أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أوزجان يشار - حقيبة الملابس .. من مذكّرات الكاتب التركي عزيز نيسين














المزيد.....

حقيبة الملابس .. من مذكّرات الكاتب التركي عزيز نيسين


أوزجان يشار
كاتب وباحث وروائي

(Ozjan Yeshar)


الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 23:40
المحور: الادب والفن
    


ترجمة: أوزجان يشار

يُعدّ عزيز نيسين أحد أبرز الأصوات الساخرة في الأدب التركي الحديث. عاش الفقر والبرد والخذلان، لكنه حوّلها إلى مادة إنسانية تُضحك القارئ بقدر ما تُبكيه. في هذه المذكرات القصيرة، يستعيد نيسين طفولته بعينٍ تلمح السخرية حتى في الألم، حيث يصبح البرد والحرمان والخيال الأبوي مادة للتأمل في معنى الفقر والكرامة.



القصة

كانت مدرسة الجيران بعيدة. الشتاء قارس، والثلج يغطي الطرقات. لديّ معطف، ومع ذلك كنت أرتجف من البرد. كانت يدَيّ تتجمّدان في الطريق.

خاطت لي أمي حقيبة صغيرة من قماش سميك وملوّن، أضع فيها كتبي ودفاتري.
لكن البرد كان شديدًا، ويداي باردتان إلى درجة لم أعد أستطيع الإمساك بالحقيبة، فوضعتها تحت إبطي. ولأحمي يديّ من الصقيع، دسستُهما تحتها.

كانت يداي تؤلماني كثيرًا ذهابًا وإيابًا من المدرسة. وفي أحد الأيام، عندما عدت إلى البيت ظهراً، سألتني أمي:
“أين حقيبتك؟”

نظرت تحت إبطي، فلم أجد شيئًا.
يبدو أني في الطريق من المدرسة إلى البيت فقدت الإحساس بيديّ من شدّة البرد، فسقطت الحقيبة دون أن أشعر. عدت إلى الطريق نفسه أبحث عنها، فتشت في كل زاوية، ولم أجد شيئًا.

لكن أبي حكى القصة بطريقة مختلفة تمامًا.
قال: “اشتريت لابني حقيبة جديدة، كانت غالية وجميلة جدًا، ولها ثلاثة جيوب وقفل لامع. وفي أول يومٍ ذهب فيه إلى المدرسة، رماها لأن يديه كانتا باردتين. عيبٌ يا بني! وعندما سألته: أين حقيبتك؟ لم يجدها تحت إبطيه فبكى. فقلت له: لا تبكِ يا بني، سأشتري لك حقيبة أفضل. وفعلاً، اشتريت له واحدة أفضل!”

هكذا كان أبي يروي القصة، ومع تكرارها بدأ يصدقها فعلًا.
كان يحب أن يقول الأشياء كما يتمنى أن تكون، لا كما هي. يتحدث عن أمانيه وكأنها واقع. ولم أستطع يومًا أن أقول له: “لا يا أبي، لم يكن الأمر هكذا.” كان يحكي القصة مبتسمًا، وكنت أستمع إليه مبتسمًا أيضًا.

كنا نخجل من فقرنا، كأن الفقر خطيئة ارتكبناها نحن. وأنا أيضًا خجلت من فقري لسنوات طويلة. لكن عندما أصبحت كاتبًا، فهمت شيئًا متأخرًا: في أي بلد تكون فيه الأغلبية من الفقراء، فليس الفقر ما يجب أن نخجل منه، بل الغِنى.

هناك أناس يخجلون من ثروتهم ويخفونها. بعد أحداث السابع والعشرين من مايو بعامٍ أو نحوه، كنت وصديقٍ لي — صاحب صحيفة — في سيارته الكاديلاك. قال لي:
“سأبيع هذه السيارة.”
سألته: “لماذا؟”
قال: “عندما نمشي في الطريق، ينظر إلينا الناس بطريقة تجعلني أشعر بالخجل لأنهم يرونني داخلها. سأبيعها وأشتري سيارة أرخص.”

لكننا نحن الفقراء، لا يستمر خجلنا من الثراء طويلًا. يبقى ليوم أو يومين فقط… من عمرٍ كله فقر يمتد عشرين أو ثلاثين عامًا.

في ذلك اليوم الشتوي الجليدي، عندما فقدت حقيبتي القماشية، لم يشترِ لي أبي حقيبة جديدة. على العكس تمامًا، خاطت لي أمي واحدة أخرى… من قماشٍ قديم.



رؤية المترجم

حين قرأت هذه الذكرى، شعرتُ أن نيسين لم يكن يتحدث عن الحقيبة فقط، بل عن ذاكرة الفقر التي لا تُمحى بالخياطة ولا بالثراء.
كان الطفل الذي تجمّدت يداه من البرد يحمل حقيبةً بسيطة، لكنه حمل معها كل ما يرمز إلى الكرامة، إلى تلك المحاولة الصغيرة التي قامت بها أمّه لتغطي عجز الحياة بالإبرة والخيط.
أما الأب، فكان ينسج الأكاذيب لا ليخدع، بل ليجمّل عجزه أمام ابنه والعالم. وهنا تكمن مأساة نيسين الكبرى: أن الفقراء لا يملكون الحقيقة فقط، بل يملكون الحلم أيضًا… لكنهم يخجلون من كليهما.

هذه القصة لا تتحدث عن برد الشتاء التركي فحسب، بل عن دفء الإنسان حين يعجز عن ستر فقره إلّا بابتسامةٍ تُخفي الوجع.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)       Ozjan_Yeshar#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع على نوبل للسلام 2025: ترامب مقابل ثونبرغ.. من يستحق ل ...
- إنهم يصطادون طرابيش الصغار .. عندما طار طربوشي من فوق رأسي
- الأرض الأم: ومضات من حياة الفنانة وو شانغ وتحليل رمزية الخلق ...
- صناعة الوعي المغيّب… من نقد المعرفة إلى فلسفة الكلمة عند هاب ...
- حين يُدار العمل بعُقدة النقص: كيف تُنتج الإدارات غير المؤهلة ...
- الأمراض في البحرين والطب الشعبي: رحلة الشفاء عبر العصور من د ...
- ومضات من حياة زهرة اليابان: الشاعرة أكيكو يوسانو
- ومضاتٌ من حياة “جحا التركي” عزيز نيسين: أيقونة الأدب التركي ...
- الذئب الذي صار إنسانًا… والإنسان الذي صار ذئبًا
- أدوات وآليات التأثير بين الفن والسلطة: كيف نصنع أثرًا يبني و ...
- الكلام مهارة والإصغاء فن: بين الفهم والرد
- الفيل القابع في الحفرة بين الأزرق والأحمر
- التهذيب مرآة الحضارة عبر ثقافات الأمم.
- ومضات من فن الرسام البحريني علي الموسوي
- قواعد التوفيق الخمسة عشر: طريقك نحو التميز والتفوق
- ومضات من حياة وأدب إدوارد مورغان فورستر
- مهارة التفاوض: سلوك يومي في الحياة لا ساحة معركة حتمية
- سور الصين العظيم: عندما سقط الجدار من الداخل
- التركي الذي ركب صاروخاً ليتحدث مع المسيح عيسى عليه السلام
- كيف أتصالح مع الجانب المظلم داخلي وأحب ذاتي بصدق؟


المزيد.....




- اكتشاف قلعة عسكرية على طريق حورس الحربي في شمال سيناء
- انطلاق الدورة السادسة لمهرجان بغداد الدولي للمسرح
- ظهرت في أكثر من 60 فيلما..وفاة الممثلة ديان كيتون عن 79 عاما ...
- حربٌ هزمت المجتمعَين وأسقطت كذبة وحدة اللغة والتاريخ المشترك ...
- ظهرت في أكثر من 60 فيلما.. وفاة الممثلة ديان كيتون عن 79 عام ...
- بيت المدى يستذكر الأديب الباحث الدكتور علي عباس علوان
- -كتاب الرياض- يناقش صناعة المحتوى الثقافي
- -الممثل غير المحترف-.. جديد محمد عبد الرحمن في معرض الرياض ل ...
- دان براون يعود ليسأل: ماذا بعد الموت؟ قراءة في -سر الأسرار- ...
- -الحافلة الضائعة-.. فيلم يعيد الفتى الذهبي ماثيو ماكونهي إلى ...


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أوزجان يشار - حقيبة الملابس .. من مذكّرات الكاتب التركي عزيز نيسين