أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رياض قاسم حسن العلي - الإنسان المعاصر بين الواقع والواجهة














المزيد.....

الإنسان المعاصر بين الواقع والواجهة


رياض قاسم حسن العلي

الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 00:11
المحور: قضايا ثقافية
    


تقول الشاعرة المصرية إيمان مرسال"في النهاية، كلنا مشاريع فاشلة تحاول أن تبدو جيدة على إنستغرام"

تضعنا هذه العبارة المختصرة، والساخرة في الوقت نفسه، أمام أزمة وجودية واجتماعية عميقة: الإنسان المعاصر يعيش في عالم مزدوج، حيث الواقع اليومي الذي يعيشه جسديًا ونفسيًا، والواجهة الرقمية التي يمثلها أمام الآخرين. هذا الثنائي هو انعكاس لتفاعلات تاريخية ونفسية واجتماعية أعمق، تتطلب تحليلاً فلسفيًا واجتماعيًا ونقديًا.
تصور مرسال الإنسان كـ"مشروع فاشل" يعكس فهمًا فلسفيًا عميقًا للوجود الإنساني. الفشل هنا حالة وجودية مرتبطة بالوعي بالذات والحدود البشرية، لا مجرد نتيجة فعلية.
سورين كيركغور في فلسفة القلق والفشل يشير إلى أن إدراك الإنسان لعدم كماله يولّد شعورًا بالقلق، لكنه أيضًا المحرك الأساسي للتطور والبحث عن معنى. بهذا المنظور، الفشل مرحلة نقدية ووجودية ضرورية لفهم الذات وإعادة بنائها.
جان بول سارتر، من جهة أخرى، يرى أن الإنسان "محكوم عليه بالحرية"، ما يعني أنه مسؤول عن خياراته، وحتى فشله جزء من هذه الحرية. الهوية الرقمية المعاصرة، في هذا الإطار، تظهر كامتداد لهذا المفهوم: الإنسان يحاول إعادة تمثيل ذاته، لكنه مقيد بالمعايير الاجتماعية الرقمية، ما يولّد شعورًا دائمًا بعدم الكمال والفشل.

إنستغرام ووسائل التواصل الاخرى أصبحت فضاءً لإنتاج الهوية الرقمية. كل صورة، فيديو، أو منشور يُرفع يعكس "نسخة محسنة" من الذات، غالبًا بعيدة عن الواقع.
إريك إريكسون وجيروم بريور تحدثا عن الهوية المتعددة، وهي الهوية الواقعية، الهوية المثالية، والهوية الاجتماعية التي يعرضها الفرد على الآخرين. إنستغرام يمثل مستوى جديدًا من الهوية الاجتماعية: هوية رقمية، متغيرة، قابلة للتعديل المستمر، وتعكس رغبات الفرد في الاعتراف والتقدير الاجتماعي.
بورديو يشير إلى أن الإنسان في الحقل الاجتماعي يتنافس على رأس المال الرمزي، وهو هنا يتحقق من خلال عدد المتابعين، الإعجابات، والتعليقات، ما يجعل الهوية الرقمية معركة مستمرة لإثبات الذات مقابل الغير.
من منظور نفسي، يخلق هذا الواقع ضغطًا مستمرًا على الفرد، ويعزز القلق الاجتماعي والتوتر النفسي. ألفريد أدلر يرى أن الشعور بالنقص يحفز الإنسان على البحث عن التعويض، وفي سياق المنصات الرقمية، يتحول هذا التعويض إلى إنتاج محتوى محسّن، يهدف لإظهار التفوق الاجتماعي والنجاح، رغم الخلل النفسي الداخلي.
هذا يخلق حالة من الاضطراب بين الذات الواقعية والواجهة الرقمية، حيث يصبح الإنسان مدركًا للفجوة بين هويته الحقيقية وما يعرضه للعالم، ويعيش توترًا مستمرًا بين الواقع والمثالية الرقمية.

الهوية الرقمية جزء من منظومة ثقافية واقتصادية وسياسية. منصات مثل إنستغرام وتيك توك وفيسبوك تعمل ضمن منطق اقتصاد الانطباع، حيث يُقاس النجاح الاجتماعي والاقتصادي للفرد بمدى جاذبية صورته الرقمية.
ميشيل فوكو يشير إلى أن السلطة لا تمارس فقط بالقوة، لكن ايضا من خلال المراقبة والإشراف الذاتي؛ هنا، الفرد يراقب نفسه وفق معايير اجتماعية رقمية مسبقة، ما يعزز الهيمنة الرمزية للنظام الرقمي.
تشومسكي وكتاباته حول "صناعة القبول" توضح كيف يمكن للأنظمة الإعلامية والثقافية توجيه السلوك الفردي، حتى عبر ما يبدو حرًا ومفتوحًا مثل وسائل التواصل الاجتماعي.

تُسهم الثقافة الاستهلاكية في تعزيز هذا الإحساس بالفشل: الفرد مدفوع لإنتاج "نسخة قابلة للبيع" من ذاته، تتوافق مع القيم الاستهلاكية والجمالية التي تفرضها السوق الرقمية. كل صورة منشورة أو فيديو يحمل رسالة ضمنية: "انظروا كيف أنني ناجح، سعيد، وجميل".
هذا يشكل حلقة مفرغة: الفشل الفردي يولد محاولات لإخفائه عبر الواجهة الرقمية، والواجهة الرقمية نفسها تعزز شعور الفشل لدى الآخرين، ما يضاعف الضغط الاجتماعي والنفسي ويعمق الفجوة بين الواقع والتمثيل.
كمثال على ذلك نجد الشباب الذين يمضون ساعات في تعديل الصور لضمان أفضل مستوى من التفاعل والمؤثرون والفنانون الذين تعتمد حياتهم المهنية على تقدير الجمهور الرقمي، ويعيشون توترًا دائمًا بين النجاح الرقمي والواقع النفسي.
وكذلك الفئات الناضجة اجتماعيًا، بما في ذلك المثقفون، الذين يستخدمون المنصات الرقمية لإخفاء القلق أو فقدان الاعتراف، ما يؤكد أن الظاهرة تشمل كل الفئات العمرية والاجتماعية.

إدراك هذا الواقع يمنح الإنسان فرصة للتحرر من القيود الرقمية من خلال إعادة تقييم القيم والتركيز على النمو الشخصي، الإنتاجية الواقعية، والعلاقات الإنسانية الحقيقية.
وكذلك توسيع الفضاء الاجتماعي الواقعي حيث المشاركة في أنشطة مجتمعية وثقافية، تعيد الاعتبار للوجود الإنساني خارج الشاشة.
ومن خلال التوازن النفسي لتطوير مهارات إدارة القلق الرقمي والوعي بالفجوة بين الواقع والواجهة، دون أن يؤثر على تقدير الذات.

قول إيمان مرسال تحليل نقدي واجتماعي وفلسفي لحالة الإنسان المعاصر: نحن جميعًا "مشاريع فاشلة"، محدودون في قدراتنا، معرضون للفشل، ونعيش في عالم مزدوج بين الواقع والواجهة.
لكن هذا الفشل يمكن أن يكون نقطة انطلاق للتأمل وإعادة ترتيب الأولويات: الوعي بالذات، النقد الذاتي، وإعادة الاعتبار للإنسانية خارج المنصات الرقمية. إنستغرام وغيره من المنصات الرقمية تعكس تحديات نفسية واجتماعية وسياسية، لكنها أيضًا توفر فرصة للتأمل النقدي وإعادة بناء الهوية.



#رياض_قاسم_حسن_العلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يستحم النص: لعبة ما بعد الحداثة في -حمّام النساء- لندى س ...
- الموضوعية والذاتية: إشكالية الفكر بين الحياد والانحياز
- في نقد الإيديولوجية النسوية
- الوطن بين الاسلام السياسي والماركسية والقومية والاستعمار / ر ...
- الصداقة في الجامعة والجيش والسجن
- نساء الخلفاء: وثيقة عن الحريم والسلطة وتحولات النفوذ النسائي ...
- مجرد ذكرى يمحمد
- هد وانا اهد
- يمحمد
- منقذي من الظلال
- في ذكرى الغزو ...رواية جديدة لا يعرفها احد
- في ذكرى غزو الكويت: سردية الدولة بين النشأة والمحو
- التزوير في التاريخ الإسلامي: سلطة الرواية واغتيال الذاكرة
- دمٌ يُضيء الطريق: الطف بوصفه سفر المعنى
- الدنيا رطب عالي
- الكتب التي لا ينبغي قراءتها: عن بروست، الذائقة، والنقد الذي ...
- الترجمة كجسر للتواصل الثقافي عبر التاريخ: نحو فهم نظري وتاري ...
- الشرق شرق والغرب غرب-: تحليل لخطاب الثنائية في ضوء النقد ما ...
- النقد الانطباعي: تأملات في التجربة الجمالية والوعي الذاتي
- تأثير النقد الغربي في الأدب العربي: من الترجمة إلى التمثّل


المزيد.....




- أمل في -ناتو عربي- وخوف من -ولادة ميتة-، قمة الدوحة وذكرى ال ...
- ألمانيا.. قفزة كبيرة للشعبويين في انتخابات ولاية شمال الراين ...
- نهائي مثير .. ألمانيا بطلة أوروبا للسلة بعد الفوز على تركيا ...
- قفزة لليمين المتطرف في انتخابات محلية غرب ألمانيا
- طائرة نتنياهو ستسلك طريقا أطول لنيويورك خشية اعتقاله
- بين الطمأنة والضغط.. قراءة إسرائيلية في دلالات زيارة وزير ال ...
- 53 شهيدا بغزة منذ الفجر والاحتلال يواصل تدمير المباني
- رئيس الوزراء البريطاني يرفض -الترهيب- بعد مظاهرة حاشدة لليمي ...
- مظاهرة للمعارضة التركية استباقا لقرار المحكمة بشأن حزب الشعب ...
- تثبيت رئيس الوزراء الجزائري في منصبه وإعلان سادس حكومة في عه ...


المزيد.....

- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رياض قاسم حسن العلي - الإنسان المعاصر بين الواقع والواجهة