أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رياض قاسم حسن العلي - في نقد الإيديولوجية النسوية














المزيد.....

في نقد الإيديولوجية النسوية


رياض قاسم حسن العلي

الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 20:53
المحور: قضايا ثقافية
    


تتحدث الأمريكية آيمي ماستريني رحلة تحولها من عالم "النسوية المتطرفة" و"الصحوة الأيديولوجية" (Woke Ideology) إلى إعادة اكتشاف الإيمان والتدين، في شهادة تكشف أبعادًا نفسية وفكرية وفلسفية عن صراع الإنسان المعاصر بين التوجهات الأيديولوجية والبحث عن الجذر الروحي.
تمثل هذه الرحلة نموذجًا للاغتراب الوجودي الذي تعيشه الكثير من الأفراد في المجتمعات الحديثة، حيث تصبح الأيديولوجيات مدخلًا للوهم بالتمكين، لكنها غالبًا ما تترك الفراغ الداخلي دون علاج.
نشأت ماستريني في كنف المسيحية، لكنها خلال سنوات المراهقة انجرفت نحو الحركات النسوية الراديكالية، تغلغلت شعارات العدالة الاجتماعية والتحرر من "القمع الأبوي" إلى قلبها وعقلها. في الجامعة، تصاعد تبنيها للأفكار التقدمية، ووجدت في الخطابات النسوية الحديثة وإيديولوجيا الصحوة الفكرية وسيلة لإعادة تعريف العالم والعلاقات الإنسانية وفق نموذج الصراع والمظلومية. ومع مرور الوقت، بدأت هذه الخطابات تترك أثرًا نفسيًا عميقًا: اضطرابات داخلية، شعور بالضياع، انقطاع عن الذات، وفقدان إحساس الانتماء الروحي، ما دفعها إلى طلب العلاج النفسي ومحاولة إعادة ترتيب عالمها الداخلي.
كان لاكتشاف فكر "جوردان بيترسون" دور حاسم في إعادة تشكيل رؤيتها. نقد "بيترسون" لأيديولوجيا الضحية والنسوية الحديثة كان أداة فلسفية لفهم الذات واستعادة القدرة على التفكر النقدي، وربط الفرد بمعايير واقعية للوجود والقيمة. هنا أدركت ماستريني أن بعض الخطابات التقدمية، رغم شعاراتها عن الحرية والمساواة، يمكن أن تزرع الخوف من الدين وتغذي شعورًا بالاغتراب عن الذات وعن العالم.
بعد بحث طويل، وجدت ماستريني ضالتها في الإيمان الديني، حيث يكون الدين فضاءً للانسجام الروحي ، ونموذجًا للتوازن بين القوة والأنوثة. في هذا الاكتشاف، أدركت أن الدين لم يكن أداة للهيمنة الذكورية كما صورته بعض الخطابات النسوية، لكنه منظومة حماية وبناء للكرامة الإنسانية. شخصيات مثل السيدة مريم تجسد حضورًا ساميًا للأنوثة، وتضع المرأة في مركز روحي وأخلاقي، بعيدًا عن الانقسام بين القوة والقمع.
تؤكد ماستريني أن الدين ليس سجنًا للمرأة، بالعكس من ذلك فهو حضنًا للسلام والكرامة، وأن ما كانت تراه قيودًا، هو في الواقع طريق للشفاء من الجروح النفسية التي زرعتها الأيديولوجيات المزيفة. وهنا يكمن البُعد الفلسفي لتجربتها: إنها رحلة من الاغتراب النفسي والروحي إلى استعادة مركزية الذات في العالم، حيث الحرية الحقيقية لا تتحقق بمجرد رفض كل تقليد أو تبني كل فكرة تقدمية، لكن من خلال التفاعل النقدي مع التراث الروحي، وفهم مكانة الأنثى كعنصر مقدس في البناء الوجودي.
تمثل تجربة ماستريني مأزق الإنسان الحديث بين التمكين الظاهري والانفصال الداخلي، بين الأيديولوجيا والكينونة، بين البحث عن العدالة الاجتماعية والاحتياج إلى الجذر الروحي. فالصحوة الفكرية، رغم شعاراتها الرنانة، قد تولّد إحساسًا بالاغتراب عن الذات، وتجعل الإنسان يعيش في صراع دائم بين ما يُراد له وبين ما هو كينونته الحقيقية. بالمقابل، يوفّر الدين، وفق تجربة ماستريني، فضاءً للشفاء النفسي والروحي، حيث يُستعاد الانسجام الداخلي، ويصبح للأنوثة حضورها الكامل في الوجود، وتستعيد المرأة القدرة على المشاركة في البناء الروحي والاجتماعي بمعناه الكامل، لا كرمز أيديولوجي فارغ.
تقدم شهادة ماستريني نموذجًا فلسفيًا حيًا للبحث عن المعنى في العصر الحديث، حيث التمكين الأيديولوجي وحده لا يكفي، ويصبح البحث عن الجذر الروحي، وعن حضور الذات في العالم، شرطًا أساسيًا للحرية الحقيقية والسلام الداخلي. إنها دعوة لإعادة تقييم العلاقة بين الأيديولوجيا والدين، بين الحداثة والتحرر الروحي، وبين الفراغ النفسي والشفاء الوجودي، بما يجعل التجربة الفردية جسراً لفهم أزمة الإنسان المعاصر.



#رياض_قاسم_حسن_العلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطن بين الاسلام السياسي والماركسية والقومية والاستعمار / ر ...
- الصداقة في الجامعة والجيش والسجن
- نساء الخلفاء: وثيقة عن الحريم والسلطة وتحولات النفوذ النسائي ...
- مجرد ذكرى يمحمد
- هد وانا اهد
- يمحمد
- منقذي من الظلال
- في ذكرى الغزو ...رواية جديدة لا يعرفها احد
- في ذكرى غزو الكويت: سردية الدولة بين النشأة والمحو
- التزوير في التاريخ الإسلامي: سلطة الرواية واغتيال الذاكرة
- دمٌ يُضيء الطريق: الطف بوصفه سفر المعنى
- الدنيا رطب عالي
- الكتب التي لا ينبغي قراءتها: عن بروست، الذائقة، والنقد الذي ...
- الترجمة كجسر للتواصل الثقافي عبر التاريخ: نحو فهم نظري وتاري ...
- الشرق شرق والغرب غرب-: تحليل لخطاب الثنائية في ضوء النقد ما ...
- النقد الانطباعي: تأملات في التجربة الجمالية والوعي الذاتي
- تأثير النقد الغربي في الأدب العربي: من الترجمة إلى التمثّل
- من يكتب التاريخ؟ في أنماط السرد، ومحو الآخر، ومقاومة النسيان
- زهرة الخشخاش لخيري شلبي/ حكاية البحث عن الوجود والاغتراب الا ...
- موت إلهٍ من بابل


المزيد.....




- جدعون ساعر: لا -مجال- لزيارة ماكرون إلى إسرائيل مع استمرار م ...
- متحدث باسم الجيش الإسرائيلي: نسيطر على 40% من مدينة غزة
- هل انتهى عصر طلاء الأظافر -الجل-؟
- لوحة نادرة من القرن الثامن عشر تعود بعد سرقتها على يد النازي ...
- أوكرانيا.. ماكرون يعلن -قوة طمأنة- وتريث ألماني في المشاركة ...
- مقتل عشرات الفلسطينيين في قصف جوي ومدفعي إسرائيلي على قطاع غ ...
- فيديوهات القسام الأخيرة تثير اهتمام المنصات.. فكيف علق مغردو ...
- لماذا مسحت بصمات كيم جونغ أون بعد لقائه مع بوتين؟ مغردون يعل ...
- الحوثيون يهاجمون إسرائيل مجددا وكاتس يتوعدهم برد قاس
- جورجيو أرماني.. -ملك- إيطالي تسيّد عالم الموضة


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رياض قاسم حسن العلي - في نقد الإيديولوجية النسوية