أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أوزجان يشار - حكاية الثعلب الماكر والمزرعة الواسعة














المزيد.....

حكاية الثعلب الماكر والمزرعة الواسعة


أوزجان يشار
كاتب وباحث وروائي

(Ozjan Yeshar)


الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 12:17
المحور: كتابات ساخرة
    


أولاً: الحكاية

في أرض خصبة تمتد حدودها إلى أفق بعيد، حيث تتداخل الحقول الخضراء مع التلال المنخفضة والأنهار المتعرجة، عاش مزارع كبير في السن، يدعى العم أحمد. كان العم أحمد رجلاً بسيطاً، يرتدي قبعة قديمة متهالكة، ويحمل عصا يتكئ عليها أثناء تجواله في مزرعته الشاسعة. المزرعة كانت عالماً صغيراً بحد ذاتها: غرف مليئة بالدجاج الذي يبيض بيضاً ذهبياً، وبط يسبح في بركة صغيرة، وأغنام تتجول في المراعي، وأبقار تمنح حليباً غنياً. لكن العم أحمد، مع تقدمه في العمر، بدأ يشعر بالإرهاق. عيونه الضعيفة لم تعد ترى التفاصيل الدقيقة، وأذناه لم تعودا تسمعان صياح الدجاج بوضوح. كان يحلم بالراحة، بالجلوس تحت شجرة التفاح القديمة، يراقب الغيوم تتجول في السماء، بينما يدير أحدهم شؤون المزرعة بدلاً عنه.

ذات يوم، ظهر ثعلب أنيق، يرتدي معطفاً مصنوعاً من فرو لامع، ويبتسم ابتسامة عريضة تكشف عن أنياب حادة لكنها مخفية جيداً. كان هذا الثعلب يدعى “السيد فوكس”، وهو معروف في الغابات المجاورة بذكائه الحاد ومكره الذي يفوق الوصف. اقترب السيد فوكس من العم أحمد بلباقة، وقال له بصوت ناعم كالحرير:
«يا عم أحمد، لقد كبرت في العمر، ويحق لك الراحة. دعني أساعدك. سأرعى الدجاج كأنهن بناتي، سأضاعف عددهن، وستزدهر المزرعة تحت إشرافي.»

ضحك العم أحمد ضحكة ساذجة، ثم سلّمه مفاتيح غرفة الدجاج. وما إن أغلق الثعلب الباب حتى التهم الدجاجات جميعاً، واحدة تلو الأخرى، ولم يُبقِ إلا دجاجة سمينة جعلها أداة في عرضه المسرحي الكبير.
عندما جاء العم أحمد ليتفقد دجاجاته، أخرج الثعلب الدجاجة السمينة التي أبقى عليها مرات عديدة، يعدّها بصوت عالٍ:
«واحدة… اثنتان… عشرون… مئة!»
وكان العم أحمد يصفق مندهشاً: «يا لها من معجزة!»

لم يكتفِ الثعلب بالدجاج، بل طلب إدارة غرفة البط، ثم حظيرة الأرانب، ثم الأغنام والأبقار. وفي كل مرة يكرر الخدعة نفسها: يترك بقايا سمينة للعرض، بينما يلتهم الباقي في الخفاء. وشيئاً فشيئاً فرغت المزرعة، لكن العم أحمد ظل يبتسم للوهم، ويجلس تحت شجرته مطمئناً.

وذات ليلة هبّت عاصفة وفتحت الأبواب، فتكشفت الحقيقة: غرف فارغة، عظام وريش متناثر. لكن الثعلب صاح على الفور:
«هذا عمل أعداء خارجيين! لا تقلق أبدا، سأبني سياجاً أعلى وأعدد دجاجات أكثر لتعويض الخسارة.»
فضحك العم أحمد بمرارة لكنه صدّق الثعلب مرة أخرى، مفضلاً الراحة والكسل على مواجهة الحقيقة المؤلمة.

انتشرت الحكاية في المزارع المجاورة، فأصبح الثعلب أسطورة. كان يكرر العرض ذاته بدجاجة واحدة، يغير اسمها في كل مرة: الحرية، الديمقراطية، حقوق الدجاج، الرخاء. والزوار يصفقون مبهورين، بينما الواقع يتآكل خلف الستار.

في النهاية جلس العم أحمد وحيداً يندب كسله لكنه لازال يبحث عن ثعلب آخر، لكنه لا يتذكر أيام المزرعة الحقيقية، بينما الثعلب انتقل إلى مزرعة أكبر، يعيد عرضه هناك. وكانت الكوميديا السوداء أن العالم كله صار يدور على وهم دجاجة واحدة، معادٍ عرضها إلى الأبد، بينما الجوع ينتشر في الظلال.



ثانياً: المقارنة

قد يظن القارئ أن ما قرأه مجرد حكاية ريفية طريفة، لكنها في حقيقتها استعارة لواقع السياسة والاقتصاد العالمي.

العم أحمد يمثل المسؤول الذي يختار الراحة بدل المواجهة، ويسلّم مفاتيح القرار لقوة خارجية. والثعلب الأنيق ليس سوى رمز للقوة المهيمنة التي تجيد ارتداء الأقنعة، وتعيد إنتاج الوهم بلغة ناعمة وشعارات براقة.

حين نرى دولاً تسلّم اقتصادها لصندوق النقد الدولي، بدعوى الإصلاح والازدهار، فإننا نرى المشهد نفسه: وعود بالرخاء، لغة الحرية، شعارات الديمقراطية، لكن خلف الأبواب تُلتهم الموارد، وتُترك دجاجة واحدة هزيلة تُعرض في الإعلام كل يوم بأسماء مختلفة. الناتج المحلي “ارتفع”، النمو “تضاعف”، القروض “ستجلب الاستقرار”، بينما الحقيقة أن الشعوب تدفع الثمن فقراً وديوناً.

المضحك المبكي أن الرأي العام العالمي، مثل المزارعين الواقفين عند السياج، يكتفي بالتصفيق. بعضهم يسخر سرّاً، لكنه يخشى الاعتراض. بعضهم يستفيد من فتات العرض. والنتيجة أن الوهم يتحول إلى حقيقة معاشة، لأن الجميع يتواطأ على تصديقه.

الثعلب في القصة يبني سياجاً أعلى بحجة حماية المزرعة، تماماً كما تُبنى التحالفات والاتفاقيات الأمنية لحماية “الازدهار”، بينما الغرف من الداخل خاوية. والعم أحمد يضحك ضحكة خاوية مثل الحكام الذين يصفقون للأرقام الوهمية في المؤتمرات الدولية.

أما صندوق النقد الدولي، فهو المفتاح الذي يسمح للثعلب بدخول الغرف: إصلاحات هيكلية، قروض مشروطة، ووعود لا تنتهي. لكن النتيجة واحدة: حقول فارغة، وموارد منهوبة، وشعوب تُخدّر بالدجاجة الواحدة المعروضة على المسرح.

الكوميديا السوداء تكمن في أن العالم كله يعرف الخدعة. يعرف أن الدجاجة هي ذاتها، وأن الأسماء مجرد تبديل، لكن لا أحد يريد مواجهة الحقيقة. فالوهم الجماعي يمنح راحةً مؤقتة، بينما الحقيقة قاسية، ولذلك يستمر العرض.

إنها مأساة تحولت إلى كوميديا، وكوميديا انزلقت إلى سخرية كبرى: أن البشرية كلها قد تكتفي بالتصفيق لدجاجة واحدة، بينما المزارع خاوية، والحقول قاحلة، والثعلب ينتقل من مزرعة لأخرى ساخرا من وعي وكسل ملاك المزارع في القرية المفلسة.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)       Ozjan_Yeshar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكاء العاطفي وإدارة الأولويات: عندما تقود المشاعر قراراتنا
- غياب الفهم المتبادل: سجن للروح أم حرية في ظل التواصل الإنسان ...
- تركيا الحديثة بين الحقائق والمزايدات: كمال أتاتورك وعصمت إين ...
- توحش الحليف وغدر الصديق: كيف خانت الولايات المتحدة قطر مرتين
- التوقعات التي تحمي النوايا الطيبة من الصدمات
- الرضا الذاتي: السيادة على النفس ومعنى الحرية الداخلية
- حين تكشفنا الكلمات… من مزحة مارك توين إلى ثعبان الاجتماعات
- راسبوتين: أسطورة راهب أو مشعوذ يتراقص فوق حافة عرش يترنّح؟
- ومضات من حياة تولستوي
- الخيانة: بين الوعي والقرار والأثر النفسي
- لوحة الطوفان: صراع الإنسان بين الماضي والمستقبل.. نقد تحليلي ...
- قراءة في خرفان بانورج: بين السخرية والمجتمع في ملحمة رابلي ا ...
- كذبة الكناري ووصيّة الحمار الوحشي
- الجنس عبر الحضارات: من طقوس الخلق إلى ثورات الحرية
- النخب العربية بين الوعي والتخاذل: مأساة أمة تعرف الطريق ثم ت ...
- الإخوة كارامازوف: ملحمة النفس البشرية بين الإيمان والشك
- خرفان بانورج: بين سيكولوجية القطيع وتميّز العقل الحر
- نظرية الكون 25: حين تتحول الجنة إلى مقبرة
- نظرية -الضفدع المسلوق-: كيف يقتلنا التكيف المفرط مع الأوضاع ...
- فن القيادة الصعبة: بين بصيرة القائد وتحدي القرارات


المزيد.....




- كيت بلانشيت ضيفة شرف الدورة الـ8 من مهرجان الجونة السينمائي ...
- رائحة الزينكو.. شهادة إنسانية عن حياة المخيمات الفلسطينية
- لحظة انتصار على السردية الصهيونية في السينما: فيلم صوت هند ر ...
- -أتذوق، اسمع، أرى- كتاب جديد لعبد الصمد الكباص حول فلسفة الح ...
- “انثى فرس النبي- للسورية مناهل السهوي تفوز بجائزة “خالد خليف ...
- وفاة الممثل والمخرج الأمريكي روبرت ريدفورد عن عمر ناهز 89 عا ...
- الشلوخ في مجتمعات جنوب السودان.. طقوس جمالية تواجه الاندثار ...
- سوريا.. فوز -أنثى فرس النبي- بجائزة خالد خليفة للرواية في دو ...
- المغرب: الحفاظ على التراث الحرفي وتعزيز الهوية الثقافية المغ ...
- ناوروكي وماكرون يبحثان الأمن والتجارة في باريس ويؤكدان معارض ...


المزيد.....

- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أوزجان يشار - حكاية الثعلب الماكر والمزرعة الواسعة