عاهد جمعة الخطيب
باحث علمي في الطب والفلسفة وعلم الاجتماع
(Ahed Jumah Khatib)
الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 13:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
النقد بلا برامج: ريح عابرة – تأملات فلسفية
يتردد صدى النقاد من مختلف الاتجاهات، يعلو صوتهم في المنتديات العامة ووسائل الإعلام، ويكثرون من التذمر والاعتراض، لكن الغائب الأكبر وسط هذا الضجيج هو الفعل. فلا أحد يقدم خريطة طريق واضحة، ولا أحد يخطط لعلاج الجراح أو يصف دواءً حقيقياً للداء. ربما هذا ليس عجزًا فرديًا بقدر ما هو انعكاس لنسق فكري سلبي، أو إطار ذهني مختل منطقيًا، يتسلل إلى الوعي الجمعي ويشلّ القدرة على المبادرة.
من منظور الفيلسوف، فإن النقد الحقيقي لا ينبع من الرغبة في الهدم، بل من الالتزام بالبناء. كل فكر ناقد لا يحمل في طياته مشروعًا أو تصورًا بديلاً هو كريح عابرة، تثير الغبار دون أن تُحرّك شيئًا في جوهر الأشياء. فالنقد لا يُقاس بعلو الصوت أو فصاحة اللغة، بل بمقدار ما يُضيء من زوايا مظلمة ويضع من لبنات للمعالجة.
في الفضاء العام، بات النقد ممارسة شعبوية سهلة، تمارسها الجموع، بينما يغيب التحليل الدقيق، المبني على الدراسة العميقة والاطلاع الشامل. أما النقد التخصصي، فيُعد صنعة عقلية راقية، لا يمتهنها إلا من تجرّد من الانفعال، وامتلك أدوات الفهم والتفكيك وإعادة التركيب. هو نقد يعالج الأسباب لا المظاهر، ويبحث في الجذور لا الأوراق الذابلة.
النقد الموضوعي، كما تعلّمه العقول العلمية، يجب أن يكون منزّهًا عن الشخصنة والتجريح. لا قيمة لنقد ينطلق من معرفة شخصية بالكاتب، أو يحمل نوايا خفية تسعى للإساءة. على العكس، النقد الحقّ هو الذي يناقش فكرةً مجردة، دون أن يُخضعها لظلال العلاقات الشخصية أو الأهواء المسبقة.
في الفلسفة، يُعدّ النقد شرطًا أساسياً للفهم، ولكنه ليس غايةً في حد ذاته. لا يكفي أن نُعرّي الواقع، بل يجب أن نحلم بتجاوزه. والفيلسوف الحق هو من ينطلق من النقد ليشقّ طريق الأمل، لا من يعلّق في فلك السلبية، يستنكر ويمضي. إن مسؤولية الفكر اليوم هي أن يتجاوز "الرفض بلا بديل"، ويؤسس لثقافة إصلاحية تسعى للفهم، ثم للتغيير.
خلاصة تأملية:
النقد الذي لا يحمل مشروعًا هو كريحٍ تعبر الصحراء: تثير الرمال، لكنها لا تنبت شيئًا. أما النقد الذي ينبع من عقلٍ مفكّر، ويتجه نحو البناء، فهو فجرٌ يتسلل من بين ظلمات، ليبعث في الفكر حرارة الحياة من جديد.
#عاهد_جمعة_الخطيب (هاشتاغ)
Ahed_Jumah_Khatib#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟