أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عاهد جمعة الخطيب - الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديدة (58)














المزيد.....

الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديدة (58)


عاهد جمعة الخطيب
باحث علمي في الطب والفلسفة وعلم الاجتماع

(Ahed Jumah Khatib)


الحوار المتمدن-العدد: 8434 - 2025 / 8 / 14 - 09:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ذكرياتٌ كـ«رصيد»: بين العلاج والهروب

الفكرة تُصيب جوهر التجربة الإنسانية: نحتفظ بالذكريات كرصيدٍ وجداني–معرفي، نلجأ إليه عند هيجان الحنين أو قسوة الواقع بحثًا عن سكينةٍ داخلية. لكن هذا «الرصيد» ليس محايدًا؛ إنّه دواء وسمّ في آنٍ معًا—pharmakon—بحسب كيفية استعماله.

1) الذاكرة كاستثمار في معنى الحياة

ليست الذكريات مجرد صورٍ من الماضي؛ إنها رأس مالٍ رمزي نصوغ به سردية الذات. حين نعود إليها، نحن لا نهرب فقط؛ بل نُعيد رسملة الحاضر بالمعنى. فالسّلام الداخلي لا يولَد من استعادة الوقائع، بل من تأويلها بحيث تخدم انسجام الذات واستمراريتها.

2) بين التذكّر والاشتهاء: الفرق الحاسم

التذكّر (استحضار خبرة مع معناها) يختلف عن الاشتهاء الحنينِي (الإقامة في صورة منقّاة للماضي). الأول يُغذّي الحاضر، والثاني قد يُفقِره. القفز إلى الماضي لإلغاء قسوة الواقع يُنتج راحةً سريعة لكنها هشة، أمّا استعادة الماضي لتقوية القدرة على الفعل الآن فتولّد سكينة أكثر رسوخًا.

3) الزمن المتداخل: الحاضر الذي يُعيد كتابة الماضي

فلسفيًا، الماضي ليس مخزنًا جامدًا؛ إنّه «افتراضي» يتفعّل بالحاضر. كل استدعاء يعيد تشكيله. لذا فالسلام الذي نجده ليس عودةً إلى ما كان، بل خلق نسخةٍ مُعاد تأويلها تُناسب حاجاتنا الوجودية لحظة الاستدعاء.

4) النسيان الفعّال: شرطٌ للسلام أحيانًا

ليست الذاكرة وحدها مصدر السكينة؛ أحيانًا لا يتأتّى السكون إلا بقدرةٍ على النسيان الفعّال: إطفاء ما يعيق الفعل والعيش. ليس هذا إنكارًا، بل تحرّرًا من «اجترار» يُحوّل الرصيد إلى دينٍ مستمر على الحاضر.

5) الحنين: علاجٌ قصير المدى أم عبورٌ إلى النضج؟

الحنين يهدّئ جهازنا العاطفي لأنه يعِد بنقاءٍ مفقود. لكنه يصبح مصنع أوهام إذا عزلنا عن تعقيد الواقع. الحنين الناضج يعترف بأن الماضي كان ناقصًا أيضًا، ويستثمر عاطفته للتماسك لا للانفصال.

6) الذاكرة كتنظيم للانفعال

نلجأ للذكريات لتعديل المزاج: استحضار وجهٍ مُحبّ، لحظةِ نجاح، أو حضنٍ بعيد. هذه ليست استراتيجية هروب بالضرورة؛ إنها تقنية للعيش إن كانت جسورًا للعودة إلى الواقع بقدرةٍ أصفى، لا مرافئَ نقيم فيها إلى الأبد.

7) الأخلاق والسياسة: لمن ننتمي حين نتذكّر؟

كل ذكرى تحمل خيارًا أخلاقيًا: هل نستخدمها لتبرير العجز والمرارة، أم لتوسيع دائرة التعاطف والفعل؟ وعلى المستوى الجمعي، الذاكرة تصنع الهويّات وتحدّ حدود «نحن/هم». صناعةُ السلام الداخلي قد تتعارض أحيانًا مع واجب التذكّر (الظلم، trauma)، وهنا يظهر التوتر بين سكينة الفرد ومسؤولية الجماعة.

8) معايير تميّز «السلام الحقيقي» من «السكون المزيّف»

يزيد القدرة على الفعل الآن لا يقلّلها.

يوسّع رؤيتنا لذواتنا والآخرين لا يضيّقها.

يحتمل التعقيد والتناقض بدل تنعيم الماضي وتلميعه.

ينتهي بالعودة إلى الواقع لا بالإقامة خارجه.

9) نحو ممارسة فلسفية للذاكرة

اجعل الذاكرة ورشة عمل لا متحفًا:

اسأل: ماذا تمنحني هذه الذكرى الآن؟

أضِف طبقة معنى جديدة (درس، التزام، شكر).

راقب الإشارات الحمراء: اجترارٌ متكرر، أو تبريرٌ دائم للعجز، أو عزلة.

اسمح بقدرٍ من النسيان: ليس كلّ ما يُتذكَّر يستحق الحفظ في «الخزينة».

10) خلاصة

الذكريات رصيدٌ حقيقي حين يُثمَّر في الحاضر: يوقظ القدرة، يوسّع الوعي، ويُنتج سلامًا ليس سكونًا بل اتّزانًا حيويًّا. أمّا حين تُستخدم للهروب، فهي تتحوّل من رصيدٍ إلى رهنٍ على المستقبل.
الاختبار الفلسفي بسيط وعميق: هل تُعيدني ذاكرتي إلى العالم أقوى حبًّا وفعلاً؟ إذا كان الجواب نعم، فقد حوّلنا الحنين من قوقعةٍ إلى جسر، ومن شَجًى إلى سلام.



#عاهد_جمعة_الخطيب (هاشتاغ)       Ahed_Jumah_Khatib#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...


المزيد.....




- تحذير -أسود- من هطول أمطار غزيرة.. هونغ كونغ تتعرض لموجة جدي ...
- بأسماء جديدة تماما.. الإعلان عن أعضاء لجنة تحكيم الموسم الجد ...
- رأي.. عمر حرقوص يكتب: نتنياهو.. -إسرائيل الكبرى- بأهداف متعد ...
- الاستيطان الإسرائيلي: هل تسعى إسرائيل إلى منع إمكانية إقامة ...
- باريس سان جيرمان بطل السوبر الأوروبي.. كيف قلب النتيجة ضد تو ...
- الشرطة المصرية تقبض على شبان طاردوا فتيات بسياراتهم وتسببوا ...
- غضب عربي وإسلامي من حديث نتنياهو عن -إسرائيل الكبرى-
- بين مشيد ومنتقد... جدل واسع في المغرب حول قانون مجلس الصحافة ...
- -الناس يموتون من الجوع-... أحد سكان شمال دارفور في السودان ي ...
- الحكومة السورية ترحّب بنتائج التحقيق الدولي في أحداث الساحل ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عاهد جمعة الخطيب - الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديدة (58)