرغ.. السويدية التي تثير هستيريا إسرائيل
- الوصاية الإمبريالية.. توني بلير -الأبيض- يريد حكم غزة
- عاجل | قوات الاحتلال تفجر منزل الأسير أحمد الهيموني الذي تته ...


المزيد.....

- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله عطوي الطوالبة - نظام التفاهة (4) النقود غاية الغايات !