أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أوزجان يشار - وسام الحمار














المزيد.....

وسام الحمار


أوزجان يشار
كاتب وباحث وروائي

(Ozjan Yeshar)


الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 15:00
المحور: كتابات ساخرة
    


يُعدّ عزيز نيسين (1915–1995) أحد أبرز الكتّاب الساخرين في الأدب التركي الحديث، وقد قمت بترجمة البعض مما ترك من إرث إنساني جميل وهو الذي عُرف بأسلوبه اللاذع الذي يمزج بين الدعابة الشعبية والوعي السياسي، فحوّل المأساة اليومية إلى مسرحٍ ساخر يكشف وجوه الاستبداد والفساد والعبث البشري.
لم يكن نيسين يسخر من الناس، بل من الأنظمة التي تُفرخ «حميرًا» بطبائعها، ومن سلطاتٍ تُكافئ الطاعة وتُهين العقل. في قصته «وسام الحمار» يصوغ مجازًا بسيطًا في مظهره، عميقًا في معناه، عن عالمٍ يوزّع فيه السلطان الأوسمة لا على من يخدم، بل على من يُطيع، ليصبح الحمار – في النهاية – صاحبَ الوسام الأرفع، رمزًا للجهل الذي تتغذّى به السلطة وتستمر بفضله.



في يومٍ من الأيام، تقدّمت بقرة إلى قصر السلطان وقالت لحراس الباب بثباتٍ لا يليق إلا بالمظلومين الصادقين:
– أبلغوا مولاي السلطان أن بقرة من رعيته تطلب لقاءه.

حاولوا ردعها، لكنها ثبتت في مكانها وخارت بصوتٍ عالٍ، تهزّ به جدران القصر:
– لن أبرح هذا الموضع حتى أقابل السلطان!

أبلغ رئيس الحرس السلطان بالأمر، فقال متعجبًا:
– فلتدخل هذه البقرة العجيبة، ولنسمع ما عندها.

دخلت البقرة، فانحنت احترامًا، فقال لها السلطان مازحًا:
– خوري يا بقرة، فلنسمع ما تقولين!

قالت في هدوءٍ جليل:
– مولاي، سمعت أنك تمنح الأوسمة لمن يخدم الوطن، فجئت أطلب وسامًا.

قال السلطان بدهشة:
– وأيّ حقٍّ لك في وسام؟ ماذا قدمتِ لسلطنتي حتى تستحقي شرفًا كهذا؟

ردّت البقرة بثقةٍ ووقار:
– إن لم أستحق أنا الوسام، فمن يستحقه إذن؟ تأكلون لحمي، وتشربون حليبي، وتلبسون جلدي، وحتى روثي لا تهملونه وتستخدمونه للتدفئة. فماذا عليّ أن أفعل أكثر من ذلك لأستحق وسامًا من التنك؟

أطرق السلطان مفكرًا، ثم قال:
– صدقتِ يا بقرة، أعطوها وسامًا من الدرجة الثانية.

علّقت البقرة الوسام في رقبتها، وخرجت من القصر ترقص فرحًا، وقد لمع النحاس على صدرها كأنه شمسٌ صغيرة. وفي طريقها، التقت بالبغل.

قال البغل:
– مرحبًا أيتها الأخت النبيلة، ما كل هذا الفرح؟

روت له البقرة قصتها من أولها إلى آخرها، فانتفخت أوداج البغل غيرةً وقال:
– ما دمتُ أنا الذي أحمل بنادق السلطان ومدافعه في الحرب، وأُركب الأطفال في السلم، فوسامي يجب أن يكون أعظم!

وانطلق بنعاله الأربعة نحو القصر. حاول الحراس منعه، لكنه ثبت في عناده المعروف، ورفع قائمتيه الخلفيتين في وجههم وهو يصيح:
– لن أتحرك قبل أن أرى السلطان!

نُقل الخبر إلى السلطان، فقال وهو يبتسم في ضجر:
– أدخلوه، فهو أيضًا من رعيتي.

دخل البغل مطأطئ الرأس، وقبّل يد السلطان وثوبه، ثم قال بخشوعٍ مصطنع:
– مولاي، أطلب وسامًا.

قال السلطان:
– وماذا قدمتَ أنتَ لسلطنتي؟

قال البغل مفتخرًا:
– يا مولاي، أنا من يحمل مدافعكم وبنادقكم في الحروب، وأنا من يركب أطفالكم على ظهره في أيام السلم. لولاي ما تحركت جيوشكم، ولا خرجتم في زحفٍ أو احتفال.

ابتسم السلطان وقال:
– صدقتَ أيها البغل، أعطوه وسامًا من الدرجة الأولى.

خرج البغل مزهوًّا بخطواته الثقيلة، يجرجر أذيال الكبرياء، فالتقى بالحمار.

قال الحمار ضاحكًا:
– مرحبًا يا ابن الأخ! ما هذه المهابة في مشيتك؟

روى له البغل الحكاية كاملة، فهزّ الحمار أذنيه وقال بحماسة:
– إذا كان البغل نال وسامًا، فالأجدر أن أناله أنا أيضًا!

وانطلق مسرعًا إلى القصر. حاول الحراس منعه، لكنه صهل بصوته المزعج وأصرّ بعنادٍ حِماريٍّ نبيل.
فقالوا للسلطان:
– مولاي، الحمار يطلب المثول بين يديكم.

قال السلطان متضجرًا:
– أدخلوه، ولنسمع ما سيقوله هذا الحمار.

دخل الحمار، وانحنى باحترامٍ مبالغٍ فيه، وقال:
– مولاي السلطان، جئت أطلب وسامًا.

قال السلطان ساخرًا:
– البقرة تنفع السلطنة بلحمها وحليبها وجلدها وروثها. والبغل ينفعها بحمله للأثقال في الحرب والسلم. فماذا قدمتَ أنت بحمارتك حتى تطلب وسامًا؟

ابتسم الحمار وقال في هدوءٍ حكيم:
– رحماك يا مولاي! إن أعظم الخدمات هي التي يقدمها الحمير لمولانا نفسه. لولا الحمير من مستشاريك، أكنتَ تجلس على العرش؟ ولولا الحمير من رعيتك، أكنتَ تبقى في الحكم؟

ساد الصمت لحظة، ثم ضحك السلطان ضحكةً طويلةً تشبه النباح، وقال وهو يومئ للحراس:
– صدق الحمار، وما نطق إلا حقًا.
افتحوا له خزائن الإسطبل، ليغرف منها كما يغرف سائر الحمير…
فذلك – في سلطنة السلطان – أعظم وسام.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)       Ozjan_Yeshar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرد أولى بلحم غزاله
- كاميل كلوديل… حين نَحَتَتِ العزلةُ وجهَ العشق
- في حضرة عبث الحنين .. حكاية الحاجّ نبيل وأشباح سبورتنج
- القراءة بين سيف أرطغرل الصارم ومقص زكي الحلاق الفاهم
- ومضات من حياة لازلو كرازناهوركاي: رسول الخراب الجميل
- حقيبة الملابس .. من مذكّرات الكاتب التركي عزيز نيسين
- الصراع على نوبل للسلام 2025: ترامب مقابل ثونبرغ.. من يستحق ل ...
- إنهم يصطادون طرابيش الصغار .. عندما طار طربوشي من فوق رأسي
- الأرض الأم: ومضات من حياة الفنانة وو شانغ وتحليل رمزية الخلق ...
- صناعة الوعي المغيّب… من نقد المعرفة إلى فلسفة الكلمة عند هاب ...
- حين يُدار العمل بعُقدة النقص: كيف تُنتج الإدارات غير المؤهلة ...
- الأمراض في البحرين والطب الشعبي: رحلة الشفاء عبر العصور من د ...
- ومضات من حياة زهرة اليابان: الشاعرة أكيكو يوسانو
- ومضاتٌ من حياة “جحا التركي” عزيز نيسين: أيقونة الأدب التركي ...
- الذئب الذي صار إنسانًا… والإنسان الذي صار ذئبًا
- أدوات وآليات التأثير بين الفن والسلطة: كيف نصنع أثرًا يبني و ...
- الكلام مهارة والإصغاء فن: بين الفهم والرد
- الفيل القابع في الحفرة بين الأزرق والأحمر
- التهذيب مرآة الحضارة عبر ثقافات الأمم.
- ومضات من فن الرسام البحريني علي الموسوي


المزيد.....




- -أنجز حرٌّ ما وعد-.. العهد في وجدان العربي القديم بين ميثاق ...
- إلغاء مهرجان الأفلام اليهودية في السويد بعد رفض دور العرض اس ...
- بعد فوزه بجائزتين مرموقتين.. فيلم -صوت هند رجب- مرشح للفوز ب ...
- حكمة الصين في وجه الصلف الأميركي.. ما الذي ينتظر آرثر سي شاع ...
- الأنثى البريئة
- هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخاً بديلاً عن الإنسان؟
- حلم مؤجل
- المثقف بين الصراع والعزلة.. قراءة نفسية اجتماعية في -متنزه ا ...
- أفلام قد ترفع معدل الذكاء.. كيف تدربك السينما على التفكير بع ...
- باسم خندقجي: كيف نكتب نصا أدبيا كونيا ضد الإستعمار الإسرائيل ...


المزيد.....

- رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج / د. خالد زغريت
- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أوزجان يشار - وسام الحمار