أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض قاسم حسن العلي - في ذكرى الغزو ...رواية جديدة لا يعرفها احد















المزيد.....

في ذكرى الغزو ...رواية جديدة لا يعرفها احد


رياض قاسم حسن العلي

الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 02:47
المحور: الادب والفن
    


صباح الثاني من آب،
كنتُ في سوق البصرة،
أبيع خردةً سرقتها من صديقٍ طيّب،
أحبني دون سبب.

كان الضوء ثقيلاً كأنه يتهجّى خطوات الحرب،
والسماء تميل بلونٍ لا يشبه شيئًا.
في الغروب،
وقفتُ قرب جامع البصرة الكبير،
أنتظر الباص الأصفر
الذي يعرفه كلُّ أبناء المدينة الملوّنة بالحزن.

كنت في الثامنة عشر
ولم أكن قد تعلّمت بعد أن للخرائط مخالب.
الرفاق صعدوا واحدًا تلو الآخر،
بقيتُ أنا، وفتاة لم تسألني شيئًا.

جاء رجال بملابس لا أعرفها،
سألوني عن هويتي،
وأخذوني في سيارة عسكرية،
قالوا إنها "زيل"،
هكذا سمعت الاسم للمرة الأولى،
تمامًا كما سمعت لاحقًا كلمة: الجهراء.

الهواء كان ساخنًا كأنه غضب الآلهة،
وجهي ناعم، وقلبي خائف.
أعطوني زمزمية وبسكت مالح،
وفكرت بأمي،
ربما الآن تغسل الصحون وتنتظرني كي أعود بالخردة،
لم تكن تعرف أنني سأسكن الرمل والريبة لأشهر.

كنا ثلاثة في المكان:
خزان ماء، وحدة عسكرية مهجورة، والكثير من الطعام
وصوت الضباع أو الذئاب – لا فرق –
يعلو في صمت الليل ويعضّ الذاكرة.

في جيبي كانت بقايا علبة "سومر"،
لكن الغرف هناك تمتلئ بسكاير لا تعرف الجوع،
وتلفاز قديم، وأشرطة فيديو
وعالم يشبه الحلم، أو الكابوس.

بكيت.
ليس لأنني كنت خائفًا،
بل لأنني لم أعد أعرف ما إذا كنتُ على قيد الصدفة
أو قيد الوطن.

مرّ شهران كما تمر الحمى في الجسد النحيل.
قال لي أحمد – من الزبير –
"لنذهب إلى الكويت".
كأنها بلد آخر، أو شرفة للعالم السفلي.

دخلناها كما يدخل العشّاق مدينة ممنوعة،
مشينا في شارع الخليج
لا أحد في الشارع
إلا الهنود يبيعون أثاثًا
هجره ناسه بلا وداع.

أخذنا أشرطة كاسيت
لعبد الله رويشد، نبيل شعيل، وكاظم الساهر
وركضنا في المغيب
كما يركض صبيان الغبار خلف الضوء.

عدنا إلى الجهراء مشيًا،
فالكويت صغيرة
لكنها تسكن القلب كقنبلة مؤجلة.

بعد يومين
أخذونا إلى ساحة سعد
أعطونا دنانير
قالوا: "مكرمة من القائد".

ضحكت.
كنتُ ما زلتُ جائعًا
لكن المال كان يلمع كخديعة حنونة.

بعد أشهر،
سقط التمثال نفسه تحت أحذية الناس
في الساحة ذاتها.

هكذا فقط،
بدأت أفهم أن الحرب
ليست صراخ المدافع،
بل همس الذي يبكي وحده
ولا يسأله أحد: لماذا؟

صباح الثاني من آب،
كنتُ في سوق البصرة،
أبيع خردةً سرقتها من صديقٍ طيّب،
أحبني دون سبب.

كان الضوء ثقيلاً كأنه يتهجّى خطوات الحرب،
والسماء تميل بلونٍ لا يشبه شيئًا.
في الغروب،
وقفتُ قرب جامع البصرة الكبير،
أنتظر الباص الأصفر
الذي يعرفه كلُّ أبناء المدينة الملوّنة بالحزن.

كنت في الثامنة عشر
ولم أكن قد تعلّمت بعد أن للخرائط مخالب.
الرفاق صعدوا واحدًا تلو الآخر،
بقيتُ أنا، وفتاة لم تسألني شيئًا.

جاء رجال بملابس لا أعرفها،
سألوني عن هويتي،
وأخذوني في سيارة عسكرية،
قالوا إنها "زيل"،
هكذا سمعت الاسم للمرة الأولى،
تمامًا كما سمعت لاحقًا كلمة: الجهراء.

الهواء كان ساخنًا كأنه غضب الآلهة،
وجهي ناعم، وقلبي خائف.
أعطوني زمزمية وبسكت مالح،
وفكرت بأمي،
ربما الآن تغسل الصحون وتنتظرني كي أعود بالخردة،
لم تكن تعرف أنني سأسكن الرمل والريبة لأشهر.

كنا ثلاثة في المكان:
خزان ماء، وحدة عسكرية مهجورة، والكثير من الطعام
وصوت الضباع أو الذئاب – لا فرق –
يعلو في صمت الليل ويعضّ الذاكرة.

في جيبي كانت بقايا علبة "سومر"،
لكن الغرف هناك تمتلئ بسكاير لا تعرف الجوع،
وتلفاز قديم، وأشرطة فيديو
وعالم يشبه الحلم، أو الكابوس.

بكيت.
ليس لأنني كنت خائفًا،
بل لأنني لم أعد أعرف ما إذا كنتُ على قيد الصدفة
أو قيد الوطن.

مرّ شهران كما تمر الحمى في الجسد النحيل.
قال لي أحمد – من الزبير –
"لنذهب إلى الكويت".
كأنها بلد آخر، أو شرفة للعالم السفلي.

دخلناها كما يدخل العشّاق مدينة ممنوعة،
مشينا في شارع الخليج
لا أحد في الشارع
إلا الهنود يبيعون أثاثًا
هجره ناسه بلا وداع.

أخذنا أشرطة كاسيت
لعبد الله رويشد، نبيل شعيل، وكاظم الساهر
وركضنا في المغيب
كما يركض صبيان الغبار خلف الضوء.

عدنا إلى الجهراء مشيًا،
فالكويت صغيرة
لكنها تسكن القلب كقنبلة مؤجلة.

بعد يومين
أخذونا إلى ساحة سعد
أعطونا دنانير
قالوا: "مكرمة من القائد".

ضحكت.
كنتُ ما زلتُ جائعًا
لكن المال كان يلمع كخديعة حنونة.

بعد أشهر،
سقط التمثال نفسه تحت أحذية الناس
في الساحة ذاتها.

هكذا فقط،
بدأت أفهم أن الحرب
ليست صراخ المدافع،
بل همس الذي يبكي وحده
ولا يسأله أحد: لماذا؟

صباح الثاني من آب،
كنتُ في سوق البصرة،
أبيع خردةً سرقتها من صديقٍ طيّب،
أحبني دون سبب.

كان الضوء ثقيلاً كأنه يتهجّى خطوات الحرب،
والسماء تميل بلونٍ لا يشبه شيئًا.
في الغروب،
وقفتُ قرب جامع البصرة الكبير،
أنتظر الباص الأصفر
الذي يعرفه كلُّ أبناء المدينة الملوّنة بالحزن.

كنت في الثامنة عشر
ولم أكن قد تعلّمت بعد أن للخرائط مخالب.
الرفاق صعدوا واحدًا تلو الآخر،
بقيتُ أنا، وفتاة لم تسألني شيئًا.

جاء رجال بملابس لا أعرفها،
سألوني عن هويتي،
وأخذوني في سيارة عسكرية،
قالوا إنها "زيل"،
هكذا سمعت الاسم للمرة الأولى،
تمامًا كما سمعت لاحقًا كلمة: الجهراء.

الهواء كان ساخنًا كأنه غضب الآلهة،
وجهي ناعم، وقلبي خائف.
أعطوني زمزمية وبسكت مالح،
وفكرت بأمي،
ربما الآن تغسل الصحون وتنتظرني كي أعود بالخردة،
لم تكن تعرف أنني سأسكن الرمل والريبة لأشهر.

كنا ثلاثة في المكان:
خزان ماء، وحدة عسكرية مهجورة، والكثير من الطعام
وصوت الضباع أو الذئاب – لا فرق –
يعلو في صمت الليل ويعضّ الذاكرة.

في جيبي كانت بقايا علبة "سومر"،
لكن الغرف هناك تمتلئ بسكاير لا تعرف الجوع،
وتلفاز قديم، وأشرطة فيديو
وعالم يشبه الحلم، أو الكابوس.

بكيت.
ليس لأنني كنت خائفًا،
بل لأنني لم أعد أعرف ما إذا كنتُ على قيد الصدفة
أو قيد الوطن.

مرّ شهران كما تمر الحمى في الجسد النحيل.
قال لي أحمد – من الزبير –
"لنذهب إلى الكويت".
كأنها بلد آخر، أو شرفة للعالم السفلي.

دخلناها كما يدخل العشّاق مدينة ممنوعة،
مشينا في شارع الخليج
لا أحد في الشارع
إلا الهنود يبيعون أثاثًا
هجره ناسه بلا وداع.

أخذنا أشرطة كاسيت
لعبد الله رويشد، نبيل شعيل، وكاظم الساهر
وركضنا في المغيب
كما يركض صبيان الغبار خلف الضوء.

عدنا إلى الجهراء مشيًا،
فالكويت صغيرة
لكنها تسكن القلب كقنبلة مؤجلة.

بعد يومين
أخذونا إلى ساحة سعد
أعطونا دنانير
قالوا: "مكرمة من القائد".

ضحكت.
كنتُ ما زلتُ جائعًا
لكن المال كان يلمع كخديعة حنونة.

بعد أشهر،
سقط التمثال نفسه تحت أحذية الناس
في الساحة ذاتها.

هكذا فقط،
بدأت أفهم أن الحرب
ليست صراخ المدافع،
بل همس الذي يبكي وحده
ولا يسأله أحد: لماذا؟



#رياض_قاسم_حسن_العلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى غزو الكويت: سردية الدولة بين النشأة والمحو
- التزوير في التاريخ الإسلامي: سلطة الرواية واغتيال الذاكرة
- دمٌ يُضيء الطريق: الطف بوصفه سفر المعنى
- الدنيا رطب عالي
- الكتب التي لا ينبغي قراءتها: عن بروست، الذائقة، والنقد الذي ...
- الترجمة كجسر للتواصل الثقافي عبر التاريخ: نحو فهم نظري وتاري ...
- الشرق شرق والغرب غرب-: تحليل لخطاب الثنائية في ضوء النقد ما ...
- النقد الانطباعي: تأملات في التجربة الجمالية والوعي الذاتي
- تأثير النقد الغربي في الأدب العربي: من الترجمة إلى التمثّل
- من يكتب التاريخ؟ في أنماط السرد، ومحو الآخر، ومقاومة النسيان
- زهرة الخشخاش لخيري شلبي/ حكاية البحث عن الوجود والاغتراب الا ...
- موت إلهٍ من بابل
- مجرد ذكرى
- محو الآخر هوامش غير مكتملة
- المركزية البغدادية وهامش المحافظات
- شقشقة عراقية 4 غضب العراقي وحزنه
- شقشقة عراقية 3
- شقشقة عراقية ( 2)
- شقشقة عراقية
- ظهيرة سوق البصرة القديم


المزيد.....




- مغني الـ-راب- الذي صار عمدة نيويورك.. كيف صنعت الموسيقى نجاح ...
- أسرة أم كلثوم تتحرك قانونيا بعد إعلان فرقة إسرائيلية إحياء ت ...
- تحسين مستوى اللغة السويدية في رعاية كبار السن
- رش النقود على الفنانين في الأعراس.. عادة موريتانية تحظر بموج ...
- كيف نتحدث عن ليلة 13 نوفمبر 2015 في السينما الفرنسية؟
- ميريل ستريب تلتقي مجددًا بآن هاثاواي.. إطلاق الإعلان التشويق ...
- رويترز: أغلب المستمعين لا يميزون الموسيقى المولدة بالذكاء ال ...
- طلاق كريم محمود عبدالعزيز يشغل الوسط الفني.. وفنانون يتدخلون ...
- المتحف الوطني بدمشق يواصل نشاطه عقب فقدان قطع أثرية.. والسلط ...
- وزارة الثقافة السورية تصدر تعميما بمواصفات 6 تماثيل مسروقة م ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض قاسم حسن العلي - في ذكرى الغزو ...رواية جديدة لا يعرفها احد