أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض قاسم حسن العلي - موت إلهٍ من بابل














المزيد.....

موت إلهٍ من بابل


رياض قاسم حسن العلي

الحوار المتمدن-العدد: 8344 - 2025 / 5 / 16 - 16:14
المحور: الادب والفن
    


بعض الشعراء رثوا أنفسهم، ولم أجد فيهم من هزّني قوله إلاّ مالك بن الريب في واحدته الشهيرة التي يقول فيها:
خُذاني فجُرّاني ببردي إليكما
فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا
وكذلك محمود درويش الذي يقولُ:
أَيُّها الموتُ انتظرني خارج الأرض،
انتظرني في بلادِكَ،
ريثما أُنهي حديثاً عابراً مَعَ ما تبقَّى من حياتي .. قرب خيمتكَ..
----------
لكن ما فعله موفق محمد في قصيدته التي رثى فيها نفسه فاق كل ما قاله الشاعران أعلاه وتفوق عليهما ، وكيف لا يتفوق عليهما وهو يرى الموت يحيط بالعراقيين من كل الجوانب ، الموت الذي يأتي بلا سبب، وهل الموت يحتاج سبباً كي يأتي؟ كأن موفق حينما يرثي نفسه، فإنه يرثي كل عراقي مازال على قيد الحياة بصدفة غريبة، فالقاعدة عند العراقي هي الموت، والاستثناء هو الحياة.
ميزة موفق محمد كانت أنه الشاعر المعاصر الوحيد الذي لو سار في الشارع عرفه الناس، وإلا دلوني على شاعر يعرفه الناس إذا سار في الشارع ، الشاعر الحقيقي هو الذي يكون مع الناس، ربما كان موفقًا آخر الشعراء الصعاليك.
وميزته الأخرى التي قربته من الناس أنه يكتب لهم، يكتب ما يشعر به بحداثة فائقة، لكن لهم ، كأنه يقول للناس إن ما تشعرون به هو ما أشعر به والعكس صحيح ، يكتب بلغة شعرية، باذخة الجمال والعذوبة، لكنها مفهومة للجميع ، ومن فرط سهولة ما يُكتب مُوفقٌ فأن القارئ أو مستمع القصيدة يرجع إليها مرات عديدة ليُكتشف فيها مواطن جمال جديدة، وهذه البساطة في الكتابة لا يقدر عليها إلا الواثقون من أنفسهم ومن قدراتهم، المليئون بالفكر والمثقفون الحقيقيون ، يكتب نصوصه ليُرميها في أحضان الناس ليرددوها بعده كمنشدين بابليين في شارع المواكب.
موفق محمد لا ينتمي إلى أي جيل شعري محدد، بل هو جيل شعري بحد ذاته، ومدرسة في الشعر على الآخرين أن يتبعوها ويكتبوا مثله إن استطاعوا ، ظاهرة شعرية وحياتية متميزة ، وعلى الرغم من أنه ينتمي تاريخيًا إلى ستينيات الاحتجاج والغضب، لكنه في الحقيقة ينتمي إلى هذا الوجع العراقي الذي وصل إلى قمته في التسعينيات ولم يهبط حتى الآن.
انسلخ موفق من كل اتجاهات الشعر العراقي ليؤسس له اتجاهًا جديدًا، مستفيدًا من كل ما سبق بجدلية لا يفعلها إلا شاعر ينتمي إلى هذه التربة الخصبة.
ذات يوم كتبت متوهمًا أن موفقًا يسير خلف خطوات كزار حنتوش، لكن بدا لي لاحقًا أنه تخطى ابن حنتوش وسار وحده جانب شط الحلة وأزقة محلة الطاق، لا يشبه أحدًا إلا نفسه.
من يتذكر قصيدته التي يرثي فيها عضواً مهماً في جسده، تلك القصيدة التي تذكرنا بتلك القصائد التي كتبها شعراء المجون؟ لكن متى كانت قصيدة موفق تلك قصيدة مجون؟ السخرية في شعر موفق لا تأتي كونها سخرية، بل هي تمثيل للكوميديا السوداء التي تسعدنا في الظاهر، لكنها تتحدث عن عمق مآساتنا التي نعيشها كل يوم.
من حق الحلاوين ان يفتخروا بموفق كما افتخروا بالرجال والنساء العظام في مدينتهم الجميلة.
أحببتُ الحلة من ثلاثة: من سعدي، ومن موفق، ومن بنت تكتب القصة، تعرفتُ عليها خلسة ولم أرها حتى الآن. فكانت تأتيني في الأحلام كأنها قدرٌ حلاوي ، وهي التي سأهديها مكتبتي كلها بعد موتي.
-------
كُل ما ارجوه من السادة المشيعين السائرين بي الى مقبرة السلام
قريباً من قبر أبي
ان يرسموا في شاهدتي ناياً يصدحُ ..
وقنينةَ خمرٍ تُضيءُ ليّ الطريقا
وان يغادروا قبري قبل ان يبدأ الملقنون،
فلا وقت لديّ في الليلة الاولى
سأزور الشهداء القديسين؛
و أراهم يفركون راحاتهم ندماً
فقد قتلوا من أجل ان يتربع "شعيط و معيط" على صدورنا!
بسياراتهم الرباعيّة الدفعِ وبأنواتهم التي ما انزل اللهُ بِها من سلطان
و اقول لهم: طبتم موتاً! فمازال اطفالكم يشحذون في الاشارات الضوئية
و نسائكم يتقوسنّ بين التقاعد و العقار
و امهاتكم في اخر صيحات الموت،
تلالٌ من العبائات السود تطير نائحاً الى السماء
و أسمعُ صوت أبي: يا ولدي أُركد في قبرِك، هذه ليلتك الاولى
و هنالك استمارات لابُدَّ من ملئها
و في الليلة الثانية..
سأزور صديقي حسنّاً؛ الذي اوصاني ان أتسللَ بعد منتصف الليلِ خلسةً الى قبرهِ
و أرى القبور تتلفتُ مذعوراً حولهُ
وك حسن؛ كُفَّ أنينك! اتعبت الموتى
سُلمٌ من غضبٍ ينشقُ عن قبرك لا تلويه ريحُ!
انت في قمتهِ؛
تقتصُ من رأسِكَ سكرانَ تَصيحُ: لم يرحني الموتُ لم يقرأ على قلبي السلاما
و شرابُكَ خشن الملمسِ يا حسون؛ أدمى كبدك!
انه يحفر في جُرفِكَ سوّاك حُطاما
لا فرقَ اذاً..
كان حسنٌ قبراً فوق الارضِ؛ ينفخُ ناياً و ربابا
صار حسنّ قبراً تحت الارض
و يسري في القبور؛ يسئلُ الاموات عن نفخةِ صُور
فقد هيَّأ للربِ عتابا...



#رياض_قاسم_حسن_العلي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجرد ذكرى
- محو الآخر هوامش غير مكتملة
- المركزية البغدادية وهامش المحافظات
- شقشقة عراقية 4 غضب العراقي وحزنه
- شقشقة عراقية 3
- شقشقة عراقية ( 2)
- شقشقة عراقية
- ظهيرة سوق البصرة القديم
- شذرة 15 الدين والتحريم
- شذرة 14 الدين والأخلاق
- حسين منه وهو من حسين
- شذرة 13 الارادة الانسانية
- شذرة 12 العقيدة والانسان
- غدير الاتمام لدين أكتمل/ رؤية شخصية
- ليس شعرا بل واقعة حدثت
- شذرة 10. الفرق الإسلامية/ التوافق والاختلاف
- شذرة 11 الدين والحرب
- شذرة 9 نظرة إلى التراث
- شذرة 7
- عبد الإله منشد المحمداوي وملحمة يمحمد


المزيد.....




- أسرة العندليب تنشر خطابا بخط يد -حبيبته- الشهيرة للرد على شا ...
- مسئولون عسكريون إسرائيليون: حسمنا المعركة في غزة ويجب ترجمة ...
- بعد أول محادثات مباشرة بينهما منذ 2022.. أوكرانيا وروسيا تكش ...
- -رسوماتها إبرة تخيط جراح غزة-.. مقتل الفنانة الفلسطينية إلها ...
- في سابقة تاريخية.. CNN تعرض مسرحية لجورج كلوني في بث مباشر م ...
- “مفيش زن وعياط من تاني” اضبط فورا تردد قناة طيور الجنة 2025 ...
- بيبر يكشف حقيقة تعرضه لاعتداء جنسي من طرف ديدي حين كان مراهق ...
- ضباط القوات المسلحة الإندونيسية سيتعلمون اللغة الروسية
- -10 قصص عن الحب والموت-.. مسلسل تلفزيوني عن أحداث دونباس
- بعد غياب 3 سنوات.. توم كروز يعود إلى مهرجان كان بفيلم -المهم ...


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض قاسم حسن العلي - موت إلهٍ من بابل