أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين يتكلّم الركام ويصمت العالم














المزيد.....

حين يتكلّم الركام ويصمت العالم


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 03:45
المحور: قضايا ثقافية
    


الحروب ليست نهايات، بل هي بدايات مقنّعة، تحمل في باطنها أسئلة أكثر من الأجوبة. وكل حرب هي امتحان للوعي الإنساني قبل أن تكون مواجهة للجيوش. وما جرى في غزة لم يكن صراعًا عابرًا بين قوتين غير متكافئتين، بل كان لحظة فلسفية عميقة، اختبرت فيها البشرية قدرتها على مواجهة مرآتها، مرآة الدم المسفوح على الإسفلت، والطفولة المبتورة الأحلام، والذاكرة التي لا تستطيع القنابل محوها مهما طال أمد الليل.غزة لم تعد مجرد جغرافيا ضيقة بين البحر والسور، بل تحوّلت إلى فكرة تتحدى قوانين الموت، وتعلن أن الإنسان لا يُمحى بالبارود. كل بيت تهدم هناك صار كتابًا مفتوحًا للعالم، وكل شهيد غدا سطرًا في ملحمة تُكتب بدمٍ لا يجف. لكن السؤال المرير يظل معلّقًا: ماذا بعد أن هدأت المدافع؟ هل ستعرف غزة طريقها إلى نظام سياسي متماسك، أم ستظل سجينة ثنائية الحرب والحصار؟ وهل يمكن لمجتمع يُعاد تكوينه بين الدمار والرماد أن يبتكر شرعية جديدة تعيد للإنسان كرامته، بدل أن يظل رهينة معادلة لا تنكسر بين سلطة تُقاتل وناسٍ يبحثون عن الخبز؟...وإذا كانت غزة قد كشفت عجز القوة العسكرية عن قتل الفكرة، فإنها في الوقت نفسه عرّت هشاشة النظام الدولي. كل المؤسسات التي طالما تغنّت بالعدالة بدت عاجزة عن وقف النزيف إلا بعد أن سالت دماء كثيرة، حتى صار العالم يتفرج كما لو كان يقرأ نصًا قديمًا مكرورًا، يعرف نهايته قبل بدايته. وهنا يظهر السؤال الأعمق: أي عالمٍ هذا الذي يقيس العدالة بميزان المصلحة، ويترك المدن تحترق ما دام الحريق لا يصل إلى بابه؟..في الخلفية، يلوح ظلّ إيران، ثقيلًا وغامضًا، حاضرًا في الخطاب والتمويل والسياسة، لكنه بدوره مأزوم، يحاول أن يوازن بين صورة الثورة التي لا تهدأ وبين جسدٍ داخلي مثقل بالاحتجاجات والاختناق الاقتصادي. مصير إيران لن يُحسم في غزة ولا في أي ساحة خارجية، بل في قدرتها على مواجهة نفسها: هل تستطيع أن تعيد تعريف مشروعها بحيث يُصالح بين الداخل والخارج؟ أم أنها ستبقى تحيا على صراعات الآخرين حتى تكتشف أن الصراع التهمها من الداخل؟
إننا في زمنٍ ما بعد الحرب، وهو زمن أخطر من الحرب ذاتها، لأنه زمن البحث عن المعنى. فهل سيكون إعمار غزة مجرّد بناء جدران أم بناء إنسان جديد؟ وهل ستولد من الركام دولةٌ تُعيد الحق إلى أهله، أم مجرد إدارة مؤقتة تبرّر هدنة هشة تنتظر حربًا أخرى؟...ومع ذلك، وسط كل هذا الركام، تبقى غزة تحمل سرّها: قدرة غامضة على أن تجعل من الموت حياة، ومن الحصار صرخة، ومن الدمار لغةً مشتركة يفهمها كل قلب حر. هي اليوم جرح، لكنها أيضًا وعد. هي مرثية، لكنها كذلك قصيدة لم تكتمل...وفي النهاية، لا يمكن أن نكتب عن غزة بلغة البرد والحياد. لأن من يكتب عنها يكتب عن معنى الإنسان حين يُحاصر في أقصى حدود الوجود. ومن يتأملها لا بد أن ينحني أمام صمودها، لا شفقةً، بل اعترافًا بأن الروح حين تتمسك بحلمها تصير أقوى من الحديد. لهذا، نكتب لا لنواسيها فقط، بل لنواسي أنفسنا، لأننا في صمتنا كنّا شركاء في جرحها.غزة ليست مجرد فصلٍ في كتاب الشرق، بل هي الكتاب كله. كتاب مكتوب بالدم، مفتوح على المستقبل، يدعونا أن نقرأه بعيون دامعة وقلوبٍ لم تفقد بعد قدرتها على التعاطف.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تعزف طبول الحرب لحن الفلسفة
- إياد الطائي.. حين يترجّل المسرح عن صهوته
- -الأحلام التي لم تعشها البيوت المهجورة-
- أساطيل الحديد وأشباح البحر
- أتعس الخونة من يبيعون الوطن باسم الوطنية
- العراق بين عقدة الماضي وامتحان المستقبل
- انحنى الحجر وظل النور قائماً
- -المذبوحون باسم الله-
- -الطرق التي تبكي تحت أقدام الغائبين-
- دواء الروح بين كأس الحكمة وأفعى المعرفة
- عامل السكراب
- عطر الكتب القديمة… حوار بين الغبار والخلود
- مكتبة الأسرار الكونية
- بغداد حين تعيد للعتمة صوتها.. مسرح الطيب على ضفاف دجلة
- البؤس العربي وفقدان الحياء: صرخة في وجه الرذيلة
- -بين دم الأرض وحديد السماء: تأملات في صراع القوى ومآل الإنسا ...
- نهداكِ… حين يغنّي البنفسج
- تراتيل الرماد فوق معبد اليورانيوم المكسور
- أشباح الموت في وطن الطوائف
- دول المذهب وعرش الدم


المزيد.....




- حياتها في أمريكا كانت -جيدة-.. لكنها أصبحت -رائعة- في إسباني ...
- في مشهد نادر.. طائرة صغيرة تهبط اضطراريًا على طريق سريع بولا ...
- ماذا بعد رد حماس على خطة ترامب بشأن غزة؟
- -تعبنا ونستحق الحياة-... ترحيب برد حماس الإيجابي على خطة ترا ...
- هولندا تبقي على حظر تصدير قطع غيار طائرات إف35 إلى إسرائيل
- غزيون يبتهجون بعد رد حماس على خطة وقف الحرب
- شهداء بغارات على غزة رغم رد حماس ومطالبة ترامب بوقف القصف
- طلب جديد لإحالة زوجة رئيس الوزراء الإسباني لهيئة محلفين بتهم ...
- -لن نغادر-.. غزيون يواجهون التهجير قسرا من مدينتهم
- -بعد ما خربت-.. علاء مبارك يشعل تفاعلا بتدوينة عن -خضوع حماس ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين يتكلّم الركام ويصمت العالم