أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رياض قاسم حسن العلي - أفول أوروبا: بين النقد الجذري لأونفراي والسخرية الاستراتيجية لكيسنجر – تشريح لأزمة الوجود















المزيد.....

أفول أوروبا: بين النقد الجذري لأونفراي والسخرية الاستراتيجية لكيسنجر – تشريح لأزمة الوجود


رياض قاسم حسن العلي

الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 00:13
المحور: قضايا ثقافية
    


في المشهد الفكري والسياسي المعاصر تحولت خطابات "أفول أوروبا" أو "انحسارها" إلى إطار تحليلي مركزي يتردد صداه داخل صالونات بروكسل وقاعات الجامعات على حد سواء. هذا الخطاب يشير إلى تراجع بطيء وتآكلي للقوة الناعمة والنفوذ الجيوسياسي للقارة العجوز. وفي صلب هذا الجدل، تبرز مقولتان تفصل بينهما نصف قرن، لكنهما تتقاسمان جوهر رؤية نقدية قاسية: بلاغة الفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفراي الجارحة، وسخرية الدبلوماسي الأمريكي هنري كيسنجر اللاذعة.

●أونفراي: تشريح جثة المشروع الأوروبي على طاولة الديمقراطية

عندما أعلن ميشيل أونفراي في مطلع 2025 أن "الأوروبيين لا وجود لهم، لقد انتهى دورهم" كان يختزل نقدًا فلسفيًا وسياسيًا جذريًا للمشروع الأوروبي برمته. تحويله الاتحاد الأوروبي إلى "مجرد سوق اقتصادي" و"اتحاد للمال" هو اتهام مباشر بتجريد القارة من روحها السياسية والحضارية. يشير أونفراي إلى عملية التحول الجوهري من حلم تأسيسي كان يطمح إلى "وحدة ever closer -union-" كما نصت معاهدة روما، إلى كيان تكنوقراطي تهيمن عليه حسابات الميزانية والليبرالية الاقتصادية المتطرفة.
وقصة الاستفتاءات الفرنسية والهولندية عام 2005، التي رفضت الدستور الأوروبي، ثم إحياء جوهره عبر معاهدة لشبونة 2007 التي لم تُعرض للاستفتاء في معظم الدول، ليست مجرد حادثة عابرة في نظر أونفراي. إنها "الجريمة الأصلية" للاتحاد. فهذه الخطوة مثلت لحظة فاصلة تم فيها تهميش الإرادة الشعبية بشكل صارخ لصاق النخب التقنية والمالية في بروكسل وفرانكفورت وبرلين. بذلك، يرى أونفراي أن الشرعية الديمقراطية للمشروع الأوروبي قد شُوهت من المنبع، مما خلق فجوة سحيقة لا تُردم بين المؤسسات والمواطن، وجعلت من «المواطن الأوروبي» مجرد وهم قانوني بلا إرادة سياسية حقيقية.

●كيسنجر: السخرية التي كشفت الفراغ الاستراتيجي منذ سبعينات القرن الماضي

أما سؤال كيسنجر الساخر قبل خمسة عقود: "ما هو رقم الهاتف الذي يمكن الاتصال به إذا أرادت الولايات المتحدة أن تتحدث مع أوروبا؟" فهو يشخص اعراضا مختلفة لنفس الداء. إذا كان نقد أونفراي يركز على الأزمة الداخلية (التمثيل الديمقراطي)، فإن سؤال كيسنجر يسلط الضوء على الأزمة الخارجية (التمثيل الجيوسياسي).
كانت السخرية تعكس إحباط واشنطن من عدم قدرتها على التعامل مع كيان موحد ومسؤول في المجالين السياسي والعسكري. ففي أوج الحرب الباردة، كانت أوروبا الغربية حليفًا اقتصادياً وعسكرياً بالغ الأهمية، لكنها ظلت تابعة استراتيجيًا. لقد كشف السؤال عن حقيقة مفادها أن أوروبا، رغم ثقلها الاقتصادي، كانت مجموعة من الدول ذات أولويات متباينة، تفتقر إلى آلية خارجية وسياسة أمنية موحدة تجعلها "فاعلاً" مستقلًا وليس "رديفًا". واليوم، ورغم إنشاء منصب الممثل السامي للشؤون الخارجية، يظل هذا السؤال ملحًا في ظل الأزمات الدولية، حيث تتخذ عواصم أوروبية كبرى قراراتها بشكل منفرد غالبًا قبل التنسيق مع بروكسل.

●الجذر المشترك: الفجوة الهيكلية بين الاقتصاد والسياسة

وراء هذه البلاغة النقدية المتباعدة، تكمن إشكالية واحدة جوهرية: الفجوة الهيكلية بين القوة الاقتصادية الهائلة وأزمة التمثيل السياسي، داخليًا وخارجيًا.
الداخلي: ديمقراطية بلا ديموس (شعب) حيث يُدار التكامل الأوروبي بمنطق إداري تقني يفضل الكفاءة والاستقرار النقدي على المشاركة الشعبية. المؤسسات الأوروبية (المفوضية، البنك المركزي) قوية وفعالة، لكنها بعيدة عن النقاش العام المباشر. هذا يخلق ما يسمى "العجز الديمقراطي"، حيث يشعر المواطنون أن القرارات المصيرية (التقشف، الهجرة، الطاقة) تُفرض عليهم من فوق، مما يغذي الشعبوية واليوروسيكية (الشكوكية تجاه الاتحاد الأوروبي).
· الخارجي: قوة اقتصادية بلا إرادة استراتيجية حيث ظل الاتحاد الأوروبي رهينًا للإطار الأمني الذي يهيمن عليه حلف الناتو، وبالتالي الولايات المتحدة. لقد حدّ هذا من قدرة أوروبا على تطوير هوية استراتيجية مستقلة تعكس مصالحها الخاصة بشكل كامل. الأزمات المتعاقبة، من البلقان إلى أوكرانيا، أظهرت الحاجة الملحة لهذه الاستقلالية، لكن تحقيقها يصطدم بتباين الأولويات الوطنية والتبعية التاريخية للأمن الأمريكي.

●ما وراء خطاب "الأفول": أزمة هوية وشرعية لا انهيار مادي

إن وصف الحالة بأنها "أفول" قد يكون دراماتيكيًا، لكنه مفيد إذا فهمناه ليس بمعنى الاختفاء، بل بمعنى "التغيير" و"فقدان المركزية". أوروبا ليست لا شيء؛ فهي لا تزال قوة اقتصادية كبرى، ومتحف العالم الحيوي، ومخزونًا حضاريًا وتاريخيًا هائلاً. التحدي الحقيقي الذي يكشفه خطاب الأفول هو أزمة الهوية والشرعية.
التحدي المطروح هو كيف تتحول أوروبا من كونها "ناديًا ماليًا: متطورًا، أو :فضاءً اقتصادياً" مغلقاً، إلى "مشروع سياسي" حقيقي. مشروع ينجح في بناء شرعية داخلية جديدة عبر إعادة اختراع الديمقراطية على المستوى فوق الوطني، وإيجاد سبل حقيقية لمشاركة المواطن في صنع القرار الأوروبي، ربما عبر تقوية البرلمان الأوروبي أو آليات الديمقراطية المباشرة.
وينجح كذلك في صياغة استقلالية استراتيجية من خلال تطوير قدرة دفاعية ودبلوماسية موحدة تمكنها من الدفاع عن مصالحها في عالم متعدد الأقطاب، حيث التنافس بين الولايات المتحدة والصين وروسيا يفرض عليها أن تكون لاعبًا وليس رقعة في لعبة الآخرين.
وايضا ينجح في المزاوجة بين القيم والمصالح من خلال إعادة تعريف دورها كقوة ناعمة قائمة على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن بطريقة واقعية تدرك متطلبات القوة في نظام دولي قاس.

الأفول فرصة للنهضة؟

إن "أفول أوروبا" الذي يتحدث عنه أونفراي وكيسنجر يُقاس بالضرورة بقدرة القارة على إعادة اختراع عقدها الاجتماعي والسياسي. إنها مسألة شرعية أكثر منها مسألة قوة. القدرة على خلق توازن جديد بين إرادة الشعوب وحاجات السوق، وبين الاستقلالية الاستراتيجية وضرورات التحالف في نظام دولي مضطرب.
عندها فقط، يمكن لأوروبا أن تتحرر من صورة "العملاق الاقتصادي والقزم السياسي"، وأن تستعيد موقعها كفاعل حضاري استراتيجي حقيقي، يمتلك أخيرًا "رقم هاتف" واضحًا، والأهم من ذلك، يمتلك الإرادة والشرعية لردّ على من يتصل به.



#رياض_قاسم_حسن_العلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القنفذ والشعر: دريدا وبلاغة المأزق
- حين تتحول الكلمات إلى أصنام: رؤية فلسفية للغة والفكر
- التسعينات: نوستالجيا الخراب هوامش غير مكتملة
- رافاييل: الجمال والانسجام
- وهم الاختيار في الديمقراطية المعاصرة
- الإنسان المعاصر بين الواقع والواجهة
- حين يستحم النص: لعبة ما بعد الحداثة في -حمّام النساء- لندى س ...
- الموضوعية والذاتية: إشكالية الفكر بين الحياد والانحياز
- في نقد الإيديولوجية النسوية
- الوطن بين الاسلام السياسي والماركسية والقومية والاستعمار / ر ...
- الصداقة في الجامعة والجيش والسجن
- نساء الخلفاء: وثيقة عن الحريم والسلطة وتحولات النفوذ النسائي ...
- مجرد ذكرى يمحمد
- هد وانا اهد
- يمحمد
- منقذي من الظلال
- في ذكرى الغزو ...رواية جديدة لا يعرفها احد
- في ذكرى غزو الكويت: سردية الدولة بين النشأة والمحو
- التزوير في التاريخ الإسلامي: سلطة الرواية واغتيال الذاكرة
- دمٌ يُضيء الطريق: الطف بوصفه سفر المعنى


المزيد.....




- ما دور تركيا في فريق البحث عن الجثث في غزة؟
- القضاء الأمريكي يلاحق جون بولتون بتهم تتعلق بمعلومات سرية
- تطور مفاجئ.. ترامب سيلتقي بوتين في بودابست -خلال أسبوعين-
- اختراق مكبرات الصوت في مطارات بكندا وأميركا لدعم حماس
- مصر تمارس ضغوطا على حماس لوقف -الإعدامات الميدانية-
- جون بولتون.. اتهام مستشار ترامب السابق بـ-مشاركة معلومات سري ...
- القضاء الأميركي يوجه الاتهام لجون بولتون مستشار ترامب السابق ...
- باستثناء دولتين.. زيلينسكي مستعد للقاء بوتين في أي مكان
- حماس تكشف سبب تأخر إعادة ما تبقى من رفات الرهائن
- اتصال بين ترامب ونتنياهو بشأن اتفاق غزة و رفات الرهائن.. ومص ...


المزيد.....

- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رياض قاسم حسن العلي - أفول أوروبا: بين النقد الجذري لأونفراي والسخرية الاستراتيجية لكيسنجر – تشريح لأزمة الوجود