عاهد جمعة الخطيب
باحث علمي في الطب والفلسفة وعلم الاجتماع
(Ahed Jumah Khatib)
الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 16:13
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إقرار الشكر بشجاعة: نحو بناء علاقات، ترسيخ الثقة، وتأسيس مجتمع متعاون
ن الاعتراف بالشكر ليس مجرد فعل أخلاقي بسيط، بل هو عملية وجودية تعبّر عن مدى انفتاح الذات على الآخر. فالفيلسوف إيمانويل كانط مثلاً يرى أن الواجب الأخلاقي يكمن في احترام الآخر بوصفه غاية لا وسيلة، وهنا يصبح الاعتراف بالجميل شكلاً من أشكال الاحترام المطلق. بينما يرى الفلاسفة الوجوديون مثل سارتر أن الامتنان يتجاوز كونه ردّ فعل، ليصبح خياراً حرّاً يعكس وعي الإنسان بذاته وبالآخر في دائرة التفاعل الاجتماعي.
على المستوى الأكاديمي الاجتماعي، تشير الدراسات الحديثة في علم النفس الاجتماعي إلى أن الشكر يعزز الروابط الاجتماعية ويقلل من حدة الفردانية (Emmons & McCullough, 2003). فالإنسان بطبيعته كائن علائقي، لا يعيش مكتفياً بذاته، بل يتطور من خلال شبكة من العلاقات المتبادلة. والاعتراف بالجميل يضع هذه الشبكة في إطارها الإنساني الصحيح، بعيداً عن الأنانية والنرجسية التي قد تعمي البصيرة.
من منظور فلسفة الأخلاق، الشكر فعل يوازن بين الأنانية الطبيعية التي تحكم بقاء الإنسان، وبين الإيثار الأخلاقي الذي يوسع أفقه نحو الغير. فهو تذكير دائم بأن الإنسان لم يحقق نجاحه وحده، بل بفضل جهود آخرين كانوا سنداً، معلّماً، أو حتى مجرد محفّز غير مباشر. الاعتراف بذلك هو تحرر من وهم الاكتفاء الذاتي الذي يكرّسه النظام الرأسمالي والفكر الفرداني.
أما من ناحية البعد الاجتماعي-السياسي، فإن ثقافة الامتنان المتبادل تساهم في بناء مجتمع يقوم على الثقة المتبادلة والتعاون، حيث يشعر كل فرد أن مساهمته معترف بها، مما يخلق مناخاً إيجابياً يحفّز على مزيد من العطاء. وهنا يمكن القول إن الشكر ليس مجرد فعل شخصي، بل هو قيمة مدنية تسهم في استقرار المجتمع وتطوره.
إن الاعتراف بالجميل هو في جوهره حكمة وجودية: فهو يعلّمنا التواضع أمام مساهمة الآخر، ويفتح أمامنا أفقاً إنسانياً أرحب يجعلنا ندرك أننا لسنا سوى جزء من شبكة أوسع من العلاقات المتبادلة. إنه يعيدنا إلى إنسانيتنا، ويذكّرنا أن الحياة ليست ساحة صراع محض، بل فضاء للتشارك والبذل المتبادل.
#عاهد_جمعة_الخطيب (هاشتاغ)
Ahed_Jumah_Khatib#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟