أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - أوزجان يشار - حين يُدار العمل بعُقدة النقص: كيف تُنتج الإدارات غير المؤهلة بيئةً طاردة للكفاءات















المزيد.....

حين يُدار العمل بعُقدة النقص: كيف تُنتج الإدارات غير المؤهلة بيئةً طاردة للكفاءات


أوزجان يشار
كاتب وباحث وروائي

(Ozjan Yeshar)


الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 23:30
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


في كل مؤسسةٍ يعمّها التراجع، سواء في القطاع الخاص أو العام "الحكومي"، ستجد قائدًا يهرب من الكفاءة كما يهرب الجاهل من الحقيقة. إنه ذلك المسؤول الذي يرى في كل عقلٍ منير خطرًا على سلطته، وفي كل رأيٍ صادق تهديدًا لهيبته. يعيش في وهم التفوق، ويحيط نفسه بمن هم أقل كفاءةً منه ليبدو في أعينهم عبقريًا. ولضمان بقائه في دائرة الأمان، لا يتردّد في تعيين أصحاب الكفاءة المحدودة أو حتى غير المناسبين للوظيفة، لأن وجودهم حوله يجنّبه المقارنة والتحدّي والمساءلة.

في القطاع الخاص، مثلًا، يفضّل بعض المديرين تعيين الأقارب أو المعارف في مواقع حساسة دون تأهيلٍ حقيقي، مما يؤدي إلى تراجع الإنتاجية وفقدان العملاء. المثال الأبرز هو شركة بلوكباستر، التي كانت رائدة في تأجير الأفلام، لكن قيادتها غير المؤهلة رفضت التكيّف مع التغير الرقمي ورفضت شراء نتفليكس في بداياتها، لتُعلن إفلاسها عام 2010، وفقًا لتقارير فوربس ونيويورك تايمز.
وفي المقابل، حين يصبح الولاء معيار الترقية في القطاع العام، تضعف الكفاءة المؤسسية، فتتعثر المشاريع وتُهدر الموارد العامة، كما رصدت تقارير عديدة عن إداراتٍ حكوميةٍ خضعت لمجاملاتٍ وظيفية أضعفت أداءها.

القائد غير المؤهل لا يحتمل من يفهم أكثر منه، ولا من يقترح حلولًا أفضل. فبدل أن يُكافئ من يبدع، يضيق به، ويرى في كل تحسّنٍ خطرًا يهدد موقعه. لذلك يُقاوم التطوير كما تُقاوم الجمادات التغيير.
هذه الحساسية المفرطة تجاه التحسينات تجعل بيئة العمل مختنقة. ففي الشركات الخاصة، قد يتجاهل المدير اقتراحاتٍ لتطوير العمليات التشغيلية خوفًا من بروز نجم موظفٍ آخر، كما حدث في شركة ثيرانوس، حيث تجاهلت إليزابيث هولمز التحذيرات العلمية، لتنهار الشركة في فضيحةٍ مدوّية عام 2018، بحسب كتاب باد بلود للصحفي جون كاريريو.
أما في القطاعات الحكومية، فتتحول هذه الحساسية إلى مقاومةٍ للتحديثات التقنية، مما يعطّل المشاريع الإصلاحية ويعرقل الخدمات العامة.

ولأنه يفتقر إلى أدوات القيادة الحقيقية، فإن المدير محدود الأهلية يدير بالتهديد لا بالتحفيز، وبالترهيب لا بالإقناع. فبدل أن يُلهم موظفيه، يزرع فيهم الخوف. وبدل أن يدعمهم، يحاسبهم بلا معيار. تتحول الاجتماعات إلى جلسات استجواب، والقرارات إلى أوامر فوقية.
وقد أثبتت دراسة منظمة الصحة العالمية (2022) أن بيئات العمل التي تُدار بالخوف تزيد فيها معدلات القلق والاكتئاب بنسبة تفوق 40%، كما أكدت تقارير غالوب (2023) أن ثقافة التهديد ترفع معدلات الاستقالة وتقلل الإنتاجية بشكلٍ حاد.
ويقول المدير التنفيذي الأمريكي بيتر بيلغر:

“لا شيء يقتل موظفًا عظيمًا أسرع من رؤيته لمدير يتسامح مع موظفٍ سيئ.”

حين تُدار المؤسسات بالخوف، تذوب روح الفريق ويحل الانقسام. في القطاع الخاص، يظهر ذلك عبر التهديد بالفصل أو الخصم لأسبابٍ تافهة، وفي القطاع العام عبر تأخير الترقيات وفرض العقوبات الإدارية التعسفية. وبدل أن تُبنى الثقة، تُزرع الريبة. وبدل أن تُحفَّز العقول، تُطفأ الرغبة في المشاركة.

وحين تغيب الكفاءة، تحضر الفوضى. المدير غير المؤهل يدير بعشوائيةٍ تامة، بلا رؤيةٍ واضحة أو خطةٍ مستقبلية. يقرّر اليوم ما ينقضه غدًا، ويبدّل الاتجاهات تبعًا لمزاجه أو لضغوط اللحظة.
في القطاع الخاص، يقود هذا النمط إلى فشلٍ استراتيجي، كما حدث في شركة كومباك التي انهارت بعد سلسلة قراراتٍ اندماجيةٍ مرتجلة (تقرير هارفارد بيزنس ريفيو، 2002). وفي القطاعات الحكومية، يؤدي إلى مشاريع مؤجلة وميزانياتٍ مهدورة. فكثيرٌ من المؤسسات لا تسقط بسبب الظروف الخارجية، بل بسبب قراراتٍ مرتجلةٍ تصدر من القمة بلا فهمٍ أو استشارةٍ حقيقية.

ومن سمات القيادة الناقصة الكفاءة أيضًا التمسك بالغموض. فهي لا تشرح قراراتها ولا تفسّر معاييرها. تعتقد أن الغموض يرسّخ الهيبة، لكنه في الحقيقة يُولّد الارتباك وفقدان الثقة. لا أحد يعرف لماذا اتُّخذ القرار أو متى سيتغيّر. تتحول بيئة العمل إلى أرضٍ من المفاجآت والارتباك، حيث يختفي الأمان النفسي ويزداد الانسحاب الداخلي.
وفي القطاعات العامة، يُعرقل هذا الغموض التنسيق بين الإدارات ويُنتج تضاربًا في القرارات، بينما في القطاع الخاص، يؤدي إلى فقدان الولاء وهروب الكفاءات.

القائد غير المؤهل كذلك كثير اللوم والتأنيب، قليل الثناء والتقدير. يرى في النقد وسيلةً لإثبات السلطة لا لتطوير الأداء. يوبّخ بدل أن يوجّه، ويصرخ بدل أن يخطّط. ومع الوقت، يتحول صوتُه العالي إلى جدارٍ صامتٍ من الإحباط.
في المقابل، تُظهر الدراسات أن بيئة العمل التي تقوم على التغذية الراجعة البنّاءة تزيد الإنتاجية بنسبة 20% على الأقل، بينما ثقافة اللوم تخفّضها بمقدار مماثل. وكما قال الجنرال الأمريكي جون بيرشينغ:

“القائد الكفء يستطيع أن يحصل على أداءٍ فعّالٍ حتى من فرقٍ ضعيفة، أما غير القادر فيُفسد أفضل الفرق.”

ومع مرور الوقت، تُصبح هذه الممارسات اليومية ثقافةً مؤسسيةً متوارثة؛ إذ يتعلّم الموظفون أن الصمت أَولى من الاجتهاد، وأن السلامة في عدم التفكير. تتراجع الجودة لصالح الشكل، والمضمون لصالح الإجراء. كل شيء يُدار بردّ الفعل لا بالفعل، وبالانفعال لا بالعقل.
وفي مثل هذه الإدارات، تُمجّد المتوسطية وتُقمع المبادرة. فتفقد الشركات تنافسيتها، وتخسر الجهات الحكومية فاعليتها. تقرير البنك الدولي عن الحوكمة (2021) يؤكد أن المؤسسات التي تُقصي الكفاءات تنخفض إنتاجيتها بنسبة 25% مقارنةً بنظيراتها التي تعتمد على إدارةٍ مؤهلة وشفافة.

أما المدير الناجح، فهو من يُشرك فريقه ويمنحهم الأمان لا القلق، ويُخطّط لا يرتجل، ويُحفّز لا يهدّد. يعرف أن الشفافية لا تُضعف الهيبة، بل تعزّز الثقة. وأن السلطة الحقيقية تُمارس بالقدرة على الإقناع، لا بالصوت العالي.
في القطاعات الخاصة والعامة، يعتمد هذا النمط من القيادة على الحوار، والدعم المتبادل، وتفويض الصلاحيات، مما يُنتج بيئةً تشجّع الإبداع والاستدامة بدل الخضوع والخوف.

في المقابل، تظل القيادة غير المؤهلة أسيرة الورق والمؤشرات الشكلية. تفضّل التقارير اللامعة على النتائج الواقعية، وتختبئ وراء اللغة الرسمية لتغطية ضعف التخطيط. وهي غالبًا ترى المؤسسة ملكًا شخصيًا لا مسؤوليةً جماعية، فتستخدم سلطتها لخدمة مصالحها الصغيرة وتعتبر الكفاءات خصومًا يجب إقصاؤهم مبكرًا.
وفي القطاعات الحكومية، ينتج عن ذلك فسادٌ إداريٌّ صامت؛ أما في القطاع الخاص، فيؤدي إلى خسائر ماليةٍ وتسريحٍ متكررٍ للكفاءات، كما حدث في موجات التسريح العشوائي أثناء جائحة كوفيد-19 (تقرير بلومبرغ، 2021).

الإدارة الحقيقية لا تُقاس بعدد الأوامر ولا بصرامة اللهجة، بل بقدرتها على خلق بيئةٍ يشعر فيها الموظف بالأمان والإلهام. المدير الذي يرفع من حوله يرتفع معهم، والذي يخنقهم يسقط بينهم.
إن أخطر ما تواجهه المؤسسات اليوم ليس نقص الموارد ولا ضغوط السوق، بل نقص الكفاءة في القيادة. فكل إدارةٍ تُدار بعُقدة النقص محكومٌ عليها بالجمود والانكماش، مهما امتلكت من ميزانياتٍ أو شعاراتٍ براقة.

وفي نهاية المطاف، المدير غير المؤهل لا يسقط وحده، بل يسحب معه مؤسسته إلى الأسفل. لذلك، لا تبدأ نهضة أي قطاعٍ إداريٍّ من تطوير الأدوات أو الأنظمة، بل من تغيير نمط القيادة ذاته.
فالقيادة الواعية تُنتج المعجزات، بينما القيادة الخائفة لا تُنتج سوى الأعذار. والفرق بينهما هو ما يصنع مستقبل المؤسسات — بين من يبني بيئةً جاذبةً للكفاءات، ومن يطردها باسم السيطرة.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)       Ozjan_Yeshar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمراض في البحرين والطب الشعبي: رحلة الشفاء عبر العصور من د ...
- ومضات من حياة زهرة اليابان: الشاعرة أكيكو يوسانو
- ومضاتٌ من حياة “جحا التركي” عزيز نيسين: أيقونة الأدب التركي ...
- الذئب الذي صار إنسانًا… والإنسان الذي صار ذئبًا
- أدوات وآليات التأثير بين الفن والسلطة: كيف نصنع أثرًا يبني و ...
- الكلام مهارة والإصغاء فن: بين الفهم والرد
- الفيل القابع في الحفرة بين الأزرق والأحمر
- التهذيب مرآة الحضارة عبر ثقافات الأمم.
- ومضات من فن الرسام البحريني علي الموسوي
- قواعد التوفيق الخمسة عشر: طريقك نحو التميز والتفوق
- ومضات من حياة وأدب إدوارد مورغان فورستر
- مهارة التفاوض: سلوك يومي في الحياة لا ساحة معركة حتمية
- سور الصين العظيم: عندما سقط الجدار من الداخل
- التركي الذي ركب صاروخاً ليتحدث مع المسيح عيسى عليه السلام
- كيف أتصالح مع الجانب المظلم داخلي وأحب ذاتي بصدق؟
- النور الخفي يشع في روح الإنسان… لكن البعض لا يرى سوى العتمة
- حكاية الثعلب الماكر والمزرعة الواسعة
- الذكاء العاطفي وإدارة الأولويات: عندما تقود المشاعر قراراتنا
- غياب الفهم المتبادل: سجن للروح أم حرية في ظل التواصل الإنسان ...
- تركيا الحديثة بين الحقائق والمزايدات: كمال أتاتورك وعصمت إين ...


المزيد.....




- فرنسا: أزمة سياسية خانقة في ظل وضع مالي متعثر... أعباء تثقل ...
- مصر تسجل أعلى احتياطي من النقد الأجنبي يقترب من 50 مليار دول ...
- البنك الدولي يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد التركي إلى 3.5% لعام ...
- مجلس الوزراء يقرّ حزمة قرارات تشمل الخدمات والضرائب والمطارا ...
- 70 مليار دولار خسائر غزة الاقتصادية بعد عامين من الحرب
- 70 مليار دولار خسائر غزة الاقتصادية بعد عامين من الحرب
- وزير الزراعة السوداني للجزيرة نت: خسائر الزراعة جراء الحرب 1 ...
- أرقام قياسية عن تمويل حروب إسرائيل بأموال دافعي الضرائب بأمي ...
- غليان وتوجس على المنصات بعد الارتفاع المهول بأسعار الذهب
- المركزي الباكستاني: خفض الفائدة يتوقف على مراجعة صندوق النقد ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - أوزجان يشار - حين يُدار العمل بعُقدة النقص: كيف تُنتج الإدارات غير المؤهلة بيئةً طاردة للكفاءات