أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أوزجان يشار - التركي الذي ركب صاروخاً ليتحدث مع المسيح عيسى عليه السلام















المزيد.....

التركي الذي ركب صاروخاً ليتحدث مع المسيح عيسى عليه السلام


أوزجان يشار
كاتب وباحث وروائي

(Ozjan Yeshar)


الحوار المتمدن-العدد: 8469 - 2025 / 9 / 18 - 21:20
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


البداية: حلم الطيران بين الشرق والغرب

منذ أن رفع الإنسان بصره نحو السماء وهو يحلم بالتحليق مثل الطيور. هذا الحلم لم يكن حكراً على حضارة دون أخرى، بل كان هاجساً إنسانياً عالمياً. فقبل أن يُعرف اسم الأخوين رايت في مطلع القرن العشرين، كان الشرق الإسلامي قد قدّم محاولات جريئة لا تقل جرأة ولا إبداعاً، بل سبقتهم بقرون طويلة.

في الأندلس في القرن التاسع الميلادي، برز اسم عباس بن فرناس (810–887م)، العالم والمخترع الذي تجرأ على الطيران بجناحين من الخشب والحرير. قفز من تلة عالية في قرطبة، فطار للحظات قبل أن يهوي لغياب وسيلة للهبوط، لكنه نجا وخلّد اسمه كأول طيار في التاريخ الإسلامي.

وبعده بأكثر من قرن، ظهر إسماعيل بن حماد الجوهري (توفي 393هـ/1003م)، اللغوي الكبير وصاحب “الصحاح”، في مدينة نيسابور بخراسان. لم يكتفِ بالمعاجم واللغة، بل حاول الطيران بصناعة جناحين من الخشب. صعد سطح داره وأعلن للناس أنه سيطير، لكن التجربة انتهت بمقتله.

هذه المحاولات الجسورة كانت نواة لما سيأتي لاحقاً في القرن السابع عشر في إسطنبول، حيث سيظهر عالم عثماني جمع بين الطموح والمعرفة والجرأة، ليقفز من برج غلاطة ويحلّق فوق البوسفور، وليكون بذلك أول من أضاف عنصر الصواريخ إلى حلم الطيران. إنه أحمد حسن جلبي، المعروف بـ “هِزار فن”.

أما في الغرب، فلم يتحقق الطيران الآلي إلا بعد قرون، حين نجح الأخوان رايت في 17 ديسمبر 1903 بمدينة كيتي هوك في ولاية كارولاينا الشمالية، بأول رحلة طيران ميكانيكية استمرت 12 ثانية فقط. وهكذا، نجد أن محاولات الشرق لم تكن متأخرة، بل سبقت وتوازت زمنياً مع الغرب، حتى لو لم تمتلك الأدوات الصناعية الكافية لتطويرها.



نشأة أحمد حسن جلبي ولقبه “هِزار فن”

وُلد أحمد حسن جلبي عام 1609م في إسطنبول، عاصمة الدولة العثمانية في عهد السلطان مراد الرابع (1612–1640م). كان مولعاً بالتجارب الميكانيكية، مغرماً بدراسة حركة الطيور، ومفتوناً بما رواه التاريخ عن عباس بن فرناس والجوهري.

أطلق عليه معاصروه لقب هِزار فن، أي “صاحب الألف فن أو الألف علم”، لما عُرف عنه من تعدد المهارات والمعارف. وفي الفترة بين 1630 و1636، أجرى تسع محاولات ناجحة للطيران لمسافات قصيرة في أحياء إسطنبول، مما شجّعه على الإعداد لتجربته الكبرى.



القفزة التاريخية من برج غلاطة

في عام 1636، قرر جلبي أن يكتب اسمه في سجل الخالدين. اختار برج غلاطة، الذي يبلغ ارتفاعه 66 متراً، نقطة انطلاقه. البرج يقع في حي “كاراكوي” على الضفة الأوروبية من إسطنبول، بينما هدفه كان الوصول إلى أسكدار على الضفة الآسيوية، أي قطع مسافة لا تقل عن سبعة كيلومترات فوق مياه مضيق البوسفور.

في ذلك اليوم، تجمّع آلاف السكان على ضفاف المضيق. السلطان مراد الرابع نفسه، ومعه الصدر الأعظم، كانا يراقبان المشهد من قصر “سراي بورنو”. الكل يترقب، العيون شاخصة نحو القمة حيث يقف الرجل بجناحين صنعهما من الخشب والحرير.

وما إن قفز جلبي حتى خيّم الصمت، قبل أن تنطلق الصرخات المذهولة: لقد طار حقاً!
حلق فوق مياه البوسفور بمهارة، مستفيداً من الرياح الشرقية، حتى حط بسلام في حي “دوغانجيلار” بأسكدار. كان ذلك نصراً علمياً ومعنوياً، فهتف الناس باسمه، وأصبح رمزاً للطموح والجرأة.



المغامرة الصاروخية

لم يكتف جلبي بتجربة الأجنحة. ففي عام 1633، وأثناء الاحتفالات بميلاد الأميرة قايا ابنة السلطان مراد الرابع، قام بتجربة غير مسبوقة وصفها الرحّالة العثماني أوليا جلبي (1611–1682) في موسوعته “سياحت نامه”.

قام جلبي بصناعة صاروخ طوله سبع أذرع (نحو 3.5 أمتار)، وحشى داخله خمسين أوقية من البارود. جلس على الصاروخ، وأشعل مساعدوه الفتيل. انطلق الصاروخ إلى السماء لمسافة قُدّرت بمئات الأمتار. وما إن خمد الوقود حتى نشر جلبي أجنحة نسر كان قد أعدها، فهبط بسلام قرب قصر سنان باشا على شاطئ البوسفور.

يُروى أنه قال قبل انطلاقه للسلطان:

“مولاي، أستودعك الله، أنا ذاهب لأتحدث مع عيسى عليه السلام.”

وعند عودته قال مازحاً:

“مولاي، إن عيسى عليه السلام يرسل لك السلام.”

أعجب السلطان بجرأته، فكافأه بتعيينه في رتبة “سباهي” ضمن الجيش الإنكشاري، براتب يومي قدره 70 أقجة.



شهادة أوروبية: موريتز روفافيك

بعد قرون، عاد اسم جلبي ليُذكر في الغرب. ففي حديث صحفي مع موريتز روفافيك، مدير متحف الطيران في أوسلو، نشرته جريدة Weekly World News بتاريخ 15 ديسمبر 1998، أكّد أن أول محاولة لاستخدام الصواريخ في الطيران كانت لرجل تركي في القرن السابع عشر.

وأشار إلى أن الصاروخ ارتفع لمسافة 900 قدم (حوالي 275 متراً)، وأنه كان مكوّناً من جزأين: قاعدة تضم ستة صواريخ صغيرة، وجزء علوي يحمل الراكب. هذه الشهادة تضفي مصداقية إضافية على روايات أوليا جلبي، وتُظهر أن الشرق كان سبّاقاً حتى في مجال الدفع الصاروخي.



بين العلم والأسطورة

قد يشكك البعض في دقة تفاصيل هذه الروايات، خاصة وأن المصدر الأساسي هو أوليا جلبي المعروف بقدر من الخيال في وصفه. لكن حتى لو بالغ في بعض الجزئيات، فإن مجرد تداول فكرة “الطيران بالصواريخ” في القرن السابع عشر يكشف عن عقلية تبحث عن الابتكار، وعن بيئة حضارية لا ترى في المستحيل سوى تحدٍ ينبغي تجاوزه.



الإرث والرمزية

أهمية أحمد حسن جلبي لا تكمن فقط في نجاحه بالتحليق من برج غلاطة أو تجربته الصاروخية، بل في رمزيته كرائد للعلم الشعبي والابتكار الفردي. لقد سبق عصره بجرأته، ووقف في منتصف الطريق بين الأسطورة والعلم.

حين نقارنه بـ الأخوين رايت، ندرك أن الفارق ليس في الحلم، بل في الأدوات المتاحة. الغرب امتلك لاحقاً الصناعة والدعم المؤسسي، فحوّل الطيران إلى واقع دائم. أما جلبي، فبإمكاناته البسيطة، استطاع أن يثبت أن الفكرة ممكنة، وأن السماء ليست حكراً على الطيور.



في الختام: الحلم الإنساني المشترك

من عباس بن فرناس في الأندلس، إلى الجوهري في نيسابور، إلى أحمد حسن جلبي في إسطنبول، وصولاً إلى الأخوين رايت في أمريكا، نرى خيطاً واحداً يشد البشرية جميعاً: الرغبة في كسر قيود الجاذبية والتحليق نحو السماء.

لقد ركب جلبي صاروخاً وقال إنه ذاهب للقاء عيسى عليه السلام. ربما كان ذلك مزاحاً، وربما كان إيماناً صادقاً بأن السماء أقرب مما نظن. لكن المؤكد أنه ترك لنا درساً عميقاً: أن الجرأة في الحلم هي الخطوة الأولى نحو كل إنجاز.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)       Ozjan_Yeshar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف أتصالح مع الجانب المظلم داخلي وأحب ذاتي بصدق؟
- النور الخفي يشع في روح الإنسان… لكن البعض لا يرى سوى العتمة
- حكاية الثعلب الماكر والمزرعة الواسعة
- الذكاء العاطفي وإدارة الأولويات: عندما تقود المشاعر قراراتنا
- غياب الفهم المتبادل: سجن للروح أم حرية في ظل التواصل الإنسان ...
- تركيا الحديثة بين الحقائق والمزايدات: كمال أتاتورك وعصمت إين ...
- توحش الحليف وغدر الصديق: كيف خانت الولايات المتحدة قطر مرتين
- التوقعات التي تحمي النوايا الطيبة من الصدمات
- الرضا الذاتي: السيادة على النفس ومعنى الحرية الداخلية
- حين تكشفنا الكلمات… من مزحة مارك توين إلى ثعبان الاجتماعات
- راسبوتين: أسطورة راهب أو مشعوذ يتراقص فوق حافة عرش يترنّح؟
- ومضات من حياة تولستوي
- الخيانة: بين الوعي والقرار والأثر النفسي
- لوحة الطوفان: صراع الإنسان بين الماضي والمستقبل.. نقد تحليلي ...
- قراءة في خرفان بانورج: بين السخرية والمجتمع في ملحمة رابلي ا ...
- كذبة الكناري ووصيّة الحمار الوحشي
- الجنس عبر الحضارات: من طقوس الخلق إلى ثورات الحرية
- النخب العربية بين الوعي والتخاذل: مأساة أمة تعرف الطريق ثم ت ...
- الإخوة كارامازوف: ملحمة النفس البشرية بين الإيمان والشك
- خرفان بانورج: بين سيكولوجية القطيع وتميّز العقل الحر


المزيد.....




- نهاية -صادمة- لـ-أسورة المتحف المصري- التي شغلت الرأي العام ...
- تحليل لـCNN: السعودية تلجأ إلى باكستان -الحليف النووي- مع تر ...
- غزة في مواجهة -الروبوتات المفخخة-: سلاح إسرائيلي يثير الرعب ...
- -هجوم المعبر-.. القتيلان جنديان وإسرائيل تنتقد الأردن
- بعد هجوم الدوحة.. هل دخلت -معادلة الردع العربي- حيز التنفيذ؟ ...
- ترامب لرؤساء شركات الـ AI: أنتم تتحكمون في العالم
- ترامب: كان من الممكن أن يكون شارلي كيرك رئيسا لأميركا
- فيتو أميركي يفشل مشروع قرار بمجلس الأمن لوقف حرب غزة
- صورة جديدة للزعيم -عادل إمام- تشعل مواقع التواصل
- سوريا.. إسرائيل تتوغل بريف القنيطرة وتتجه لإخلاء السكان


المزيد.....

- كتّب العقائد فى العصر الأموى / رحيم فرحان صدام
- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أوزجان يشار - التركي الذي ركب صاروخاً ليتحدث مع المسيح عيسى عليه السلام