أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -الخنجر المتكرر… سردية الغدر عبر العصور-














المزيد.....

-الخنجر المتكرر… سردية الغدر عبر العصور-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 09:32
المحور: قضايا ثقافية
    


منذ أن بدأ التاريخ يخطّ سطوره الأولى على جسد هذه الأمة كان هناك خيط خفي يمتد من الشرق يمد يده تارةً بالابتسامة وتارةً بالخنجر وقد ظل هذا الخيط يتلون بأسماء الملوك والدويلات والطرائق والرايات لكن جوهره بقي واحداً وهو الطموح في ابتلاع الأرض العربية وإخضاع أهلها باسم الدين حيناً وباسم التحالف حيناً آخر وباسم المصالح المستترة في معظم الأحيان. لقد كان استغلال الفرس للمناذرة في الحيرة والغساسنة في الشام أولى الحلقات التي رسخت فكرة أن الإمبراطوريات البعيدة لا تستطيع العيش دون وكلاء في الجسد العربي فكان العرب وقوداً لصراع الروم والفرس وكلما ظنّ المرء أن النار خمدت أُعيد إشعالها بمكرٍ جديد ودمٍ جديد حتى جاء الإسلام ليحرر الإنسان من عبودية الإمبراطوريات وليفتح للعرب باب السيادة بعد أن كانوا أداة في معارك الآخرين. لكن الجرح لم يلتئم إذ سرعان ما تسللت إلى جسد الأمة حركات متشظية رعتها أيادٍ خفية فكانت القرامطة الذين رفعوا شعار المساواة بينما سالت دماء الحجيج تحت سيوفهم وكانوا صورة مبكرة لكيفية استغلال الدين لهدم الدين وكانت الدولة الفاطمية مثالاً آخر على كيفية تحريك المذهب ليصبح جسراً نحو السلطة وكان الحشاشون طعنة أخرى في خاصرة الإسلام إذ جعلوا من الاغتيال مذهباً ومن القتل رسالة ولم يكن هدفهم بناء دولة بل إشاعة الفوضى حتى تضعف الدولة العباسية ويصبح العالم الإسلامي لقمة سائغة للقوى الطامعة.ثم جاءت العاصفة الكبرى مع هولاكو الذي دخل بغداد لا وحده بل مستنداً إلى أذرع محلية ودهاليز سياسية لم تكن بعيدة عن الأطماع الفارسية القديمة فكان سقوط بغداد عام 1258 سقوطاً حضارياً لا يمحى من الذاكرة فقد احترقت الكتب في دجلة كما احترقت الأرواح في الأزقة ولم يكن ذلك إلا ثمرة تواطؤ تاريخي أتاح للمغول أن يعبروا الجسر ويفتكوا بأمة بأسرها. وظن الناس أن القرون كفيلة بترميم الجراح لكن الأحقاد لم تمت فقد عادت في صيغة جديدة مع الصفويين الذين جعلوا من المذهب راية سياسية يرفعونها لا لحماية الدين بل لاستخدامه سيفاً في وجه خصومهم فجعلوا من العقيدة ستاراً للهيمنة وتحول الصراع إلى مذبحة طويلة سال فيها دم الأبرياء باسم الولاء لآل البيت بينما آل البيت أنفسهم كانوا أطهر من أن يُستعملوا جسراً لمشروع دنيوي وهكذا انشطر الجسد الإسلامي إلى نصفين يتنازعان وهو ما فتح الطريق طويلاً أمام تدخلات الأجانب.وفي عصور لاحقة تواصلت اللعبة نفسها عبر وكلاء وجماعات تحمل أسماء شتى لكنها تنهل من معين واحد وهو استغلال العاطفة الدينية لتفكيك وحدة الأمة وهكذا نُسج خيط يمتد من القرامطة إلى الحشاشين إلى الصفويين إلى جماعات حديثة كلها ترفع الشعارات نفسها وتعيد إنتاج الخديعة نفسها وكأن التاريخ يدور في حلقة مفرغة. وفي العصر الحديث لم يكن المشهد أقل ظلامية إذ حين اجتاح هولاكو بغداد في القرن الثالث عشر كان ذلك بإسناد خفي أما حين اجتاحت أمريكا العراق عام 2003 فقد تكرر المشهد بصورة أشد مرارة فقد قاومت البصرة وأم قصر وقاتل العراقيون ببسالة حتى اعترفت مذكرات السياسيين أن القوات الأمريكية لم تستطع التقدم شبراً واحداً في الأيام الأولى حتى اضطرت إلى أن تلجأ إلى وساطة طهران كي تفتح لها الطريق الخلفي وهكذا أعيد التاريخ لكن بوجوه جديدة إذ فتح الباب هذه المرة للقوات الغربية لا بالسيوف بل بالاتفاقات السرية التي مهدت لاحتلال العراق من الداخل بعد أن عجزت المدافع عن اختراقه من الخارج وكان ذلك اعترافاً صريحاً بأن الطريق إلى بغداد مرّ من بوابة الفرس مرة أخرى.وها هو المشهد يتكرر في حاضرنا إذ يُستغل الدين مرة أخرى ويُستغل اسم آل البيت مرة أخرى ويُستغل شغف الناس بالعدل والحق ليتحول إلى مشروع سياسي يستبيح دم المسلم وبيته وأرضه ويزرع الطائفية كسرطان في الجسد العربي فلا يبقى بلد إلا وأُدخل في أتون الحرب الداخلية من اليمن إلى سوريا إلى العراق ولبنان والذريعة دائماً الدفاع عن المذهب بينما الحقيقة أنها لعبة السلطة والنفوذ ولا شيء غير ذلك. إن الأمة اليوم تعيش ما عاشته في الماضي ولكن بأدوات أكثر حداثة وبخطاب أكثر نعومة وبتكنولوجيا إعلامية تخفي السكين في غمد من الشعارات الدينية والإنسانية ومع ذلك يبقى التاريخ كتاباً مفتوحاً يذكرنا أن الطعنات الكبرى لم تأت من عدو صريح يواجهنا بوجهه بل من حليف مزعوم يدخل من الخلف تحت جنح الظلام.ولعل أخطر ما في هذه القصة أن القيم التي جاء بها رسول الله وصحابته من صدق وأمانة وعدل وإخاء أصبحت تُطعن بألسنة تدعي الدفاع عنه وأن عرض النبي وأسماء أصحابه يُستباح باسم الدفاع عنهم وهذا من أعجب ما سجله التاريخ أن يتحول الدفاع إلى طعن وأن يتحول الولاء إلى خيانة وأن يُستغل المقدس لهدم المقدس. وما بين الأمس واليوم ظل الخيط ممتداً كداء مزمن يتخفى ويتلوّن ويتسلل إلى جسد الأمة كلما حاولت أن تنهض من كبوة فإذا لم يكن بالقرامطة كان بالحشاشين وإذا لم يكن بالصفويين كان بأذرع حديثة تحمل أسماء براقة لكنها تسعى إلى الهدف ذاته وهو إبقاء الأمة مقسمة ضعيفة حتى لا تقوم لها قائمة.
إنني أكتب هذا لا للتحريض على الكراهية ولا لاستدعاء الأحقاد بل لأضع أمام القارئ مرآة التاريخ كما هي ولأقول إن المعركة ليست مع شعب ولا مع مذهب بل مع مشروع سياسي استغل المذهب واختطف الشعوب وجعل من الدين مطيةً للهيمنة وأن الأمة لا تملك إلا أن تعي هذه الدروس لتمنع تكرارها مرة أخرى. فكما احترقت بغداد في الماضي واحترقت الموصل وحلب وصنعاء في الحاضر سيظل الحريق يلتهمنا ما لم نحصن جبهتنا الداخلية ونُعيد للدين مكانه الحقيقي بعيداً عن مطامع السياسة.
وهكذا تستمر السردية من المناذرة والغساسنة إلى القرامطة والفاطميين إلى الصفويين والحشاشين إلى تحالفات القرن الحادي والعشرين التي فتحت الطريق لغزو العراق وكلها خيوط متصلة لسردية واحدة عنوانها الغدر المتكرر والدم المتكرر والذاكرة التي لا تنام ولا تنسى.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة: أنين الروح المحاصرة
- أنتخبهم… حتى يُباع الوطن في سوق الوهم
- البستان الذي ينام في الخراب
- ريما...
- حين يتكلّم الركام ويصمت العالم
- عندما تعزف طبول الحرب لحن الفلسفة
- إياد الطائي.. حين يترجّل المسرح عن صهوته
- -الأحلام التي لم تعشها البيوت المهجورة-
- أساطيل الحديد وأشباح البحر
- أتعس الخونة من يبيعون الوطن باسم الوطنية
- العراق بين عقدة الماضي وامتحان المستقبل
- انحنى الحجر وظل النور قائماً
- -المذبوحون باسم الله-
- -الطرق التي تبكي تحت أقدام الغائبين-
- دواء الروح بين كأس الحكمة وأفعى المعرفة
- عامل السكراب
- عطر الكتب القديمة… حوار بين الغبار والخلود
- مكتبة الأسرار الكونية
- بغداد حين تعيد للعتمة صوتها.. مسرح الطيب على ضفاف دجلة
- البؤس العربي وفقدان الحياء: صرخة في وجه الرذيلة


المزيد.....




- ردّ عليها بشيء من الطرافة.. والدة جاستن بيبر تصلّي من أجله
- إيران تُعلق على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتوجه رسالة للم ...
- كأنها ليلة العيد في غزة.. فلسطينيون يحتفلون باتفاق وقف إطلاق ...
- عمر ياغي.. فلسطيني أردني سعودي أمريكي يحصل على جائزة نوبل في ...
- عمر ياغي.. ثاني عربي يفوز بجائزة نوبل للكيمياء
- تكريم شهيد ومصابي -لخويا- في قطر تقديرا لتضحياتهم عقب العدوا ...
- مواقع التواصل بين مشكك ومرحب بإعلان وقف إطلاق النار في غزة
- انتقاد وتحرك حكومي بعد تعنيف طلاب على يد مديرة مدرسة بسوريا ...
- ماذا يجري في اجتماع الكابينت بشأن اتفاق غزة؟
- ترامب: أنهينا حرب غزة وستنظم مراسم بمصر لتوقيع الاتفاق


المزيد.....

- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -الخنجر المتكرر… سردية الغدر عبر العصور-