عاهد جمعة الخطيب
باحث علمي في الطب والفلسفة وعلم الاجتماع
(Ahed Jumah Khatib)
الحوار المتمدن-العدد: 8431 - 2025 / 8 / 11 - 08:20
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الإقناع ما وراء المنطق: مقاربة فلسفية في ضوء التجربة الكلبية
ملخص
تتناول هذه الدراسة البُعد الفلسفي لمفهوم الإقناع بوصفه عملية تتجاوز المنطق المجرد إلى تفاعلات مركبة بين العقل والعاطفة والتجربة الحسية. نستخدم مثالًا مجازيًا — محاولة إقناع كلب بأن طعم العسل يفوق طعم العظم — لبيان حدود الخطاب العقلاني حين يُوجَّه إلى كائنات تختلف بنيتها الإدراكية عن الإنسان.
المقدمة
الإقناع من أقدم المباحث التي شغلت الفكر الفلسفي منذ العصور الإغريقية، إذ بحث فيه أرسطو ضمن علم البلاغة، ورآه مزيجًا من اللوغوس (العقل)، والإثوس (المصداقية)، والباثوس (العاطفة). غير أن تطور الفلسفة أظهر أن الإقناع ليس نشاطًا معرفيًا خالصًا، بل هو كذلك نشاط اجتماعي-عاطفي متشابك، تحكمه الثقافة والخبرة الإنسانية. لكن، ماذا لو تجاوزنا الإطار البشري ووجهنا السؤال نحو كائن لا يشترك معنا في البنية العقلية؟
أولًا: الإقناع بين المنطق والوجدان
تقوم معظم عمليات الإقناع على عرض حجج منطقية مدعومة بالأدلة، غير أن الفلسفة الحديثة ترى أن قبول الحجة لا يعتمد على المنطق وحده، بل على عوامل نفسية واجتماعية، منها:
التجربة الشخصية وما تخلقه من تفضيلات.
المنظومة القيمية التي تحدد ما يُقبل أو يُرفض.
السياق الثقافي الذي يؤطر الفهم والتأويل.
الروابط العاطفية التي تخلق أرضية للثقة.
ثانيًا: المثال المجازي — الكلب والعسل
إذا حاولنا إقناع كلب بأن العسل ألذ من العظم، فنحن أمام إشكالية مزدوجة:
اختلاف المرجعية الحسية: الكلب يتذوق العالم عبر حاسة الشم أكثر من التذوق، بينما إدراكنا للطعم مختلف جذريًا.
اختلاف سلم القيم: ما نعده لذيذًا (العسل) قد لا يدخل ضمن إطار الأشياء المرغوبة لديه.
هنا تصبح الحجة المنطقية محدودة الأثر، إذ لا يمكننا افتراض أن أدوات الإقناع الإنسانية صالحة في هذا السياق.
ثالثًا: الإقناع كتفاعل إدراكي-عاطفي
الفلسفة هنا تدعونا إلى إعادة تعريف الإقناع بوصفه:
"فن الترجمة بين العوالم الإدراكية المختلفة".
فمع الكائن غير البشري، يجب أن يكون الإقناع أقرب إلى التواصل التجريبي، مثل تقديم محفزات حسية أو استخدام التعزيز الإيجابي. وهذا ينطبق أيضًا على البشر حين تختلف منظوماتهم المرجعية اختلافًا جذريًا عنّا — سواء ثقافيًا أو معرفيًا أو نفسيًا.
رابعًا: النتائج والدروس الفلسفية
قصور المنطق المجرد: الحجة العقلية وحدها عاجزة حين لا توجد أرضية مشتركة للفهم.
أهمية التجربة المشتركة: كثيرًا ما يكون "العيش المشترك" أقوى إقناعًا من أي خطاب نظري.
التعدد الإدراكي: الإقناع الفعّال يتطلب إدراك أن الآخر يعيش العالم بطريقة قد لا تتقاطع مع تجربتنا إلا قليلًا.
البعد الأخلاقي: الإقناع ليس فرضًا للرأي، بل حوار مع اختلاف الآخر، واحترام لخصوصيته.
الخاتمة
الإقناع في جوهره ليس مجرّد "فن عرض الحجج"، بل هو فن إقامة الجسور بين العقول والقلوب، حتى حين تكون هذه العقول والقلوب مختلفة في بنيتها أو طبيعتها. المثال الكلبي ليس إلا استعارة عن المسافة الإدراكية التي تفصل بين الأفراد أو الثقافات، وتذكير بأن الطريق الأقصر إلى التغيير يمر أحيانًا عبر التجربة المشتركة والعاطفة الصادقة، لا عبر الجدل العقلي وحده.
#عاهد_جمعة_الخطيب (هاشتاغ)
Ahed_Jumah_Khatib#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟