عاهد جمعة الخطيب
باحث علمي في الطب والفلسفة وعلم الاجتماع
(Ahed Jumah Khatib)
الحوار المتمدن-العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 11:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الإقلاع عكس الريح: فلسفة تحويل المقاومة إلى معنى
1) طرح الأطروحة
تقرّر العبارة أن الضيق الخارجي يمكن—بشرط الوعي—أن يتحوّل إلى طاقة دفع. هذا انتقال من “مفعول به” إلى “فاعل”: من الانسحاق إلى إعادة تأويل المعطى، بحيث يصبح العائق شرطاً للإقلاع لا سبباً للسقوط.
2) المجاز التقني: لماذا تقلع الطائرة ضد الريح؟
ليس المجاز تزييناً بل نموذجاً معرفياً: الإقلاع عكس الريح يزيد «رفع الجناح» (Lift) عبر تسريع الهواء النسبي، أي أن المقاومة تُولِّد فرقاً يمكّن من الارتفاع. فلسفياً: ليست القيمة في الألم نفسه، بل في كيفية توجيه قواه ضمن بنية ذات واعية.
3) أطر تفسيرية فلسفية
أ. الرواقية (Stoa):
التمييز بين ما تحت سلطاننا وما ليس كذلك. الريح ليست باختيارنا؛ حكمنا عليها واستجابتنا لها هما مجال الفضيلة. “الإقلاع” هنا هو فنّ توجيه الانفعال نحو الحكم الرشيد.
ب. نيتشه وإرادة القوة:
العائق يُستثمر لا يُجتنب؛ “مصادقة القدَر” (Amor fati) تجعل الريح مادةً لصناعة ذات أقوى. ليس تمجيداً للألم، بل تحويله إلى ازدياد في القدرة على الفعل.
ج. الوجودية والعبث (كامو):
العالم قد لا يَعِدُنا بمعنى جاهز. الوعي لا يزيل الريح؛ إنما يمنحنا موقفاً تمرديّاً يخلق المعنى أثناء مواجهة المقاومة.
د. التراث الإسلامي:
يبرز مفهوم “الابتلاء” لا كعقوبة حتمية بل كمجال لاجتهاد أخلاقي ومعنى روحي؛ الصبر ليس سلباً، بل صنعةُ احتمالٍ فاعل يرافقه تعقّل وتوكّل وسعي.
4) شرط التحوُّل: ما الذي يجعل الريح رافعةً لا قاطعاً؟
إعادة التأطير المعرفي: تفسير الحدث على أنه مادة تعلّم لا نقيضاً للذات.
قابليّة للتعلّم: تحويل الفشل إلى تغذية راجعة.
بوصلة معنى: أهداف وقيم تتجاوز الألم الراهن.
شبكة دعم وعادة فعل: المعنى يحتاج ممارسة لا شعارات.
5) اعتراضات واجبة
خطر رومَنسة الألم: ليس كل ألم مُثمراً؛ ثمة معاناة سامة تُفكِّك البنية النفسية.
عدم تكافؤ الرياح: توجد رياح بنيوية (فقر/قهر/مرض) لا تُواجَه بالنية وحدها.
التفاؤل الساذج: الوعي الفلسفي لا يُلغي الحاجة إلى أدوات مادية: علاج، سياسة عادلة، تخطيط.
الجواب: العبارة صحيحة بشرطين: وعيٌ يعيد توجيه الانفعال، وبنية اجتماعية/مادية تُتيح التحويل. دون هذين تغدو حكمةً قاسية.
6) نحو “أدب حياة يومية”
الفلسفة هنا ليست تنظيراً مجرّداً؛ إنها أسلوب كتابة للذات في يومها:
دفتر مقاومة: اكتب كل مساء “ريح اليوم” و“رفع اليوم”: ما الذي واجهك؟ وكيف حوّلته إلى مهارة أو معرفة؟
طقس صغير للمعنى: سؤال صباحي: ما الفعل الأصغر الذي يقرّبني اليوم من قيمي؟
اقتصاد انتباه: قلّل الضجيج الذي يضاعف الريح (مقارنات، تهويل).
مبدأ 1%: تحسين متراكم صغير يصنع مساراً صاعداً، لا قفزات بطولية عابرة.
7) خلاصة مركّبة
الوعي الفلسفي لا يَعِدُ بإزالة الريح، بل بتقنية طيران: تحويل المقاومة إلى فرق ضغط معنوي ومعرفي ينهض بالذات. ليست الدعوى أن “كل ما لا يقتلني يقوّيني” بإطلاق، بل أن ما أستطيع فهمه وتشكيله يمكن أن يصبح وقوداً لارتقائي—شرط أن يقترن الوعي بفعل، والفضيلة بسياسة تعالج الجذر لا العرض.
هكذا يغدو “أدب الحياة اليومية” مشروعاً: كتابةُ ذاتٍ تتدرّب على الإقلاع، كل صباح، عكس الريح.
#عاهد_جمعة_الخطيب (هاشتاغ)
Ahed_Jumah_Khatib#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟