أوزجان يشار
كاتب وباحث وروائي
(Ozjan Yeshar)
الحوار المتمدن-العدد: 8508 - 2025 / 10 / 27 - 20:56
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
إلى كل من شعر يومًا أنه تاه عن ذاته، ثم وجد طريقه عائدًا إليها عبر حلمٍ بسيط تحول إلى فكرة، فكانت هي بمثابة طوق النجاة حين آمن بها بصدق وقوة.
⸻
اولا أيها الأفاضل سأبدأ بتعريف مقتضب عن الكاتب، الناشر، تاريخ النشر، وعدد النسخ المباعة
ولكن بداية عن الكاتب:
ديفيد جوزيف شوارتز جونيور (23 مارس 1927 – 6 ديسمبر 1987) كان كاتبًا أمريكيًا تحفيزيًا ومدربًا متخصصًا في التنمية البشرية والقيادة. ولد في مقاطعة ريفية في إنديانا، وبدأ تعليمه في مدرسة صغيرة من غرفة واحدة، ثم حصل على درجة البكالوريوس في جامعة نبراسكا عام 1948، وماجستير ودكتوراه في جامعة أوهايو ستيت عام 1953. عمل أستاذًا للتسويق في جامعة جورجيا ستيت بأتلانتا، حيث شغل منصب رئيس القسم ورئيس كرسي التمويل الاستهلاكي. كما أسس شركة استشارية خاصة بها تُدعى “Creative Educational Services”، متخصصة في تطوير المهارات القيادية. اشتهر شوارتز بكتاباته التحفيزية، وقد ألقى محاضرات أمام آلاف الجمعيات التجارية والمبيعات، مما جعله واحدًا من أبرز الخبراء الأمريكيين في مجال الدافعية النفسية. أبرز إنجازاته هو كتاب The Magic of Thinking Big، الذي يُعدّ عمله الأكثر شهرة وتأثيرًا.
عن الناشر: سيمون آند شوستر (Simon & Schuster)
سيمون آند شوستر هي إحدى أكبر دور النشر في العالم، تأسست عام 1924 في الولايات المتحدة على يد ماكسول سيمون وم. لينكولن شوستر. تُعدّ جزءًا من مجموعة باراماونت غلوبال حاليًا، وتنشر آلاف الكتب سنويًا في مجالات الروايات، غير الخيالية، الكتب التحفيزية، والأدبيات الأكاديمية. اشتهرت بنشر أعمال تحفيزية وبيزنسية كلاسيكية، مثل كتب نابليون هيل وستيفن كوفي، وتُعرف بجودة إنتاجها العالية وتركيزها على الكتب التي تُغيّر حياة القراء. بالنسبة لكتاب شوارتز، كانت سيمون آند شوستر الناشر الأصلي، ولا تزال تُدير إعادة الطبع والإصدارات الرقمية والصوتية له حتى اليوم.
تاريخ النشر
صدر الكتاب لأول مرة عام 1959، كإصدار كامل يتكون من حوالي 416 صفحة، وكان جزءًا من موجة الكتب التحفيزية في منتصف القرن العشرين. أُعيد نشر نسخة مختصرة عام 1987، بعد وفاة شوارتز بقليل، وشهد الكتاب إصدارات صوتية وإلكترونية في العقود اللاحقة، مثل الإصدار الصوتي غير المختصر عام 2015. رغم عمره، يُعاد طبعه بانتظام لأنه يُعتبر كلاسيكيًا في مجال التنمية الذاتية، وقد وصفته مجلة فوربس بأنه “واحد من أعظم كتب التنمية الذاتية على الإطلاق”.
عدد النسخ المباعة
باع الكتاب أكثر من 6 ملايين نسخة حول العالم حتى الآن، مما يجعله واحدًا من أكثر الكتب التحفيزية مبيعًا في التاريخ. بحلول نهاية عام 1982، كان قد بيع منه 1,494,000 نسخة كإصدار ورقي فقط من سيمون آند شوستر، واستمر في الانتشار عبر الإصدارات الدولية والرقمية، مؤثرًا في ملايين القراء من خلال ترجماته إلى عشرات اللغات، بما في ذلك العربية.
⸻
مدخل: الكتب كمرآة للذات
هناك كتب لا تُقرأ كمجرد نصوص، بل تُعاش كتجربة داخلية تعيدنا إلى ذواتنا. إنها لا تُلقن دروسًا نظرية، بل تُشبه مرآة تعكس ملامح أرواحنا التي أضعناها في زحام الحياة. كتاب The Magic of Thinking Big لديفيد شوارتز ليس مجرد كتاب تنمية بشرية، بل هو دعوة عميقة لاستعادة الإيمان بقدراتنا الكامنة. عندما أمسكت بهذا الكتاب لأول مرة، لم أشعر أنني أقرأ نصًا، بل كنت أتحاور مع صديق قديم يعرفني جيدًا، يذكرني بتلك الأحلام التي كنت أحلمها يومًا دون خوف، قبل أن تُقنعني الأصوات المحيطة بأن “الواقعية” هي الفضيلة العليا التي يجب اتباعها.
هذا الكتاب ليس صيحة تحفيزية عابرة، بل هو همسة هادئة تدعوك لتتذكر من أنت، وما الذي كنت قادرًا عليه قبل أن تُثقلك الأيام بأعباء الشك والتردد. إنه يتحدث إلى تلك الشرارة الداخلية التي ما زالت تنتظر لحظة الانطلاق، لحظة تقرر فيها أن تكون أكبر من حدودك التي صنعتها بنفسك.
⸻
الفكرة الجوهرية: حجم تفكيرك يرسم حدود حياتك
في صلب الكتاب، يقدم شوارتز فكرة بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة في جوهرها: الفرق بين الناجحين وغيرهم لا يكمن في الذكاء أو الحظ، بل في حجم الفكرة التي يحملها الإنسان عن نفسه. من يفكر صغيرًا، يصنع لنفسه عالمًا ضيقًا يحاصره الخوف والتردد، بينما من يفكر كبيرًا يوسّع أفقه حتى يصبح الواقع تابعًا لرؤيته، لا سيّدًا عليه.
لقد أدركتُ هذه الحقيقة من خلال تجربتي الشخصية. لسنوات طويلة، كنت أختبئ خلف أعذار أنيقة أغلفها بورق السولفان وأسميها “المنطق”، لكنها في الحقيقة كانت خوفًا متنكرًا في ثياب الحكمة. كنت أقنع نفسي أن الابتعاد عن المخاطرة هو الحل الأسلم، لكنني كنت في الواقع أهرب من إمكانياتي. هذا الكتاب لم يقدم لي حلولًا جاهزة، بل وضعني أمام الحقيقة العارية: أن حدودي ليست سوى انعكاس لأفكاري عن نفسي. عندما بدأت أغيّر هذه الأفكار، بدأت أرى العالم بعيون جديدة، عيون ترى الإمكانيات بدلاً من العوائق.
⸻
الإيمان بالنفس: ممارسة يومية، لا شعار عابر
يؤكد شوارتز أن الإيمان بالنفس ليس مجرد كلمات تُردد في لحظات الحماس، بل هو ممارسة عقلية يومية تتطلب الانضباط والإصرار. الإيمان الحقيقي لا ينتظر الظروف المثالية، ولا يطلب إذنًا من الآخرين ليبدأ. إنه الشجاعة لاتخاذ الخطوة الأولى حتى وإن كان الطريق غامضًا.
كم من الأحلام أجهضناها لأننا خشينا نظرة استهزاء أو تعليقًا ساخرًا؟ كم من الفرص مرّت بنا لأننا لم نثق بقدراتنا؟ يذكّرنا شوارتز أن الشك هو العدو الأكبر للعقل، وأن الإيمان هو الوقود الذي يدفعنا لتجاوز أنفسنا. لقد مررت بلحظات كثيرة شعرت فيها أنني لا أملك ما يكفي من القوة للمضي قدمًا، لكنني اكتشفت أن الإيمان بالنفس لا يعني غياب الشك، بل القدرة على المضي رغم وجوده. كل خطوة تُتخذ رغم الخوف هي انتصار صغير، لكنه يتراكم ليصنع تغييرًا كبيرًا.
⸻
الخوف: السجن الذي نصنعه بأيدينا
يصف شوارتز الخوف بأنه ليس مجرد شعور عابر، بل نظام فكري كامل يشلّ قدراتنا إذا سمحنا له بالسيطرة. الخائف لا يرى العالم كما هو، بل كما يخشى أن يكون. إنه يقيس الإمكانيات بمقدار مخاوفه، فيضيّق على نفسه مساحات الحياة التي كان يمكن أن يعيشها.
لقد كنت أعيش لسنوات داخل سجن مريح بنيته بنفسي. كنت أبرر تراجعي باسم “الحذر”، وأقنع نفسي أن الابتعاد عن المخاطرة هو الحكمة بعينها. لكن الحقيقة كانت أنني أخاف من الفشل، من نظرات الآخرين، من احتمال أن أكون غير كافٍ. علّمني هذا الكتاب أن الشجاعة ليست غياب الخوف، بل القدرة على السير معه دون أن يتحكم بقراراتي. كل فعل صغير يتحدى الخوف هو لبنة تضاف إلى جدار الثقة، وكل خطوة تُتخذ رغم الارتباك هي شهادة على أننا أقوى مما نظن.
⸻
الطموح: أن تعيش على مقاس قلبك
يرى شوارتز أن الطموح ليس ترفًا أو غرورًا، بل هو حاجة إنسانية أساسية. إنه الاعتراف بأن داخل كل منا إمكانيات لم تُكتشف بعد. الطموح لا يعني أن تتفوق على الآخرين، بل أن تتجاوز النسخة القديمة من نفسك، تلك التي حاصرتها الأعذار والمخاوف.
لقد أدركت من خلال هذا الكتاب أن الطموح هو أن أعيش على مقاس قلبي، لا على مقاس توقعات الآخرين. كم من المرات أجّلت حلمًا لأنني قلت “ليس الآن”؟ وكم مرة أقنعت نفسي أنني غير جاهز، بينما كنت في الحقيقة أخشى المحاولة؟ يذكّرنا شوارتز أن اللحظة المثالية لن تأتي، وأن الجاهزية الكاملة هي وهم نلجأ إليه للهروب من التجربة. الطموح هو تلك النغمة الداخلية التي تقول بهدوء: “أنت قادر على أن تكون أكثر مما كنت.”
⸻
بين الحلم والفعل: جسر التفكير الكبير
يؤكد شوارتز أن التفكير الكبير دون فعل يبقى مجرد تأمل خامل. الحلم وحده لا يكفي، بل يحتاج إلى الحركة ليصبح واقعًا. يقول: “افعل ما تخاف منه، وسترى أن الخوف يتقلّص.” هذه العبارة صدى لتجربتي الشخصية. لسنوات، كنت أنتظر “الوقت المناسب” لأبدأ مشروعًا جديدًا أو أغامر بفكرة جديدة، لكنني اكتشفت أن الوقت المناسب لا يأتي إلا عندما نبدأ.
عندما بدأت أكتب يوميًا، ولو فقرة صغيرة، شعرت أنني أستعيد جزءًا من نفسي كنت قد أهملته. الحركة، حتى لو كانت بسيطة، تولّد الثقة، والثقة بدورها تدفع إلى المزيد من الحركة. إنها دائرة إيجابية من الإصرار والتجدد. كل خطوة صغيرة هي انتصار، ليس لأنك وصلت إلى الهدف، بل لأنك اخترت أن تتحرك بدلاً من أن تبقى ساكنًا.
⸻
البيئة المحيطة: مرآة أحلامك أو مقبرتها
يشدد شوارتز على أهمية البيئة التي نختارها لأنفسنا. الأشخاص من حولنا، الأحاديث التي نخوضها، العادات التي نمارسها، وحتى الكلمات التي نستخدمها لوصف أنفسنا، كلها تشكل إما مرآة تعكس أحلامنا أو مقبرة تدفنها. من يعيش بين أشخاص يقللون من شأن أحلامهم، يتعلم ببطء كيف يقلل من شأن نفسه.
لقد راجعت حياتي بعد هذه الفكرة، وأدركت كم من الأصوات الخارجية كانت تؤثر على رؤيتي لنفسي. البيئة ليست فقط الأشخاص، بل هي أيضًا اللغة التي نتحدث بها إلى أنفسنا. عندما نكرر عبارات مثل “لا أستطيع” أو “لست مؤهلاً”، فإننا نصنع قيودًا لا تُرى تلتف حول إمكانياتنا. لكن عندما نغيّر لغتنا إلى لغة الإمكان، نزرع بذورًا جديدة للنجاح. اختيار البيئة المناسبة هو اختيار تربة خصبة لأحلامنا.
⸻
السعادة والمعنى: التفكير الكبير كفنّ للسلام الداخلي
قد يظن البعض أن هذا الكتاب يركز على النجاح المادي، لكنه في الحقيقة دعوة لعيش حياة ذات معنى. أن تفكر كبيرًا لا يعني أن تسعى وراء المال أو السلطة، بل أن تعيش بقلب مفتوح، وأن ترى في كل تجربة درسًا، وفي كل خسارة فرصة للنمو. التفكير الكبير هو أن تحب بعمق، وأن تسامح، وأن تؤمن أن الحياة لا تزال قادرة على منحك المزيد.
لقد أدركت أن التسامح هو أحد أعمق تجليات التفكير الكبير. من يسامح لا يفعل ذلك ضعفًا، بل اتساعًا. إنه يختار أن يتجاوز جرحه، وأن يرى في الألم فرصة للنضج. التفكير الكبير يبدأ من الداخل، من تلك اللحظة التي تقرر فيها أن تكون أكبر من مخاوفك وأحقادك، وأن تعيش حياة تحمل معنى يتجاوز اللحظة الراهنة.
⸻
لغة الكتاب وبناؤه
يتميز أسلوب شوارتز بالبساطة والعمق في آن واحد. إنه يتحدث بلغة عملية، مدعومة بقصص واقعية من حيوات أشخاص عاديين ومتميزين على حد سواء. هذه القصص تجعل القارئ يشعر أن النجاح ليس امتيازًا للقلة، بل اختيارًا متاحًا للجميع. ورغم أن الكتاب كُتب في الخمسينيات، إلا أن أفكاره لا تزال حية، لأنها تتحدث إلى الجوهر الإنساني الذي لا يتقادم.
ومع ذلك، يحتاج القارئ الناقد إلى التوازن بين الحماسة التي يزرعها الكتاب والواقعية التي تتطلبها الحياة. فالتفكير الكبير لا يعني تجاهل العقبات، بل التعامل معها من موقع الفاعل لا الضحية. بين الحلم والواقع تمتد مساحة تُسمى “العمل”، وهناك تُختبر الأفكار الكبيرة حقًا.
⸻
أثر الكتاب في تجربتي الشخصية
لم يغيّر هذا الكتاب حياتي بمعجزة، لكنه أعاد ترتيب أولوياتي الداخلية. لم يمنحني خطة جديدة، بل أيقظ فيّ وعيًا جديدًا بقدراتي. ذكّرني أن النجاح ليس وجهة نهائية، بل رحلة تبدأ من الإيمان بفكرة صغيرة ترفض أن تُقزّم. لقد استعاد الكتاب تلك الشرارة التي كانت تخبو تحت رماد الأيام، وعلمني أن الطريق لا يحتاج إلى معجزات، بل إلى خطوات صغيرة مؤمنة.
⸻
في خاتمة قراءة هذا الكتاب وحين أغلقت آخر صفحاته، أدركت أن السحر الحقيقي الذي يتحدث عنه شوارتز ليس في كلماته، بل في الإنسان نفسه. السحر هو تلك اللحظة التي تؤمن فيها أن التغيير ممكن، وأنك لست أسير ماضيك، بل صانع مستقبلك. أن تفكر كبيرًا يعني أن ترى نفسك كما أرادك الله: قادرًا، فاعلاً، ومؤمنًا بأن الحياة تحمل لك إمكانيات لا نهائية.
هذا الكتاب لن يغيّر العالم، لكنه قادر على تغيير إنسان واحد في كل مرة. بالنسبة لي، كان بمثابة دعوة للعودة إلى ذاتي، لسماع صوتي الداخلي من جديد. وحين تكبر فكرتك عن نفسك، تتسع حياتك دون أن تضيف إليها شيئًا.
#أوزجان_يشار (هاشتاغ)
Ozjan_Yeshar#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟