أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أوزجان يشار - النور الخفي يشع في روح الإنسان… لكن البعض لا يرى سوى العتمة















المزيد.....

النور الخفي يشع في روح الإنسان… لكن البعض لا يرى سوى العتمة


أوزجان يشار
كاتب وباحث وروائي

(Ozjan Yeshar)


الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 21:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يقول جلال الدين الرومي: «إن الجرح هو الموضع الذي يدخل منه النور إليك.» ليست هذه العبارة مجرد حكمة صوفية، بل مفتاح عميق لفهم الطبيعة الإنسانية. فالألم ليس نهاية الطريق، بل بدايته، والندوب ليست دليل ضعف، بل منافذ للضوء. حين يظن المرء أن حياته غُمرت بالعتمة، يكتشف أن الشرخ الذي أصابه قد أتاح للنور أن يتسلل إلى داخله. وهكذا يصبح الجرح طريقًا إلى شمس داخلية لم يكن ليراها لولا العتمة التي أحاطت به.

هذا التصور يتردد في كلمات خوسيه مارتي: «الناس مثل النجوم؛ بعضهم يشع ضوءه بنفسه، والبعض الآخر يعكس البريق الذي يتلقاه.» الفرق هنا حاسم: هناك من يضيء من داخله، كالنجم الذي يحمل وقوده الخاص، وهناك من يعيش على انعكاس الآخرين، كالقمر الذي لا يضيء إلا بضوء شمس خارجية.

في علم النفس والاجتماع، يظهر هذا التمييز بين الأصيل والمقلّد، بين من يملك قوة داخلية تحميه من الانطفاء وبين من يعتمد على التصفيق الخارجي. لكن كيف نصل إلى هذه القوة؟ هل يولد الإنسان بها، أم تُكتسب عبر التجارب؟ وكيف يمكن للمجتمع أن يعيق أو يعزز هذا النور؟ هذه الأسئلة تقودنا إلى استكشاف الطبيعة البشرية، حيث يتشابك الألم والنور، والفشل والنجاح، في نسيج واحد يشكل هويتنا.



النور الداخلي في علم النفس

في علم النفس، يُشار إلى «النور الداخلي» بمصطلح «المرونة النفسية» (resilience). وهي ليست موهبة فطرية فحسب، بل منظومة دفاعية يمكن تنميتها. الدراسات في «علم النفس الإيجابي»، الذي طوّره مارتن سيليجمان، تؤكد أن السعادة الحقيقية لا تتحقق بتجنب الألم، بل باستخدام مواهبنا الداخلية لمواجهة التحديات. هذه القوة تحول الفشل إلى درس، والجراح إلى فرص للنمو.

الأصيل هو من يستند إلى قيم داخلية، يعيش وفق إيمانه الذاتي، بينما المقلّد يحيا بانعكاس آراء الآخرين. يقول فريدريك نيتشه: «من يملك نورًا داخليًا لا يخشى الظلمة من الخارج.»

ألبرت آينشتاين مثال حي لهذه الفكرة. تأخر في النطق حتى اعتقد معلموه أنه متأخر عقليًا، لكنه حمل شغفًا داخليًا بالكون، تحول إلى مرونة نفسية أدت إلى ثورة علمية قلبت مفاهيم الزمان والمكان. لم يكن نجاحه نتيجة موهبة فطرية فقط، بل إصرار على تحويل العتمة إلى نور.

وكذلك أوبرا وينفري، التي نشأت في فقر مدقع وعانت من عنف واعتداءات. كادت حياتها أن تُختصر في مأساة، لكنها استندت إلى قوتها الداخلية، محولة جراحها إلى دافع، فأصبحت رمزًا إعلاميًا عالميًا.

هذه القوة النفسية ليست رفاهية، بل شرط بقاء. من لا يملكها يبقى عرضة للانطفاء عند أول عاصفة، بينما من يملكها يظل مشعًا حتى لو اجتمعت حوله الظلمات. لكن بناء هذه القوة يتطلب أكثر من مجرد إرادة شخصية. فالإنسان لا يعيش في فراغ، بل ضمن شبكة اجتماعية تؤثر على إدراكه لذاته. هنا يبرز دور المجتمع، الذي قد يكون داعمًا أو معيقًا، في إشعال هذا النور أو إخماده.



العتمة التي يزرعها المجتمع

المجتمع، بكل تعقيداته، قد يكون عائقًا أمام ظهور النور الداخلي. في علم الاجتماع، تُعرف ظاهرة «النبوءة ذاتية التحقق» (self-fulfilling prophecy)، التي درسها روبرت ميرتون، بأن التصنيفات المبكرة –مثل «ذكي» أو «فاشل»– تُصبح سلاسل تقيد الأفراد. إذا سمع الطفل مرارًا أنه غبي، قد يصدق ذلك ويكف عن المحاولة. لكن إذا وُجد من يؤمن به، يتحول هذا الإيمان إلى شرارة تشعل ما كان خفيًا.

قصة توماس إديسون تُجسد هذا الصراع. تلقت والدته خطابًا من مدرسته يخبرها أن ابنها «غبي جدًا ولا يصلح للتعليم»، لكنها أخفت الحقيقة وقالت له إنه «عبقري والمدرسة صغيرة على قدراته». هذا الإيمان لم يكن مجرد كذبة بيضاء، بل رؤية نافذة لنور لم يره الآخرون.

كبر إديسون بهذه الثقة، محولاً رفض المجتمع إلى دافع، فصار من أعظم المخترعين. بعد وفاتها، اكتشف الخطاب وبكى قائلاً: «لقد كان إديسون طفلاً غبيًا، لكن أمًا عظيمة آمنت به.» هذه القصة تثبت أن عينًا واحدة مؤمنة بالنور تكفي لتغيير المصير، محاربة العتمة الاجتماعية التي تحول دون اكتشاف القوة الداخلية.

لكن ليست كل العوائق خارجية. فالإنسان نفسه قد يصبح أسيرًا لمخاوفه أو شكوكه، مانعًا نفسه من رؤية نوره الداخلي. هنا يأتي دور الإصرار الشخصي، الذي يحتاج إلى دعم خارجي وإيمان داخلي معًا، لتحويل العتمة إلى ضوء.



البعد الاجتماعي: بين المنارة والمرآة

هنا تتجلى المفارقة الاجتماعية: الأصيل يشبه منارة قائمة بذاتها، لا تحتاج إلى تصفيق، بينما المقلّد يشبه مرآة خاوية تلمع فقط بانعكاس الآخرين. علم الاجتماع يفسر ذلك بـ«القيمة الداخلية» مقابل «التعزيز الخارجي». الأصيل يظل ثابتًا في العواصف، لأنه يستمد قوته من إيمانه الذاتي، بينما المقلّد يبهت عند غياب الأضواء.

لخّص جبران خليل جبران ذلك: «في داخل كل إنسان شمس، إن أشرقت أضاءت العالم بأسره.» لكن كثيرين يظلون أسرى التصنيفات، فلا يرون إلا العتمة.

فان غوخ تجسيد لهذه المنارة. عاش منبوذًا، واعتبره الآخرون مجنونًا، ولم يبع لوحة تقريبًا في حياته. لكنه رسم شمسه الداخلية، متمسكًا بقيمته الداخلية، فأضاء العالم بألوان جديدة بعد موته.

كذلك هيلين كيلر، التي وُلدت عمياء وصمّاء، فظن الجميع أن حياتها محكومة بالصمت والظلام. لكن معلمتها آن سوليفان رأت نورًا داخليًا، ففتحت أبواب اللغة أمامها، محولة العزلة الاجتماعية إلى رمز عالمي للإرادة والأمل.

هذه القصص تكشف أن الضوء الأصيل ليس حكرًا على العباقرة، بل إمكانية كامنة في كل إنسان، قد تُدفن تحت الرفض، لكنها تخرج عبر الإصرار والدعم. الدعم الاجتماعي، سواء من فرد أو جماعة، يلعب دورًا حاسمًا في إيقاظ هذا النور. فالإنسان لا يكتشف شمسه الداخلية في عزلة تامة، بل غالبًا عبر علاقاته مع الآخرين. المعلم، الصديق، أو حتى الغريب الذي يؤمن بإمكانياتنا، قد يكون المفتاح لتحويل الجرح إلى ضوء.



شمس الروح التي لا تنطفئ من الرومي إلى نيتشه إلى جبران، تتكرر الرسالة: النور الحقيقي يشرق من الداخل. قد يرى الآخرون فينا عتمة، لكن في أعماقنا شمس تنتظر.

نجيب محفوظ، الذي وُصف في بداياته بأنه كاتب «مكرر»، لم يستسلم للتصنيفات. حفر في ذاته حتى صنع عالمه الروائي، فصار منارة الأدب العربي وحاز نوبل. كذلك جاك ما، الذي رُفض عشرات المرات من الجامعات والوظائف، حتى من مطعم للوجبات السريعة. لكنه تمسك بنوره الداخلي، محولاً الفشل إلى دافع، فأسس «علي بابا» وغيّر وجه التجارة الإلكترونية.

هذه القصص تؤكد أن النور الداخلي ليس قدرة خارقة، بل إمكانية كامنة تظهر عندما نختار مواجهة الظلمة بالإصرار. السؤال إذن: هل سنبقى مرايا تعكس أضواء الآخرين، أم سنختار أن نكون منارات تضيء بذاتها؟ الخيار بين العتمة والضياء ليس قدرًا، بل قرار يعتمد على استثمار قوتنا الداخلية، مهما كانت الظروف.

كما قال الرومي: «إن الجرح هو الموضع الذي يدخل منه النور إليك.» وأضاف نيتشه: «من يملك نورًا داخليًا لا يخشى الظلمة من الخارج.» وأكمل جبران: «في داخل كل إنسان شمس، إن أشرقت أضاءت العالم بأسره.» فلنختر إشعال شمسنا، مهما كثرت العواصف.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)       Ozjan_Yeshar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية الثعلب الماكر والمزرعة الواسعة
- الذكاء العاطفي وإدارة الأولويات: عندما تقود المشاعر قراراتنا
- غياب الفهم المتبادل: سجن للروح أم حرية في ظل التواصل الإنسان ...
- تركيا الحديثة بين الحقائق والمزايدات: كمال أتاتورك وعصمت إين ...
- توحش الحليف وغدر الصديق: كيف خانت الولايات المتحدة قطر مرتين
- التوقعات التي تحمي النوايا الطيبة من الصدمات
- الرضا الذاتي: السيادة على النفس ومعنى الحرية الداخلية
- حين تكشفنا الكلمات… من مزحة مارك توين إلى ثعبان الاجتماعات
- راسبوتين: أسطورة راهب أو مشعوذ يتراقص فوق حافة عرش يترنّح؟
- ومضات من حياة تولستوي
- الخيانة: بين الوعي والقرار والأثر النفسي
- لوحة الطوفان: صراع الإنسان بين الماضي والمستقبل.. نقد تحليلي ...
- قراءة في خرفان بانورج: بين السخرية والمجتمع في ملحمة رابلي ا ...
- كذبة الكناري ووصيّة الحمار الوحشي
- الجنس عبر الحضارات: من طقوس الخلق إلى ثورات الحرية
- النخب العربية بين الوعي والتخاذل: مأساة أمة تعرف الطريق ثم ت ...
- الإخوة كارامازوف: ملحمة النفس البشرية بين الإيمان والشك
- خرفان بانورج: بين سيكولوجية القطيع وتميّز العقل الحر
- نظرية الكون 25: حين تتحول الجنة إلى مقبرة
- نظرية -الضفدع المسلوق-: كيف يقتلنا التكيف المفرط مع الأوضاع ...


المزيد.....




- من اليابان إلى المكسيك.. إليك جولة في 7 من أكثر الأماكن رعبً ...
- في الهالوين.. هل تجرؤ على زيارة -الغابة المسكونة-؟ مبتدعها ي ...
- -أبو لولو-.. جزار الفاشر الذي نكل بالمدنيين في السودان
- البيت الأبيض يمنع المراسلين من دخول -منطقة الصحافة العليا- د ...
- إسرائيل تعلن أن جثثا تسلمتها أمس ليست لأسرى ولا تتهم حماس بخ ...
- البيت الأبيض يحد من حرية دخول المراسلين إلى مكتبه الإعلامي
- إسرائيل وعملية -الخطيئة والعقاب-.. هل حقًّا انتهت الحرب؟
- رسالة أميركية حازمة للعراق.. لا مكان لـ-سلاح وكلاء إيران-
- لبنان على حافة الانفجار.. أميركا تتراجع وإسرائيل تضغط
- دراسة: إسرائيل قد تجد نفسها بلا كهرباء في مواقع حيوية


المزيد.....

- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أوزجان يشار - النور الخفي يشع في روح الإنسان… لكن البعض لا يرى سوى العتمة