عاهد جمعة الخطيب
باحث علمي في الطب والفلسفة وعلم الاجتماع
(Ahed Jumah Khatib)
الحوار المتمدن-العدد: 8411 - 2025 / 7 / 22 - 21:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
حرية التفكير كضرورة فلسفية لتجاوز الطائفية
إن حرية التفكير ليست مجرّد موقف ثقافي أو اختيار ذاتي، بل هي موقف أنطولوجي وأخلاقي، يرتبط بجوهر الإنسان ككائن عاقل حر، وبقدرته على الفهم، والتساؤل، والاختلاف. وفي هذا السياق، تكتسب حرية التفكير بُعدًا فلسفيًا عميقًا، يتجاوز السجالات اليومية والمواقف الأيديولوجية، لتصبح هي الأساس في بناء إنسان متحرر من القوالب الجامدة، ومن التصنيفات المسبقة التي تحوّله إلى مجرد تابع.
الطائفية بوصفها نفيًا للعقل الحر
الطائفية، في جوهرها، ليست مجرد اختلاف ديني أو مذهبي، بل هي تجلٍ لانغلاق العقل، وانصياع الإنسان لمرجعيات مغلقة لا تسمح له بالسؤال، ولا بخرق الأسوار المفروضة عليه باسم المقدس أو التقليد. إنها حالة من "الاستقالة المعرفية" كما عبّر عنها عبد الله العروي، أو "العقل المستقيل" كما وصفه جورج طرابيشي، حيث لا يُسمح للفرد أن يعيد النظر، أو أن يعيد ترتيب المفاهيم حسب تجربته الذاتية الحرة.
حين يصبح الانتماء الطائفي هوية نهائية مغلقة، يذوب فيها الإنسان وينكر بها الآخر، فإن الفكر يُحوَّل من وسيلة للارتقاء إلى أداة للخصام، ومن محرّك للنهضة إلى وقود للفتنة. وهنا، تفقد الثقافة معناها، ويُخنق الإبداع، وتُستبدل الفكرة بالحرف الجامد، والسؤال بالاتباع.
حرية التفكير: ليست ترفًا بل شرط وجود
من منظور فلسفي، لا يمكن الحديث عن التعدد، أو عن المجتمع المدني، أو عن الدولة الحديثة، دون أن يكون التفكير الحر حاضرًا في الوعي الجمعي. فحرية التفكير هي القاعدة التي تضمن احترام الاختلاف، وتدفع الحوار نحو إنتاج معرفة مشتركة، لا مجرد تبادل تهم.
الفيلسوف الألماني كانط حين تحدث عن "التنوير"، جعله مرادفًا لـ"خروج الإنسان من القصور الذي اقترفه في حق نفسه"، وهذا القصور لا يعني الجهل فقط، بل خضوع العقل لإرادة غيره. لذلك، فإن تجاوز الطائفية لا يتم بخطاب أخلاقي فقط، بل بإعادة بناء الإنسان من الداخل، ببناء قدرته على التفكير خارج الأسوار، وعلى مساءلة ما اعتُبر مسلّمًا به.
الخطاب الديني: من الحرف إلى الروح
من المفارقات أن كثيرًا من الخطابات التي تدّعي الدفاع عن الدين، تسقط في نقيض مقاصده. فالكتب السماوية، ولا سيما القرآن الكريم، جاءت بمنهجية حوارية عقلانية، تفتح المجال للسؤال والنقاش، وتُعلي من قيمة البرهان: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾، ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، ﴿قُلْ انْظُرُوا﴾. لكنها تُختزل اليوم، في بعض الخطابات، إلى نصوص ميتة خارج سياقها التاريخي، تُستخدم لإدامة الانقسام، لا لتكريس الوحدة والتنوع.
الخلاصة: نحو مجتمع يفكر
إذا أردنا أن نتحرر من الطائفية، فعلينا أن نزرع في كل فرد جرأة السؤال، وشجاعة إعادة النظر، والقدرة على الإصغاء إلى المختلف. المجتمع الذي يفكر هو المجتمع الذي لا يخاف من التنوع، بل يراه مصدرًا للثراء. والمثقف الحقيقي، كما قال إدوارد سعيد، هو من "يعيش في توتر دائم مع السلطة"، لا من يكرر مقولاتها.
فلتكن حرية التفكير ليست شعارًا، بل موقفًا وجوديًا يعيد للإنسان كرامته، وللأفكار قيمتها، وللحياة معناها.
#عاهد_جمعة_الخطيب (هاشتاغ)
Ahed_Jumah_Khatib#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟