أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عاهد جمعة الخطيب - الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديدة (65)














المزيد.....

الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديدة (65)


عاهد جمعة الخطيب
باحث علمي في الطب والفلسفة وعلم الاجتماع

(Ahed Jumah Khatib)


الحوار المتمدن-العدد: 8463 - 2025 / 9 / 12 - 11:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من يعتمد على التقليد كأسلوب حياة فكأنما هو ميت يمشي بلا كفن — قراءة فلسفية معمّقة

العبارة قصيرة وحادة: تضع التقليد في مواجهة الوجود الأصيل، وتحيل من يَسِرُّ حياتَهُ على أن يكون «ميتًا يمشي بلا كفن». إنها إدراكٌ شعريٌّ لشيءٍ أعمق: حين يصبح التقليد نمطَ حياةٍ بلا نقدٍ ولا تبنٍّ وعيي، يفقد الإنسان طعمه الوجودي، ويتحول وجوده إلى مجرد تكرارٍ آليّ. في ما يلي نقاشٌ فلسفي مُوسّع يقارب هذه العبارة من أبعادٍ وجودية ومعرفية واجتماعية وأخلاقية.

1. ماذا نعني بـ«التقليد»؟

التقليد يمكن أن يعني أشياء متدرّجة: من التمسك الواعي بالعادات المفيدة والذاكرة الثقافية إلى الانقياد الأعمى للعادات والقيَم دون فهم أو مساءلة. الفرق الحاسم هو بين:

التقليد المؤسَّس: استمرارية ثقافية تُمارَس بفهمٍ ووعي (حيث يُعاد إنتاج المعنى).

التقليد الأعمى: تكرارٌ سلوكيٌّ بلا تفسيرٍ أو نقدٍ (حيث يُعاد إنتاج الشكل فقط).

العبارة تستهدف النوع الثاني: حياةٌ تُدار على نحوٍ رتيبٍ بلا ذاتٍ ناجزةٍ أو استبطانٍ ناقد.

2. البعد الوجودي: الحياة الحية مقابل «المشي بلا كفن»

فلاسفة الوجود مثل كيركيغارد وسارتر اهتمّوا بتمييز الإنسان الحقيقي (الذي يختار ويُسائِل ويواجه قلق الوجود) عن الكيان الذي ينجرف مع التيار. هكذا:

من يعتمد التقليد الأعمى يَتخلَّى عن خيار التأمل والاختيار؛

يصبح وجوده «وجودًا منزوغًا» (existence in bad faith): حاضرٌ بدنيًّا لكنه غائبٌ وجوديًا.

التشبيه بـ«ميت يمشي بلا كفن» قويٌّ لأنه يربط بين حركةٍ خارجيةٍ وحياةٍ داخليةٍ منعدمة؛ الجسد يتحرك لكن الروح غير حاضرة.

3. البعد المعرفي والإبستمولوجي: التقليد وميتافيزياء المعرفة

المعرفة الصحيحة تقوم على السؤال، والشكّ، وإعادة التأويل. التقليد الأعمى يقفل آفاق السؤال ويحوّل اللغة إلى طقوسٍ فارغة من الضبط المعرفي. في هذا السياق نرى عقبتين:

تحجّر الأفق: لا تحديث للمفاهيم ولا احتكاك مع آراءٍ مضادة.

استسهال الحكم: القبول بالجاهز دون فحصٍ يُضعف الفعل العقلي ويُولّد معرفةً شبحية.

هنا ينطبق نقد غادامر: فهمنا دومًا مشروطٌ بأفقٍ تراثيّ، لكن الفهم الحقيقي يتطلب «اندماج الآفاق»، أي الانفتاح والتفاعل مع الآخر حتى تتجدد المعاني.

4. البعد النفسي والاجتماعي: أسباب القبول الأعمى بالتقليد

لماذا يلجأ كثيرون إلى التقليد كآلية حياة؟ هناك عوامل نفسية واجتماعية:

الخوف من اللامعروف والاضطراب يعززان الميل إلى الأمان عند التقاليد؛

انصياع للمجموع (conformity) ورغبة في الانتماء؛

نظمٌ تربوية أو سياسية تُثبّت السلوك بدل تشجيع التفكير النقدي؛

اقتصاد ومؤسسات تُكافئ الامتثال وتُعاقب الابتكار.

التقليد هنا يصبح استجابة لضغطٍ اجتماعيٍّ أكثر منه خيارًا حرًّا.

5. البعد الأخلاقي والسياسي: عواقب المجتمعات «المَيِّتة»

مجتمعٌ يغلب عليه التقليد الأعمى يصاب بآفاتٍ أخلاقية وسياسية:

تفشّي الفساد والواسطة لأن الضمائر غير مأسَّسة؛

ضعف المساءلة لأن القواعد تُتبع كطقوسٍ لا كقواعدٍ للعدالة؛

تعطّل الإصلاح والابتكار، ما يؤدي إلى جمودٍ ثقافيٍ واقتصاديٍ وسياسيٍ.

هكذا يتحول التقليد من مكوّنٍ للتماسك إلى آلةٍ لإدامة التخلف.

6. قراءة نقدية: هل كل تقليدٍ سيئ؟

من المهم أن لا نُسقط كل تقليدٍ تحت حكمٍ واحد: كثير من التقاليد تحمل حكمةً تاريخيةً وقيمًا إنسانيةً (الضيافة، الاحترام، التضامن). التحدّي الفلسفي هو التمييز بين:

تراثٍ ينبني على معنى ويُعادُ استيعابه نقديًا، و

تَرَكٍ جامدٍ لا يجيب عن أسئلة الحاضر.

نيتشه، بالرغم من نقده القاسي للـ«أخلاق القطيع»، يدعونا إلى إعادة توجيه الطاقات الحيوية—ليس إلى الانقسام عن التقاليد كليًا، بل إلى تجاوزها إبداعيًا إن كانت كابحة.

7. ما العمل؟ من التقليد الأعمى إلى التقليد الواعي

الفلسفة العملية تطرح مسارات لمقاومة أن نصير «أمواتاً نمشي بلا كفن»:

تربية فكرية وأخلاقية: تعليم النقد والتأمل لا الحفظ الآلي؛

ممارسة الاستجواب الذاتي: عادة مساءلة النوايا والمبادئ اليومية؛

الانخراط في حوار ثقافي: تعرُّض متكرر للآراء المخالفة لتوسيع الأفق؛

تحويل التقاليد عبر الفكر: جعل التقاليد مادةً للحوار، لا طقوسًا بلا معنى؛

المسؤولية الاجتماعية: ترسيخ مؤسساتٍ تحفّز الابتكار وتكافح التلقين.

خاتمة تأملية

التحذير في العبارة ليس رفضًا للتاريخ أو للانسجام الاجتماعي، بل دعوة إلى أن يكون الإنسان حيًا في داخله لا مجرد كائنٍ يكرر، أن يمتلك القدرة على السؤال وعنونة وجوده. التقليد حين يُعاش بوعيٍ ونقدٍ هو موردٌ للثبات؛ لكن حين يتحوّل إلى منوالٍ لا يُسائل، يصبح مقبرةً صغيرةً تمشي بيننا. الحرّية الإنسانية الحقيقية تقضي بأن نعي تراثنا فنتبناه بلا عبودية أو ننهض عليه بلا تدمير، فنكون أحياءً نقديًا وخلقياً لا موتى تمشون بلا كفن.



#عاهد_جمعة_الخطيب (هاشتاغ)       Ahed_Jumah_Khatib#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...


المزيد.....




- فيديو يظهر نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس يشارك في حمل نعش ...
- مصور إماراتية توثق سحر بلدة في إسبانيا مُعلّقة بين السماء وا ...
- فيديو يظهر استقبال ترامب بصيحات استهجان وهتافات خلال مباراة ...
- بأسبوع.. تشريد 50 ألف فلسطيني بسبب الغارات الإسرائيلية بغزة ...
- بين منتقد وداعم.. رئيس وزراء قطر يشعل تفاعلا بما قاله عن مكت ...
- ماذا نعرف عن غور الأردن؟
- إيران تعلن عن صفقة لتبادل سجناء مع فرنسا بلغت -مرحلتها النها ...
- ترامب: أميركا قوية وهجمات 11 سبتمبر لن تتكرر
- ظهور مسيّرات بعيدة المدى قد تغيّر مسار النزاع في السودان
- -كاميرا مراقبة- ترصد ملامح المشتبه به في اغتيال تشارلي كيرك ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عاهد جمعة الخطيب - الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديدة (65)