أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عاهد جمعة الخطيب - الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديدة (60)














المزيد.....

الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديدة (60)


عاهد جمعة الخطيب
باحث علمي في الطب والفلسفة وعلم الاجتماع

(Ahed Jumah Khatib)


الحوار المتمدن-العدد: 8438 - 2025 / 8 / 18 - 20:11
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ربما نكون بحاجة إلى أن نهندس الخطاب التعبيري بطريقة تثري الفضاء التفكيري عند المتلقي وتزيد من جمالية النص."

1. الهندسة التعبيرية كفن فلسفي

الهندسة عادةً ما ترتبط بالبناء المادي، ولكن حين ننقلها إلى عالم اللغة، فإننا نتحدث عن بناء معماري للخطاب، حيث تصبح الكلمات أشبه بمواد خام تُرصّ بعناية لتشييد فضاء فكري قادر على استضافة القارئ أو السامع. هذا يعني أن النص لم يعد مجرد حاملٍ لمعلومة، بل فضاءٌ جمالي ومعرفي، يُمكّن المتلقي من أن يسكن فيه لحظة قراءته، فيتأمل ويتساءل ويعيد ترتيب أفكاره.
إذن، النص المدهش ليس الذي يُجيب فقط، بل الذي يُثير القلق الفكري، الذي يهندس المسافة بين الدهشة والفهم، وبين السؤال والإجابة.

2. الهندسة كفعل أخلاقي تجاه المتلقي

الفيلسوف هنا يسأل: لماذا نُهندس الخطاب أساساً؟
الجواب أن المخاطَب ليس آلة تتلقى إشارات، بل إنسانٌ له أفق فكري وروحي. حين نلقي خطاباً عشوائياً، نكون قد أهملنا احترامنا لعقل الآخر. أما حين نُعيد صياغة خطابنا بحيث يفتح له نوافذ على معانٍ أعمق، نكون قد مارسنا فعلاً أخلاقياً يليق بالكرامة الإنسانية. فالهندسة التعبيرية، بهذا المعنى، ليست مجرد لعبة لغوية، بل موقف فلسفي يُصرّ على أن النص يجب أن يحمل قيمة وجودية للمتلقي، لا أن يكون مجرّد زخرفة.

3. إثراء الفضاء التفكيري: اللغة كدعوة إلى الحرية

الخطاب الذي يكتفي بإخبار المتلقي بما يجب أن يفكر فيه، هو خطاب سلطوي، يُشبه القالب الجاهز الذي يفرض شكله على المادة.
لكن الخطاب المهندس فلسفياً يترك فراغات، مساحات من الغموض، إشارات مفتوحة، حتى يتمكن المتلقي من أن يُكمّل المعنى بذاته. هذه الفراغات ليست نقصاً، بل هي جوهر العمل الفني والفلسفي؛ لأنها تستدعي حرية المتلقي، وتحوّل النص إلى عملية حوارية حقيقية. وهنا، تلتقي الجمالية بالحرية: فالنص الجميل ليس هو النص الكامل المغلق، بل النص الذي يُغري القارئ بالمشاركة في صناعته.

4. جمالية النص بين الشكل والمضمون

الجمال في النص ليس زخرفة سطحية، بل هو تناغم داخلي بين الشكل والمضمون، بين الفكرة وتجسيدها اللغوي. الفيلسوف الألماني هايدغر كان يرى أن اللغة هي "بيت الوجود"، أي أن الكلمات ليست أوعية محايدة، بل هي تُحدد طبيعة ما يُقال. وبالتالي، فإن هندسة النص تعني أن نُعيد النظر في كل تفصيلة لغوية، لا من أجل تحسين الشكل فقط، بل لأن الشكل ذاته يخلق المضمون ويُعيد تشكيله.
بمعنى آخر: النص الجميل هو الذي يجعل الفكرة ممكنة الوجود، لأنه صاغها بطريقة تليق بها وتفتحها على أفقها الأوسع.

5. النص ككيان حيّ

عندما نهندس خطابنا، نحن لا نكتب نصاً جامداً، بل نمنحه حياة. النص المُهندس لا يشيخ سريعاً، لأنه يحتوي على مستويات متعددة من المعنى، كلما عاد القارئ إليه اكتشف فيه طبقة جديدة. هذه الحيوية هي ما يُحوّل النص من مجرد أداة للتواصل إلى حدث وجودي، يُحدث هزة في القارئ، أو يترك أثراً عميقاً في ذاكرته.

6. خاتمة فلسفية

إذن، العبارة التي ننطلق منها تكشف عن حاجة وجودية وفلسفية: أن نهندس خطابنا التعبيري بحيث لا يكون مجرد تمرير معلومات، بل بناءً فنياً وفكرياً يُثري المتلقي ويمنحه فسحة من الجمال والحرية.
النص في هذه الحالة يُشبه جسراً بين العقول، ولكنه ليس جسراً صلباً فحسب، بل أيضاً جسرٌ من الضوء، يُتيح لمن يعبره أن يرى المشهد بطريقة مختلفة.
فالهندسة التعبيرية، بهذا المعنى، هي محاولة لإنقاذ اللغة من ابتذالها اليومي، وإعادتها إلى مقامها الأسمى: أن تكون أداة لإثارة الفكر، وتوسيع أفق الوعي، وإضفاء مسحة جمالية على الوجود ذاته.



#عاهد_جمعة_الخطيب (هاشتاغ)       Ahed_Jumah_Khatib#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...
- الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديد ...


المزيد.....




- عثروا عليه بـ-درون-.. إنقاذ رجل علق خلف شلال كبير ليومين
- ترامب لا يستبعد إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا.. ويؤكد تواص ...
- باكستان: مقتل 20 شخصا بسبب الأمطار الغزيرة الجديدة والحصيلة ...
- البرهان يُعيد تشكيل هيئة أركان الجيش لأول مرة منذ اندلاع الح ...
- إلغاء تأشيرات وتبادل اتهامات: أزمة دبلوماسية تتصاعد بين إسرا ...
- الأمس لا يشبه اليوم.. زيلينسكي يتعلم من الماضي ويعود إلى واش ...
- تحركات شعبية في نيجيريا لدعم الرئيس تينوبو قبيل انتخابات 202 ...
- أفريكا أنتليجنس: رجل أعمال جنوب أفريقي وراء التصعيد مع إدارة ...
- ترامب يستبق لقاء زيلينسكي بدعوته للتخلي عن استعادة القرم وال ...
- دراسة تكشف وجود علاقة بين إيقاعات المعدة والصحة النفسية


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عاهد جمعة الخطيب - الفلسفة الشاملة للحياة اليومية (TDLP): المفهوم والأسس الجديدة (60)