أوزجان يشار
كاتب وباحث وروائي
(Ozjan Yeshar)
الحوار المتمدن-العدد: 8475 - 2025 / 9 / 24 - 15:19
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
في كل عصر، ظل الإنسان يسأل نفسه: كيف أصل إلى النجاح؟ هل هو الثروة التي تُغري وتزول؟ أم هو الشهرة التي قد تتحول إلى عبء؟ أم أنه السكينة الداخلية التي لا تُشترى بالمال؟
النجاح، في جوهره، ليس وصفة سحرية محفوظة في كتاب، بل هو رحلة ذاتية، تتشكل من جراح التجارب وانتصارات صغيرة تتراكم حتى تصير صرحًا عظيمًا. لقد قال الفيلسوف رالف والدو إيمرسون: “ما نخشاه في التجربة ليس الفشل بل النجاح في أشياء لا قيمة لها”. وهذه الجملة تصلح لتكون بوصلتنا في زمن تزدحم فيه الشعارات الفارغة وتضيع فيه البوصلة بين الأصوات المتداخلة.
ولأنني، ككاتب وباحث، عشت دهشة البحث عن معنى النجاح، وتأملت في سير عظماء التاريخ من ليوناردو دافنشي إلى نيلسون مانديلا، ومن رواد العلم إلى أبطال الرياضة، فقد وجدت أن النجاح لا يُختصر في معادلة جامدة، بل يتجسد في خمسة عشر قاعدة عملية وروحية. قواعد ليست شعارات، بل مبادئ مُجرَّبة، يمكن لأي إنسان أن يتبناها في حياته، مهما كان موضعه في البداية.
هذه القواعد ليست فقط كلمات على الورق، بل جسور بين الحلم والواقع، بين الأمل والعمل، بين الرغبة والقدرة. هي الطريق لمن أراد أن يجعل من حياته قصة تستحق أن تُروى.
⸻
1. التقدم المستمر أهم من الوصول إلى القمة
النجاح لا يقاس بالوصول إلى الهدف النهائي فقط، بل بالتقدم المستمر. حين تسلّق إدموند هيلاري قمة إيفرست عام 1953، قال بعد إنجازه: “لقد قهرنا الجبل، لكننا في الحقيقة قهرنا أنفسنا”. المعنى أن الإنجاز لم يكن مجرد وصول إلى القمة، بل تراكم آلاف الخطوات الصغيرة.
خذ مثلًا جيف بيزوس مؤسس “أمازون”، لم يبدأ بإمبراطورية عملاقة، بل ببيع الكتب من مرآب منزله. كل يوم كان يبني لبنة جديدة. النجاح هو التحسن المستمر، ولو بنسبة 1% يوميًا.
في تجربتي الشخصية ككاتب، ألتزم بكتابة 500 كلمة يوميًا، مهما كانت الظروف. ليست كل كلمة ذهبية، لكنها تصنع في النهاية كتابًا. التقدم الصغير اليومي يخلق التميز الكبير غدًا.
⸻
2. لا تهدر وقتك، فهو رأس مالك الحقيقي
قال بنيامين فرانكلين: “الوقت هو الحياة، ومن يضيّع وقته إنما يضيّع حياته”. لا شيء يعادل قيمة الدقيقة الواحدة إذا استثمرتها جيدًا.
في دراسة لجامعة هارفارد، تبيّن أن إدارة الوقت الفعالة ترفع الإنتاجية بنسبة 40%. انظر إلى بيل غيتس: يقسم يومه إلى دقائق، ويخصص ساعات يومية للقراءة حتى اليوم.
إحدى تجاربي كانت أنني خصصت وقتًا محددًا لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما أدركت أنها تسرق ساعات من عمري دون مقابل. بهذه الخطوة البسيطة، استعدت طاقة هائلة للكتابة.
تقنية “البومودورو” – العمل 25 دقيقة ثم استراحة 5 – وسيلة رائعة لتحويل الوقت إلى حليف. النجاح يبدأ حين تدرك أن وقتك هو عملتك الوحيدة.
⸻
3. كن صانعًا للفرص، لا منتظرًا لها
يقول الفيلسوف سينيكا: “الحظ هو ما يحدث حين تلتقي الاستعداد مع الفرصة”. الناجحون لا ينتظرون الحظ، بل يخلقونه.
ريتشارد برانسون بدأ شركته “فيرجن” ببيع تسجيلات موسيقية من سيارته، لم يكن أمامه طريق ممهد. أما أوبرا وينفري، فقد حوّلت طفولة مليئة بالفقر والمعاناة إلى منصة إعلامية عالمية لأنها لم تنتظر أحدًا ليمنحها فرصة.
أما أنا، فقد بدأت بكتابة مقالات في مدونات صغيرة، لم ينتبه إليها كثيرون في البداية، لكنها فتحت أبوابًا لأوسع مما توقعت.
لذلك كن مبادرًا: انضم إلى مؤتمرات، تواصل مع مرشدين، تطوع في مشاريع. الفرص لا تهبط من السماء، بل تصنعها الأيدي الجريئة.
⸻
4. الانضباط الذاتي هو أساس النجاح
قال جيم رون: “الانضباط هو الجسر بين الأهداف والإنجازات”.
انظر إلى الرياضي الأسطوري كوبي براينت. كان يبدأ تدريباته قبل بزوغ الفجر. لم يكن ذلك شغفًا لحظيًا، بل عادة انضباطية جعلته بين الأعظم في تاريخ كرة السلة.
في حياتي، أضع لنفسي روتينًا صارمًا: وقت للكتابة، وقت للرياضة، وقت للتأمل. هذا الانضباط يحول الفوضى إلى نظام، والأحلام إلى واقع.
ابدأ بصغائر الأمور: رتب سريرك كل صباح، التزم بمواعيدك بدقة، وستجد أن الانضباط يتسرب إلى كل جوانب حياتك.
⸻
5. لا تدع العقبات تحطمك، بل اجعلها سلالم للصعود
توماس إديسون قال: “لم أفشل، بل وجدت ألف طريقة لا تعمل”. هذا ليس مجرد تفاؤل، بل فلسفة عملية.
مايكل جوردان طُرد من فريق مدرسته بدعوى أنه “غير مناسب”، لكنه عاد ليصبح أعظم لاعب كرة سلة في التاريخ. العقبة كانت الشرارة.
شخصيًا، رُفضت مقالاتي الأولى من عدة مجلات، لكني اعتبرت كل رفض درسًا لتطوير أسلوبي. كل إخفاق كان يعلّمني كيف أقترب خطوة من النجاح.
إذا قابلتك عقبة، لا تسأل “لماذا أنا؟”، بل اسأل “ماذا أتعلم؟”.
⸻
6. وازن بين العزلة والاختلاط
ألبرت أينشتاين كان يقضي ساعات في العزلة لابتكار نظرياته، لكنه لم يكن منطويًا تمامًا، فقد استفاد من النقاشات مع زملائه الفيزيائيين.
العزلة تمنحك العمق، والاختلاط يمنحك الأفق. في حياتي، أخصص وقتًا يوميًا للكتابة وحيدًا، ثم أنخرط في حوارات مع الآخرين. كلاهما غذاء للنجاح.
حدد لنفسك ساعة للتأمل، وساعة للتواصل. النجاح يحتاج جذورًا عميقة (عزلة) وفروعًا ممتدة (اختلاط).
⸻
7. لا تكن نسخة مكررة من غيرك، بل كن أصيلًا
قال نيتشه: “كن أنت نفسك، لا تحاول أن تكون غيرك”.
ستيف جوبز صنع ثورة لأنه تمسّك بأصالته، لم يقلّد الآخرين. الأصالة هي ما يميز العلامة الفارقة عن المنتج العادي.
في كتاباتي، أحرص أن أعكس تجربتي الخاصة، لا أن أكرر ما قاله غيري. القارئ لا يبحث عن نسخة مكررة، بل عن صوت جديد.
لتكن أصيلًا، اكتشف قيمك الداخلية، وامنحها صوتًا في كل ما تفعل.
⸻
8. العلاقات القوية مهمة، لكن استقلاليتك أهم
وارن بافيت يمتلك شبكة علاقات قوية، لكنه يتخذ قراراته بنفسه. العلاقات توفر الدعم، لكن الاستقلال يحفظ الهوية.
بنيت في حياتي شبكة أصدقاء ومرشدين، لكني أبقيت لنفسي حق القرار الأخير. الاستقلالية تحميك من الذوبان في الآخرين.
طوّر مهاراتك لتبقى قادرًا على الاستمرار حتى إن غابت كل شبكة الدعم.
⸻
9. لا تعش وفق توقعات الآخرين، بل وفق قناعاتك
مالالا يوسفزاي تحدت مجتمعها كله لتدافع عن حق الفتيات في التعليم. لو استسلمت لتوقعات الآخرين، لما سمع بها العالم.
في مسيرتي، رفضت مشاريع مغرية لأنها لم تتفق مع قيمي. قد يكون الطريق أصعب، لكنه أكثر صدقًا.
استمع إلى صوتك الداخلي، فهو البوصلة الحقيقية وسط ضجيج الآخرين.
⸻
10. طوّر مهاراتك دائمًا، فالثبات يعني التراجع
ليوناردو دافنشي لم يكن رسامًا فقط، بل عالمًا ومهندسًا ومخترعًا. سر عبقريته أنه لم يتوقف عن التعلم.
في عصر الذكاء الاصطناعي، المهارات تُبلى بسرعة. من لا يتعلم، يتراجع.
اجعل لنفسك عادة التعلم: كتاب جديد كل شهر، دورة عبر الإنترنت كل فترة، تجربة جديدة كل عام. التوقف عن التعلم يعني التوقف عن النمو.
⸻
11. عش بصدق ونزاهة
النزاهة ليست ترفًا أخلاقيًا، بل حجر أساس لأي نجاح مستدام. نيلسون مانديلا لم يُعرف فقط بكونه رئيسًا، بل برمزية نزاهته التي جعلته أيقونة عالمية.
غاندي قال: “الوسائل النزيهة تؤدي دائمًا إلى غايات نزيهة”. إذا بنيت نجاحك على الكذب، سينهار عاجلًا أو آجلًا.
كن صادقًا في معاملاتك، حتى لو بدا الطريق أطول. النزاهة تبني سمعة تسبقك، وتحميك حتى بعد رحيلك.
⸻
12. ابحث عن مرشدين ونماذج إيجابية
سقراط كان مرشدًا لأفلاطون، وأفلاطون كان مرشدًا لأرسطو، وسلسلة الإلهام هذه غيرت مجرى الفلسفة كلها.
أوبرا وينفري كثيرًا ما تحدثت عن فضل مرشديها في بداياتها.
ابحث عن مرشد في مجالك، أو على الأقل عن نموذج تلهمك سيرته. المرشد لا يعطيك خريطة جاهزة، بل يعلّمك كيف تبني خريطتك.
⸻
13. ركز على العملية أكثر من الرؤية
قال روسان ثيران: “أحب العملية أكثر من النتيجة”. النجاح ليس فقط في الوصول، بل في الاستمتاع بالرحلة.
كثيرون يضعون هدفًا بعيدًا ثم ييأسون، بينما الناجح يستمتع بالخطوات الصغيرة.
أنا أستمتع بالكتابة اليومية نفسها، لا فقط بنشر الكتب. العملية هي ما يصنع الحياة اليومية للنجاح.
⸻
14. أدرك أنك مسؤول عن حياتك بنسبة 100%
النجاح يبدأ حين تعترف أنك القائد الوحيد لسفينتك. لا تلُم الظروف ولا الآخرين، فذلك طريق العاجزين.
تأمل قصة محمد علي كلاي: حين رفض المشاركة في حرب فيتنام، قال جملته الشهيرة: “لن أذهب لأقتل أناسًا لم يؤذوني قط”. كان يدرك أنه سيدفع الثمن باهظًا؛ سُحبت منه ألقابه، مُنع من اللعب، وتعرض للسجن. لكنه تحمّل المسؤولية كاملة عن موقفه، لأنه كان نابعًا من قناعته. وبعد سنوات، عاد إلى الحلبة أقوى من أي وقت مضى، وأصبح رمزًا عالميًا للشجاعة والإيمان بالنفس.
هذه القاعدة تذكرك بأن حياتك هي قرارك، ومسؤوليتك وحدك. كلما أسرعت في تبني هذا المبدأ، كلما أصبحت أكثر قدرة على توجيه مصيرك.
⸻
15. كن مبدعًا واصنع فرقًا
ألبرت أينشتاين قال: “الخيال أهم من المعرفة”.
الإبداع ليس حكرًا على الفنانين، بل هو جوهر أي تقدم. انظر إلى اختراع “الورق اللاصق – Post-it”، جاء من خطأ في المختبر، لكنه غير حياة ملايين الناس.
مارك زوكربيرغ أسس “فيسبوك” لأنه فكر خارج الصندوق. لكن الأهم من الإبداع أن تصنع فرقًا. نجاحك لا يُقاس بما تأخذه من العالم، بل بما تضيفه إليه.
⸻
في ختام هذا المقال لابد
أن نتفهم يأن التوفيق ليس رحلة مستمرة بل التعثر وارد والنجاح ليس سباقًا ضد الآخرين، بل رحلة داخلية نصارع فيها ضعفنا أكثر مما نصارع العالم. هو أن نكون قادرين على النظر في المرآة كل مساء لنقول: “لقد بذلت جهدي، تعلمت، وتقدمت”.
ربما تتعدد تعريفات النجاح، لكن جميعها تلتقي عند فكرة واحدة: أن نترك أثرًا لا يمحوه الغياب.
قال ستيفن كوفي: “ما يميز الناجحين حقًا أنهم يعيشون بمبدأ البوصلة لا الساعة؛ يتبعون الاتجاه الصحيح، لا مجرد السرعة”. وهذا هو الدرس الأخير في هذه الرحلة.
فلتجعل هذه القواعد الخمسة عشر جزءًا من حياتك اليومية، لا كقائمة تحفظها بل كروح تسكنك.
ولا تنتظر الغد، فالغد لا ينتظر المترددين. ابدأ بمشيئة الله اليوم، وابنِ قصتك الخاصة على طريق التميز والتفوق.
#أوزجان_يشار (هاشتاغ)
Ozjan_Yeshar#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟