أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 10. آفاق الثورة السودانية في السياق الأممي: نحو قطيعة مع أوهام الإصلاح















المزيد.....

10. آفاق الثورة السودانية في السياق الأممي: نحو قطيعة مع أوهام الإصلاح


عماد حسب الرسول الطيب
(Imad H. El Tayeb)


الحوار المتمدن-العدد: 8486 - 2025 / 10 / 5 - 21:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


شكلت ثورة ديسمبر 2018–2019 حلقة عضوية في سلسلة الصراع الطبقي الدولي المستمر ضد الهيمنة الإمبريالية.، فقد كشفت هذه الثورة عن قدرة الجماهير السودانية على تحطيم الرموز السياسية الظاهرية، لكنها أظهرت في الوقت نفسه حدود الانتقال المزعوم عبر شعارات السلام والحياة الكريمة والانتقال، التي اختزلت الثورة في إصلاحات شكلية وحولت الزخم الشعبي إلى أدوات لإعادة إنتاج التبعية [1].

في سياق العالم الرأسمالي المتعفن، لا يمكن فهم الثورة السودانية بمعزل عن الديناميات الاقتصادية والسياسية العالمية. فالتناقض بين مركز رأس المال الإمبريالي وهامش البلدان التابع يفرض قيوداً شديدة على أي مسار إصلاحي، ويجعل أي مشروع تسوية جزئية عبثياً وغير قادر على تحرير الطاقة الإنتاجية للجماهير. إن الثالوث الإصلاحي المعلن لم يكن سوى واجهة لإعادة ترتيب مصالح النخب المحلية بما يخدم المركز العالمي، بينما ظل الكادحون عاجزين عن السيطرة على مقدراتهم [2].

"السلام" الذي روّجته الإمبريالية لم يكن سوى استقرار زائف قائم على التبعية. فاتفاقيات السلام من نيفاشا إلى جوبا تحولت إلى أدوات لإعادة إنتاج الهيمنة عبر تقسيم المقاومة وإدارة الصراع لمصلحة رأس المال العالمي، مما جعلها جزءاً من آليات السيطرة الإمبريالية [3].

أما "الحياة" الكريمة فتبقى مستحيلة التحقق في إطار التبعية للإمبريالية. فأزمة المعيشة في السودان هي تجلٍّ لأزمة الرأسمالية العالمية التي تجعل من شعوب الأطراف وقوداً لتراكم الثروة في المراكز، مما يبرز ضرورة القطيعة مع هذا النظام [4].

و"الانتقال" الديمقراطي الشكلي لم يكن سوى أداة لتحويل الثورة من مسارها الجذري. فتجربة الانتقال السوداني كشفت كيف تحول المسار الثوري إلى عملية إدارية محكومة بأجندة المؤسسات المالية الدولية، مما أفقد الثورة جوهرها التحرري [5].

من هنا تنبع الضرورة الملحة للقطيعة الاشتراكية، التي تعني تحويل الثورة من حركة احتجاجية إلى برنامج تاريخي لإعادة بناء الدولة والمجتمع على أسس ديمقراطية شعبية حقيقية. هذا التحول لا يقتصر على إلغاء التبعية الاقتصادية فحسب، بل يشمل إعادة تنظيم السلطة وتوسيع الديمقراطية المباشرة عبر المجالس العمالية والفلاحية [6].

الثورة السودانية تمثل جزءاً من موجة التحرر العالمية الجديدة، تماماً كما انتفضت شعوب أمريكا اللاتينية ضد النيوليبرالية، وكما تقاوم شعوب آسيا الهيمنة الغربية. إنها جبهة جديدة في معركة الجنوب العالمي من أجل التحرر، مما يتطلب بناء تحالفات متينة مع حركات التحرر العالمية وتبادل الخبرات والإمكانات العملية [7].

تتطلب آفاق القطيعة مع النظام الرأسمالي العالمي إستراتيجيات متعددة المستويات. فإلى جانب النضال المحلي، يجب بناء تحالفات جنوب-جنوب كبديل عن التكامل الرأسمالي، والعمل على إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية لمصلحة شعوب العالم، مما يخلق شبكة دعم دولية توازن بين القوى المهيمنة والمجتمع الثوري [8]. البرنامج الثوري الوطني في السودان يرتبط عضوياً بالمشروع العالمي للتحرر الطبقي. فالسيطرة على وسائل الإنتاج، وتأميم القطاعات الإستراتيجية، وتطوير الصناعات المحلية، وتوحيد القاعدة الاقتصادية عبر تعاونيات وإدارات شعبية، كلها أدوات تربط بين التحرر الوطني والتحرر الطبقي العالمي [9].

لا يمكن للثورة السودانية أن تنتصر في معزل عن الصراع العالمي. فالتحرر الوطني الحقيقي يتطلب الانتقال من الثورة الوطنية إلى الثورة الاشتراكية العالمية، حيث يصير مصير البروليتاريا السودانية مرتبطاً بمصير البروليتاريا العالمية، وأي تراجع عن هذه القطيعة يعيد إنتاج التبعية تحت مسميات جديدة [10]. الخطاب الثوري السوداني يجب أن يكون مزدوج الأفق: نقدياً مع النخبة الطفيلية والبيروقراطية المحلية والقوى الإمبريالية العالمية، وبنّاءً في عرض بدائل اقتصادية وسياسية عملية تعيد إنتاج الدولة والمجتمع وفق مصالح العمال والفلاحين. إنها مهمة جسيمة، لكنها الشرط الوحيد لتحويل شعارات السلام والحياة والانتقال من وهم إصلاحي إلى برنامج تحرري حقيقي [11].

إن أوهام الإصلاح التي فضحتها السلسلة بكاملها - من الإصلاحية الطبقية إلى الإصلاحية في مواجهة الإمبريالية - ليست سوى تعبير عن أزمة البرجوازية الصغيرة وعجزها عن قيادة معركة التحرر. فاليوم، لم يعد أمام الشعب السوداني خيار سوى الثورة الشاملة، حيث تتحول القوة الحقيقية للجماهير من خلال تنظيمها الملموس وقدرتها على التحكم في وسائل إنتاجها ومواردها [12].

كما أكدت روزا لوكسمبورغ: "النضال من أجل الإصلاحات هو الوسيلة، والثورة الاجتماعية هي الهدف". وهذا ما تؤكده الثورة السودانية: فالإصلاح لم يعد خياراً، والثورة هي المصير. فالثورة لن تتحقق إلا عندما يتحول النقد إلى أداة تنظيمية، والوعي الطبقي إلى قوة عملية تُغير الواقع.

بذا تنتهي هذه السلسلة التي خاضت في عمق التناقضات الطبقية وكشفت حدود الإصلاحية بكل تجلياتها، من تسويات الداخل إلى هيمنة الخارج. لم تكن هذه المقالات سوى محاولة لإعادة تعريف الثورة السودانية ضمن سياقها الأممي، بوصفها معركة وعي وتنظيم ضد كل أشكال التبعية. إن الطريق إلى التحرر ليس في المساومة ولا في انتظار الحلول من فوق، بل في بناء القوة الثورية من تحت، حيث تنبع الحقيقة من صمود الجماهير وقدرتها على تحويل الوعي إلى فعل والنقد إلى سلطة.

النضال مستمر،،
--------------------------
المراجع:
[1] Amin, S. (2011). Global History: A View from the South.
[2]Foster, J. B. (2002). The Ecological Tyranny of the Global Market.
[3]Ylönen, A. (2009). The Political Economy of Resource-Based Conflict in Sudan.
[4]Bush, R. (2007). Poverty and Neoliberalism: Persistence and Reproduction in the Global South.
[5]García Linera, Á. (2015). The South American Era.
[6]Lenin, V. I. (1917). The State and Revolution.
[7]Cabral, A. (1966). The Weapon of Theory.
[8]Patnaik, P. (2010). The Value of Money.
[9]Marx, K. (1848). The Communist Manifesto.
[10]Luxemburg, R. (1915). The Crisis of Social Democracy.
[11]Fanon, F. (1961). The Wretched of the Earth.
[12]Gramsci, A. (1935). Prison Notebooks.



#عماد_حسب_الرسول_الطيب (هاشتاغ)       Imad_H._El_Tayeb#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رأسمالية التعليم وإخصاء الوعي
- 8. القطيعة الثورية: الاشتراكية كطريق وحيد لتحطيم أوهام الإصل ...
- 7. البرجوازية الطفيلية: الحلقة المفقودة في أزمة الإصلاح السو ...
- ثقافة الدوبامين: بين التشييء الرقمي واستلاب الوعي
- 6. المأزق البنيوي لشعارات -السلام–الحياة–الانتقال-
- 5. البعد الإمبريالي للمشروع الإصلاحي
- 4. أوهام الانتقال المدني الديمقراطي
- 3. مأزق السلام الليبرالي
- 2. من حماية الأرواح إلى احتواء الثورة: تفكيك ماركسي لشعار ال ...
- 1. السلام، الحياة، الانتقال: مدخل ماركسي لفهم أوهام الإصلاح ...
- 14. الخاتمة: نحو بديل ثوري
- بيان المكتب السياسي: شعارات عامة بلا تحليل طبقي ملموس
- الحدود كجهاز قمع طبقي في عصر الإمبريالية
- 13. المهام الطبقية للثورة السودانية: من الوطني إلى الاشتراكي
- 12. مقاومة الهامش: الحركات الاجتماعية البديلة خارج الأطر الت ...
- 11. استراتيجيات المواجهة - تفكيك الطائفية والإسلام السياسي و ...
- 10. معضلة القيادة الثورية: أزمة اليسار والتحالفات المشبوهة
- 9. ثورة ديسمبر: انفجار التناقضات الطبقية
- 8. الهيمنة الطفيلية: التعليم والإعلام والدين في السودان
- 7. البعد الجندري للأزمة: النساء بين القهر والمقاومة


المزيد.....




- الدولة الفلسطينية: خبراء القانون الدولي يحددون الشرط الوحيد ...
- من باريس إلى أمستردام: أوروبا تتظاهر من أجل غزة والرهائن
- محادثات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس في القاهرة لإنهاء الحرب ...
- إيران تعلن أن التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية -لم ي ...
- السائل أم البودرة أم الكبسولات؟ دليلك لاختيار المنظف الأفضل ...
- انتهاء الاقتراع وتواصل فرز الأصوات بانتخابات مجلس الشعب السو ...
- إسرائيل تعلن اعتراض مسيرة يمنية في سماء إيلات
- شاهد.. من يتحمل خسارة برشلونة أمام إشبيلية؟
- هل يعيد تعميم حكومي جديد لفلسطينيي سوريا حقوقا حرموا منها لع ...
- ظهور خليل الحية كبير مفاوضي حماس في فيديو لأول مرة منذ محاول ...


المزيد.....

- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد حسب الرسول الطيب - 10. آفاق الثورة السودانية في السياق الأممي: نحو قطيعة مع أوهام الإصلاح