أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله عطوي الطوالبة - نظام التفاهة (1) تنميط الإنسان وتتفيهه لخدمة السوق















المزيد.....

نظام التفاهة (1) تنميط الإنسان وتتفيهه لخدمة السوق


عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 09:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مؤلف كتاب "نظام التفاهة"، هو ألان دونو، استاذ الفلسفة في جامعة كيبيك الكندية. ويُعرف عنه مناهضته للنظام الرأسمالي، في مرحلة النيوليبرالية المتوحشة. وقد أصاب الكتاب نجاحًا، ويُصنف ضمن أهم المؤلفات السياسية الصادرة حديثًا. تكمن أهمية الكتاب في كشف غوامض بعض ما يجري في عالمنا، وجلاء الإلغاز والتعمية بشأن مجريات الأمور في قطاعات كثيرة وثيقة الصلة بحياة الناس.
يتمحور الكتاب حول فكرة رئيسة مفادها أن العالم يمر بمرحلة تاريخية غير مسبوقة، يتسيد فيها نظام تأدى إلى سيطرة التافهين بالتدريج على مفاصل الدول الحديثة.
يستنفر المؤلف اهتمام قارئ كتابه من الفقرة الأولى في مقدمته الطويلة المتضمنة أخص خصائص نظام التفاهة، بجمل قصيرة متتابعة تبدو وكأنها صفارات إنذار، إذ يقول:" ضع كتبك المعقدة جانبًا، فكتب المحاسبة صارت الان أكثر فائدة. لا تكن فخورًا ولا روحانيًّا، ولا حتى مرتاحًا، لأن هذا يمكن أن يُظهرك بمظهر المغرور. خفف من شغفك، لأنه مخيف. وقبل كل شئ لا تقدم لنا فكرة جيدة من فضلك، فآلة اتلاف الورق ملأى بها سَلَفًا. هذه النظرة الثاقبة في عينيك مقلقة: وسِّع حدقتي عينيك وارْخِ شفتيك. ينبغي أن تكون للمرء أفكار رخوة. وينبغي أن يظهر ذلك عندما تتحدث عن نفسك. قَلِّل من إحساسك بذاتك إلى شئ لا معنى له...". ويصل المؤلف بقرائه إلى مدعاة إطلاقه الإنذارات هذه كلها بعبارة موجزة عميقة المعنى وخطيرة الدلالة: "لقد تبوأ التافهون مواقع السلطة". ولا يترك دونو مجالًا لمستدرك، فيضئ على مؤهلات الشخص التافه، فنجدها بحسبه "في قدرته، أي التافه، على التعرف على شخص تافه آخر. فالتافهون يدعمون بعضهم بعضًا، وكل منهم يرفع الآخر، لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار. والطيور على أشكالها تقع. عند التافهين، ما يهم ليس تجنب الغباء، وإنما الحرص على إحاطته بصور السلطة. فإذا كان المظهر الخارجي للغباء لا يشبه التقدم، والمهارة، والأمل، أو الرغبة الدائمة في التعديل، فإن أحدًا لن يرغب في أن يكون غبيًّا، كما لاحظ روبرت موسل. كُن مرتاحًا في إخفاء أوجه قصورك في سلوكك المعتاد. ادَّعِ دائمًا أنك شخص براغماتي. فالتفاهة لا تعاني من نقص لا بالقدرة ولا بالكفاءة.
يرى ألان دونو أن تقسيم العمل وتصنيعه، اليدوي منه والفكري لصالح السوق ساهم إلى حدٍّ كبير في ظهور السلطة التافهة ونظامها. في هذا النظام، يُختزل العمال إلى أدوات، والعمل وسيلة لضمان وجودهم ذاته، كما يقول كارل ماركس. وفُقِدت الحِرفة أيضًا، وصارت مجرد مهنة يعمل فيها الفرد كمصدر رزق. والمهنة في نظام التفاهة لا تلبي طموح الراغبين بالإثراء، حيث تسود قاعدة الفقراء يزدادون فقرًا والأغنياء يزدادون غنى.
منتجو الوجبات الغذائية على خطوط الإنتاج، في نظام التفاهة، ليس لهم معرفة بالطبخ حتى في بيوتهم. وهناك عاملون يُعطون تعليمات على الهاتف للعملاء لا يفهمونها هم أنفسهم. وباعة الكتب والصحف لا يقرأونها. لقد أصبح الفخر بالعمل المنتج الجيد أمرًا في طور الإضمحلال، على حد تعبير ماركس في كتابه "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي" المنشور في عام 1859. العمل منزوع الحيوية، يراه العمال محض آلية لتأمين وجودهم نفسه. وهو في الآن ذاته، وسيلة يضمن رأس المال بواسطتها نموه. وعندما يتحول العمل إلى وسيلة، يُحالُ المجتمع ككل إلى التفاهة.
ويضيف ألان دونو بخصوص التافهين "إنهم لا يجلسون خاملين، ويؤمنون بأنهم يعرفون كيف يعملون: فالأمر يتطلب مجهودًا للخروج ببرنامج تلفزيوني معروف، أو لتعبئة طلب منحة بحثية مموَّلة من وكالة حكومية، أو لتصميم أكواب صغيرة وجذابة وذات مظهر إيروديناميكي للبن الرايب، أو لصياغة المحتوى الخاص بمراسم اجتماع وزاري مع وفود نظيرة ما. ولا يمتلك الجميع الوسائل للوصول إلى هذه الغايات، فالجودة التقنية لازمة لإخفاء الكسل الفكري العميق الذي تنطوي عليه العديد من المهن ذات العقيدة الإمتثالية. في التزامهم بالمتطلبات الدقيقة لعمل لا يعود لهم، وفي انغماسهم في فكر يأتيهم من الأعلى، فإن ابتذال الأشخاص التافهين أمر يغيب عن انظارهم هم أنفسهم".
ويستحضر دونو رؤية للأديب الفرنسي جان دي لا برويير، مفادها "أن التافه في كثير من الأحيان يتمثل في مخلوق منحط، يستفيد من معرفة بالأخبار الداخلية والدسائس في أوساط ذوي السلطة لاستغلال كل موقف. التافه ليس عالِمًا، ولكن كان ذا علاقة بالعلماء. التافه قليل الجدارة، لكنه يعرف أشخاصًا ذوي جدارة كبيرة. التافه ليس حاذقًا، ولكنه ذو لسان يجعله مفهومًا وقدمين تحملانه من مكان إلى آخر". مستصفى القول في هذا السياق، التواطؤ والتآمر جعلا التافهين يتربعون على قمة المؤسسات. هنا، يبدو ألان دونو وكأنه يخص واقعنا العربي بما أوردنا قبل قليل.
باختصار، التفاهة "لعبة" كما يقول دونو مشيرًا إلى أن هذا التعبير ذو غموض ملائم للفكر التافه. لعبة تلعبها أطراف في الفضاء العام، الجميع يعرفها ولا يتكلم عنها، ولا قواعد مكتوبة لها. جوهر اللعبة، الإنتماء إلى كيان كبير بلا قِيم، يتركز النشاط الخاص به في الربح والخسارة الماديين، أي المال. وبالقدر ذاته، يتركز أيضًا في الربح المعنوي، ونعني نيل السمعة والشهرة والعلاقات الاجتماعية. والنتيجة المتوقعة، ولا يُتوقع سواها، إصابة المجتمع بالفساد بصورة بنيوية، فيضمحل اهتمام الناس تدريجيًّا بالشأن العام وتقتصر همومهم على فردياتهم الصغيرة وفق قواعد جديدة يتم اختراعها، ويمكن من خلال هذه اللعبة النجاح السهل لان الغالبية تذهب للتبسيط وترك المجهود ، والقبول بالحدود الدنيا من ذلك المجهود.
ولو طُلب إلينا تلخيص ما سبق لقلنا إننا أمام تشخيص للطابع الاستهلاكي المادي لنظام الرأسمالية المتوحشة، الذي حَوَّل البشر إلى آلات تكدّ وتكدح لصالح طبقة تافهة مصدر قوتها الوحيد امتلاكها المال، به تستحوذ على السوق وتسيطر على مناحي الحياة، هدفها الهيمنة الاقتصادية مع أنها لا تحمل أية قيم إنسانية أو فكرية أو كفاءة تؤهلها لما ذكرنا. والنتيجة المترتبة على أفاعيل هذه الطبقة تنميط الإنسان، بحيث يكون همه الأول لقمة العيش، وغاية وجوده رفع إنتاجيته بما لديه من معارف عملية وتقنية بمقدوره الترويج لنفسه ولمعارفه ومهاراته بوصفه سلعة هو الآخر. إنسان لا يفكر بحرية خارج قيود الرأسمالية، بلا مضمون قيمي أو فكري حقيقي. وإذا تميز بمَلَكة التفكير تدفع له الطبقة التافهة ذاتها حتى يفكر بالطريقة المرغوبة من جانبها، وبما يناسب مصالحها ويحقق أهدافها. المهم أن يظل سطحيًّا تافهًا في خدمتها. وهذا ما ينسحب على إنسان ما بعد الحداثة، كما يرى مؤلف كتاب نظام التفاهة. تاليًا، يواصل دونو الإضاءة على كيفية مد التفاهة أذرعها في كل اتجاه، وفي كل مجال بدءًا بالتعليم الجامعي مرورًا بالسياسة والاقتصاد والتجارة والمال والإعلام وصولًا إلى الفن. يتبع.



#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل الحقيقة وليس دفاعًا عن الخوارج
- الخطر الصهيوني على الأردن ليس قَدَرًا
- ثمن الهوان والتبعية!
- قراءة في مذكرات جولدا مائير (7) والأخيرة هذه الحلقة لجماعة - ...
- الدولة المستبدة بنظر مونتسكيو
- الإنتماء المقونن !
- شعوب ورعايا !
- قراءة في مذكرات جولدا مائير (6) حرب أكتوبر 1973...صدمة اسرائ ...
- المؤامرة الحقيقية
- -الأخوان- إلى أين؟
- اللامعقول بنسخته الأردنية!
- إلغاء فاعلية الإنسان *
- قراءة في مذكرات جولدا مائير (5) كذب مفضوح وتضليل صريح!
- الجسد العربي المشلول
- نعيق التخاذل والإنهزام
- مبعث القلق على الأردن
- قراءة في مذكرات جولدا مائير (4) صلف وقح وغطرسة متعجرفة
- بيننا وبينهم اتفاقية سلام!
- المقاومة أو الاستسلام
- جذور التكفير والتحريم في الدين*


المزيد.....




- داخل أحدث القطارات فائقة السرعة في أمريكا.. ما أبرز ما يميز ...
- ابتلعها جبل..هذه البلدة تُصبح بوابة للمغامرة في جبال الأنديز ...
- الدمار يتسع في غزة في اليوم الـ710 من الحرب: ضربات مكثّفة ون ...
- تشييع شاب فلسطيني قُتل في أعقاب هجوم نفذه مستوطنون بالضفة ال ...
- قمة الدوحة الطارئة.. بين مخرجات البيان الختامي ومستقبل الدور ...
- 80 منظمة تدعو لوقف التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية بالضفة ...
- كوريا الشمالية ترفض-الاستفزاز- الأميركي وتتمسك بـ-هويتها الن ...
- العلاقات الأسترالية الإسرائيلية.. روابط متينة أربكتها حرب ال ...
- نتنياهو: زيارة روبيو تظهر -قوة التحالف الإسرائيلي الأميركي- ...
- حاكم يوتا يفضح الأسرار المظلمة.. من وراء اغتيال شارلي كيرك؟ ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله عطوي الطوالبة - نظام التفاهة (1) تنميط الإنسان وتتفيهه لخدمة السوق