عاهد جمعة الخطيب
باحث علمي في الطب والفلسفة وعلم الاجتماع
(Ahed Jumah Khatib)
الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 09:04
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
غشاء رقيق من المادة كافٍ لإعماء البصيرة: قراءة فلسفية في حدود الإدراك وفساد الوعي
الملخص
تتناول هذه الدراسة الفلسفية طبيعة العوائق الإدراكية التي، رغم هشاشتها الظاهرية، قادرة على تعطيل ملكة البصيرة الإنسانية، وحصر الرؤية في الذات بما تحمله من أنانية وفساد وانحراف. من خلال استدعاء مفاهيم من الفلسفة اليونانية، النقد الكانطي، وتحليلات الفكر المعاصر، يتم تحليل هذه الظاهرة في أبعادها المعرفية والأخلاقية والاجتماعية.
المقدمة
تشير العبارة "غشاء رقيق من المادة يكفي ليعمي البصيرة" إلى أن العوائق التي تحجب الحقيقة ليست دائماً جدراناً صلبة أو حجباً كثيفة، بل قد تكون عناصر دقيقة، غير محسوسة، لكنها فعّالة في تعطيل الوعي النقدي. البصيرة هنا تُفهم بوصفها الوعي العميق بالذات والعالم، وهي أعمق من مجرد البصر الحسي (كما ميز الفلاسفة بين nous و opsis في الفكر اليوناني).
أولاً: البنية المعرفية للغشاء الرقيق
في أسطورة الكهف لأفلاطون، يقف الجدار بين السجناء والحقيقة مانعاً للرؤية الكاملة، لكن الغشاء في العبارة موضوع النقاش أكثر خفاءً؛ فهو قد يكون فكرة مسبقة (prejudice) أو أيديولوجيا مهيمنة أو انغماساً في مصلحة شخصية.
وفقاً لإيمانويل كانط، البصيرة الأخلاقية تتطلب التحرر من الميول الذاتية والخضوع للقانون الأخلاقي الكوني. الغشاء الرقيق يمثل تلك الميول حين تتخفى في شكل مبررات عقلانية.
في فلسفة هوسرل وظاهراتية الإدراك، يمكن اعتبار الغشاء انحرافاً في القصدية، حيث يتحول وعي الذات عن العالم الموضوعي إلى دائرة مغلقة من الانعكاس الذاتي.
ثانياً: البعد الأخلاقي – الأنانية كمآل حتمي
حين يُعطّل الغشاء الرقيق البصيرة، يتحول الآخر من كائن له قيمة ذاتية إلى أداة أو وسيلة.
عند هيغل، فقدان البصيرة المتبادلة يؤدي إلى انهيار جدلية الاعتراف، ما يُنتج أشكالاً من الاغتراب (alienation).
هذه الحالة تعزز الفساد والانحراف الأخلاقي، حيث تُستبدل المبادئ بالقيم النفعية الضيقة، ويختل ميزان الاستقامة (rectitude) لصالح الاعوجاج (distortion).
ثالثاً: الانعكاس الاجتماعي – الغشاء كبنية ثقافية
في الفلسفة الاجتماعية المعاصرة، ولا سيما لدى جان بودريار، يمكن أن يُفهم الغشاء باعتباره نظاماً من الصور والإشارات التي تحجب الواقع وتستبدله بتمثيلات زائفة. المجتمع في هذه الحالة يصبح بيئة تنتج وتعيد إنتاج الانغلاق الذاتي عبر الإعلام، الاستهلاك، والأطر الثقافية السائدة.
بيير بورديو يتحدث عن العنف الرمزي الذي يمارسه المجتمع حين يفرض أنماط تفكير تجعل الأفراد يقبلون بالوضع القائم دون وعي بحجبه للواقع.
الخاتمة
إن خطورة "الغشاء الرقيق" تكمن في كونه غير مرئي ومندمجاً في النسيج اليومي للفرد والمجتمع، مما يجعله أكثر فاعلية في إعماء البصيرة من الحجب الواضحة. مقاومته تستلزم يقظة فلسفية، مراجعة ذاتية مستمرة، وانفتاحاً على الآخر بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الحقيقة المشتركة.
كما أن كشف هذا الغشاء يتطلب جهداً مزدوجاً: نقد البنية المعرفية التي تصوغه، ومواجهة البنية الاجتماعية التي تعيد إنتاجه
#عاهد_جمعة_الخطيب (هاشتاغ)
Ahed_Jumah_Khatib#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟