أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - الماركسية والثورة السودانية – جدل النظرية والممارسة 1. الماركسية كضرورة تاريخية لا كاختيار فكري















المزيد.....

الماركسية والثورة السودانية – جدل النظرية والممارسة 1. الماركسية كضرورة تاريخية لا كاختيار فكري


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8489 - 2025 / 10 / 8 - 10:10
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


في أعقاب المد الثوري الذي اجتاح السودان أواخر عام 2018، وما تلاه من إخفاق مأساوي لحركة جماهيرية ضخمة حملت على أكتافها حلم التغيير الجذري، ينهض السؤال النظري الأكثر إلحاحًا: لماذا فشلت الثورة في تحويل قوتها الشعبية إلى سلطة جديدة تعبّر عن مصالح الطبقات الكادحة؟ إن هذا السؤال لا يُجاب عليه بتوصيف الأخطاء السياسية أو ضعف القيادة، بل بتحليل البنية الاجتماعية نفسها، لأن الهزيمة لم تكن ظرفًا عابرًا، بل تعبيرًا عن أزمة منهجية في الوعي الطبقي للقوى الثورية [1]. فالمناهج التفسيرية التي هيمنت على الوعي العام، من الليبرالية إلى الإثنية إلى السياسوية، أثبتت عجزها البنيوي عن تقديم قراءة مادية للواقع السوداني [2].

لقد اكتفت تلك المناهج بوصف المظاهر السياسية للصراع دون أن تمس جوهره الطبقي، فظلّت عاجزة عن تفسير استمرار هيمنة الكتلة التاريخية ذاتها رغم تبدّل الوجوه والأحزاب. إن اختزال الصراع إلى ثنائية "مدني مقابل عسكري" ليس سوى شكل أيديولوجي لتغطية التحالف الطبقي الحقيقي بين البرجوازية الطفيلية العسكرية–التجارية وجهاز الدولة البيروقراطي [3]. فالدولة في السودان ليست مؤسسة وطنية محايدة، بل جهاز طبقي يُدار لإعادة إنتاج سيطرة الرأسمال الطفيلي الذي يحتكر الثروة والأرض والسوق [4].

ومن هنا فإن شعار "التسليم المدني للسلطة" لم يكن سوى استعادة إصلاحية لتوازنٍ برجوازيٍّ مهدد، لا مشروعًا للتحول الثوري [5]. فالمدنية التي رُفعت كشعار لم تكن وعيًا طبقيًا مضادًا، بل غطاءً أيديولوجيًا يعيد تعريف الصراع بلغة توافقية تُقصي جوهره الاجتماعي. بهذا المعنى، لم يكن فشل الثورة سياسيًا فحسب، بل كان فشلًا نظريًا في إدراك طبيعة جهاز الدولة وعلاقته بالطبقات المهيمنة.

لقد غاب عن الخطاب الثوري التحليل المادي لعلاقات الإنتاج والتوزيع، فانحصر الوعي في مستوى الشعارات الأخلاقية، وغابت الرؤية الجدلية التي تُدرك أن التناقض الأساسي في المجتمع السوداني ليس بين "النخب الفاسدة" و"الشعب النقي"، بل بين الطبقة العاملة والكادحين من جهة، وتحالفٍ برجوازيٍّ عسكريٍّ مدنيٍّ من جهة أخرى [6]. فكما قال لينين: «من دون نظرية ثورية، لا حركة ثورية» [7].

إن غياب النظرية الجدلية فتح الباب أمام الإصلاحية لتفرض لغتها على الخطاب الثوري، فحلّت مفردات "التحول السلمي" و"الانتقال الديمقراطي" محلّ الصراع الطبقي، وأعيد إنتاج التبعية في شكلٍ جديد تحت غطاء "الشراكة" و"التوافق الوطني". المأزق النظري للقوى الثورية السودانية ليس مجرد غياب للرؤية، بل غياب للمنهج المادي الجدلي القادر على تفسير الواقع بوصفه شبكة من التناقضات المادية المتحركة [8].

فكل تحليل لا ينطلق من علاقات الإنتاج محكوم بأن يظل في سطح السياسة، يتحدث عن العسكريين والمدنيين كما لو كانوا فاعلين مستقلين لا ممثلين لمواقع طبقية محددة. الجيش هنا ليس "حامي الوطن"، بل هو جهاز الدولة في أكثر أشكاله تركيزًا، أي أداة الطبقة السائدة في فرض السيطرة. أما البرجوازية المدنية التي تتحدث عن الديمقراطية الليبرالية فهي الوجه الآخر للرأسمالية الطفيلية ذاتها، تشاركها في الاستغلال وإن اختلفت في الخطاب.

لقد أظهرت الأحداث أن تحطيم جهاز الدولة القديم هو الشرط المسبق لأي تحول ثوري حقيقي [9]. فالدولة بوصفها جهازًا طبقيًا لا يمكن أن تُصلح، بل تُستبدل بدولةٍ جديدة تعبّر عن مصالح الطبقة العاملة. إن الماركسية تعلمنا أن التاريخ لا يتغير بالنوايا ولا بالبرامج الأخلاقية، بل بالفعل المادي للجماهير المنظمة. لذلك فإن "اللاعنف" في سياق السيطرة الطبقية ليس مبدأ أخلاقيًا بل شكل من أشكال الخضوع، لأنه يساوي بين عنف القامع ودفاع المقموع عن نفسه.

إن تحليل التشكيلة الاجتماعية السودانية يبيّن أنها بنية هجينة تجمع بين بقايا الإقطاع الزراعي والرأسمالية الطفيلية الريعية ورأس المال العسكري، ما ينتج تركيبًا متناقضًا من علاقات الإنتاج [10]. هذه البنية تولّد طبقة عاملة مشتتة، وريفًا مهمشًا يُستنزف عبر السوق والديون والمساعدات، بينما تستمر الطبقة البرجوازية في تصدير الثروة إلى الخارج.

إن الماركسية اليوم ليست دعوة إلى استعادة الماضي، بل استجابة للضرورة التاريخية التي يفرضها الواقع نفسه [11]. فالرأسمالية العالمية تعيد إنتاج تبعية الأطراف بوسائل جديدة، والسودان أحد مختبراتها الأكثر وضوحًا. الاقتصاد السوداني، كما بيّن سمير أمين، قائم على التطور اللامتكافئ، حيث تُستنزف الموارد في خدمة المراكز الإمبريالية، وتُعاد إنتاج الفقر والتهميش في الأطراف [12].

الماركسية، إذن، ليست أداة لتفسير الواقع فقط، بل سلاحٌ لتغييره. إنها ترفض الحتمية الميكانيكية كما ترفض الإصلاحية الأخلاقوية، لأنها تدرك أن التاريخ لا يتحرك بالإرادة المجردة، بل بالصراع المادي بين الطبقات. الوعي الثوري لا يُصاغ في المنابر ولا في الجامعات، بل في مواقع العمل وفي مواجهة أجهزة القمع، حيث يُدرك العامل أن نضاله ليس من أجل الأجور فقط، بل من أجل تحطيم علاقات الاستغلال ذاتها.

"الثورة ليست وليدة الشجاعة الأخلاقية، بل نتاج وعي الضرورة التاريخية."
فلاديمير إليتش لينين.

النضال مستمر،،
-------------------------
المراجع:
[1] Karl Marx, A Contribution to the Critique of Political Economy, Progress Publishers, 1859.
[2] Antonio Gramsci, Selections from the Prison Notebooks, International Publishers, 1971.
[3] Nicos Poulantzas, State, Power, Socialism, Verso, 1978.
[4] Vladimir I. Lenin, The State and Revolution, Progress Publishers, 1917.
[5] Rosa Luxemburg, Reform´-or-Revolution, Pathfinder Press, 1900.
[6] Karl Marx and Friedrich Engels, The German Ideology, Progress Publishers, 1846.
[7] Vladimir I. Lenin, What Is to Be Done?, Progress Publishers, 1902.
[8] Georg Lukács, History and Class Consciousness, MIT Press, 1923.
[9] Frantz Fanon, The Wretched of the Earth, Grove Press, 1961.
[10] Robert O. Collins, A History of Modern Sudan, Cambridge University Press, 2008.
[11] David Harvey, The-limit-s to Capital, Verso, 1982.
[12] Samir Amin, Unequal Development: An Essay on the Social Formations of Peripheral Capitalism, Monthly Review Press, 1973.



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 10. آفاق الثورة السودانية في السياق الأممي: نحو قطيعة مع أوه ...
- رأسمالية التعليم وإخصاء الوعي
- 8. القطيعة الثورية: الاشتراكية كطريق وحيد لتحطيم أوهام الإصل ...
- 7. البرجوازية الطفيلية: الحلقة المفقودة في أزمة الإصلاح السو ...
- ثقافة الدوبامين: بين التشييء الرقمي واستلاب الوعي
- 6. المأزق البنيوي لشعارات -السلام–الحياة–الانتقال-
- 5. البعد الإمبريالي للمشروع الإصلاحي
- 4. أوهام الانتقال المدني الديمقراطي
- 3. مأزق السلام الليبرالي
- 2. من حماية الأرواح إلى احتواء الثورة: تفكيك ماركسي لشعار ال ...
- 1. السلام، الحياة، الانتقال: مدخل ماركسي لفهم أوهام الإصلاح ...
- 14. الخاتمة: نحو بديل ثوري
- بيان المكتب السياسي: شعارات عامة بلا تحليل طبقي ملموس
- الحدود كجهاز قمع طبقي في عصر الإمبريالية
- 13. المهام الطبقية للثورة السودانية: من الوطني إلى الاشتراكي
- 12. مقاومة الهامش: الحركات الاجتماعية البديلة خارج الأطر الت ...
- 11. استراتيجيات المواجهة - تفكيك الطائفية والإسلام السياسي و ...
- 10. معضلة القيادة الثورية: أزمة اليسار والتحالفات المشبوهة
- 9. ثورة ديسمبر: انفجار التناقضات الطبقية
- 8. الهيمنة الطفيلية: التعليم والإعلام والدين في السودان


المزيد.....




- الصين والإبادة الجماعية في غزة: نأي إستراتيجي
- لقاء تشي غيفارا مع ارنست ماندل
- انبعاث اليسار الجذري والسياسة العمالية
- معادلة أبو بكر الجامعي المستعصية عن الحل
- الحركة الشيوعيّة المصريّة: تاريخ من الفرص الضائعة
- بلاغ صحفي للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- إسرائيل، لا الصهيونية ولا دولتها قابلة للإصلاح
- نضالات جيل- زد212: ماذا بعد خطاب الملك؟
- بلاغ إخباري للمكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
- كلمة الميدان: العدالة ومحاكمة مجرمي الحرب في السودان


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - عماد حسب الرسول الطيب - الماركسية والثورة السودانية – جدل النظرية والممارسة 1. الماركسية كضرورة تاريخية لا كاختيار فكري