أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد العبيدي - عبد الرزاق النايف: رحلة من القصر الى القبر














المزيد.....

عبد الرزاق النايف: رحلة من القصر الى القبر


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 22:05
المحور: الادب والفن
    


رنّ الهاتف في المكتب البسيط لعبد الرزاق النايف، رئيس الوزراء، جاءه صوت الرئيس، هادئا، وقورا:
- أبا الطيب، أدعوك اليوم على غداء لحم غزال بري… رأيك أن تمالحنا، وهناك أمر أود أخذ رأيك فيه، رد بانضباط عالٍ: سأكون عندكم في الوقت المحدد، سيادة الرئيس.
طوال الطريق في سيارته الرسمية، راح يستعيد لحظات مباغتته المجتمعين بقيادة البكر في وكرهم وهم يوزعون الأدوار لتنفيذ الانقلاب قبل شهر. تذكّر كيف عرضوا عليه المشاركة ليكون رئيس الوزراء. أحسّ رجفة غامضة في قلبه، همس لنفسه: لا مجال للشك… لقد أقسمنا على المصحف ألا نخون.
في القصر تفوح رائحة الشواء. يجلس البكر على رأس المائدة، وحوله قليل من أعضاء القيادة، يستقبله بابتسامة أبوية، لم تنتهِ بعد، يُفتح الباب بعنف. يدخل صدام بخطوات باردة، يصوب مسدسه إلى الرأس، يخاطبه بحسم:
- قم بهدوء… عائلتك بأيدينا، لتلتحق بمنصبك الجديد: سفير في إسبانيا.
يسود صمت ثقيل، طواله البكر يراقب دون كلمة، وأعضاء القيادة يصفقون في مقاعدهم. ينهض النايف ببطء، عيناه حائرتان بين الاثنين. يُساق إلى سيارة مظللة تنتظره عند البوابة الخلفية للقصر، ومنها إلى قاعدة الرشيد الجوية حيث الطائرة العسكرية التي تنتظر التحليق به والعائلة بعيداً، نحو منفى دبلوماسي بدا عقوبة مقنّعة، وخطوة أولى في طريق النهاية.
يهم بمغادرة إسبانيا التي أُريد لها أن تكون محطة عبور، وفي قلبه نارُ تمردٍ لا تهدأ. يرفع سماعة الهاتف ليتصل بإبراهيم الداوود، شريكه في خيانة عبد الرحمن ثم في خيانة البكر لهما معا، ويقول بصوت حاسم: لن أسمح لهم بأن يكتبوا نهايتي… سنعيد ترتيب الأوراق من جديد.
يصل عمّان، يعيش مع العائلة بواجهة هادئة، يواصل خلف الأبواب اتصالاته، يحاول نسج خطوط، يحلم بالعودة منتصرًا. يطرق بابه رجل مقاولات من أقاربه آل السرهيد تَفتَح له الحكومة أبواب المشاريع. يجلس أمامه، يتحدث بثقة:
- هناك ضباط يتأهبون لقلب النظام، مستعدون للتعاون معك.
تتسع عينا النايف، يلمع فيهما أمل قديم. يقترح عليه اللقاء بعيداً في لندن، خشية العيون التي تترصده. يوافق، يتخيل الطريق إلى بغداد يُفتح من جديد.
في فندق الانتركونتننتال وسط لندن، يجلس النايف مع قريبه السرهيد. يقدّم له رجلاً أنيقاً، بلهجة عابرة: - هذا السيد طه الجبوري مدير حسابات شركتي… سيساعدنا في تنسيق الاتصالات وإجراء اللقاءات.
يمدّ النايف يده مصافحاً، فينزلق الجبوري بسلاسة عن خطط الضباط، وسبل الدعم، وبعض أسماء وافقوا على السير بالمشروع.
في اليوم الثاني يغادر السرهيد لندن لكثر مشاغله، تاركاً الجبوري إلى جانب النايف، يلازمه كظلّ، يكمّل المهمة التي لم تُكشف بعد.
غادر النايف وزوجته الى جانبه بهو الفندق، بعد اجتماع مع الجبوري وموعد لقاء في الغد مع شخصية بريطانية. الهواء خارج الفندق بارد، والأنوار الصفراء تنعكس على الأرصفة المبتلة. يهمّ بقطع الطريق نحو موقف سيارات الأجرة القريب. يقترب رجل بخطوات مسرعة، يرفع ذراعه، وبلمح البصر تنفجر ثلاث رصاصات، تصيب جميعها جسد النايف، تسقطه مضرجاً بدمه، وزوجة الى جانبه تصرخ مذعورة.
يطلق النار في الهواء ليفزعهم، غير أن الفزع يتبدل في لحظة إلى غضب جارف.. سائق أجرة يترجل مطارداً، يلتحق به شبان، يركضون خلفه عبر الشارع الضيق. لم تكن مطاردة عادية، بل اندفاعاً فطرياً للقبض على قاتل أمام أعينهم. يسقط الرجل أرضاً تحت أقدامهم، تتشبث به الأيدي من كل جانب. يعلن عن اسمه: سالم حسن، عراقي نفذ المهمة وحده لوأد "خيانة" النايف.
لا تمضي دقائق حتى تصل الشرطة مسرعة. تكشف بطاقة الفندق التي عثروا عليها في جيبه عن رفيق أقام معه، وغادر لتوه إلى مطار هيثرو. يتعقبونه إلى باب الطائرة العراقية، يوقفونه قبل أن يخطو إليها، يظهر الجواز اسمه: طه الجبوري.
هكذا تنكشف الخيوط وتبقى العقدة غامضة، حتى تُنقل الحكاية إلى قاعة المحكمة في لندن. يجلس سالم في القفص، يعترف بهدوء أنه القاتل وحده، يكرر خيانة النايف وتآمره على العراق، فيما ينفي أي صلة للجبوري. ترتسم على وجه المحلفين دهشة حذرة، تبقى الشكوك معلقة في الهواء.
يرفع القاضي مطرقته: حكمت المحكمة على المتهم سالم حسن بالسجن المؤبد، وبراءة طه الجبوري لعدم كفاية الأدلة.
يمضي الأول سنواته خلف أسوار سجن "آيل أوف وايت" ترعاه السفارة، ثم يعود إلى بغداد بعد 2003 ليختفي بلا أثر. أما الثاني فيُطلَق سراحه، يصل بغداد، يقابل الرئيس يُعيَّن سفيراً، ثم ينتهي مشنوقاً في مؤامرة ابتلعت أبناء عشيرته.
بعد عام من دخول دبابات الاحتلال شوارع بغداد عام 2003، اجتمع أصدقاء النايف في حفل تأبين متواضع. تقدّم سليم، أقربهم إليه، وبعينين مثقلتين بالذاكرة، قال: رصاص لندن الذي أسقط النايف لم يُطفئ نار الصراع؛ فالقاتل أنهى محكوميته وعاد إلى الظل، والسفير الذي كُرِّم انتهى مشنوقاً، والذين صنعوا اللعبة جلسوا عقوداً على كراسيهم يورّثون العراق منفىً وسجناً ومقابر… وهم كذلك، انتهوا إلى السجون والمشانق. واليوم يتكرر المشهد أمام أعيننا بصيغ أخرى، وكأن العراق يعيد لعبته القاسية على الجميع؛ الأسماء تتغير، والطرق تتعدد، لكن النهاية واحدة: خراب يتسع، وموت يتربّص، ووطن لا يهدأ على حال.



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امرأة في حضرة الظل
- من غزة إلى قطر… سقوط خطاب الإبراهيمية
- حين يضحك الوزير
- سجن يبيع الحياة
- في بريد الوزير
- عروس التاسعة
- الانتخابات العراقية: حين تتحول صناديق الاقتراع إلى أداة مقاو ...
- عندما يرفع القبو
- من الأديرة إلى المصانع… حكاية شراب مثير للجدل
- من أطلال الحرب إلى أيقونة السياحة… حكاية قلعة بامبرة
- بين إنجلترا واسكتلندا: قرية تزهر بالحب والهروب
- مدينتان على ضفتي التاريخ: ليدز ويورك
- رحلة في أزقة الزمن وذاكرة الحجر
- حين تنطق لندن....
- حين يصاب الوطن بالتبلد
- تداعي الدولة العراقية: حين تنهار البُنى من داخلها
- مسرح الحريق: العراق بين لهب المأساة وقيد البندقية
- حين يسير العراق إلى حتفه: مرآة النفس الجمعيّة المعطوبة
- ڤرّنا... حيث تتكلّم الغابة بلغة الهدوء
- في حضرة التاريخ: بين أوربرو وبابل


المزيد.....




- عزف الموسيقى في سن متأخرة يعزز صحة الدماغ
- درويش والشعر العربي ما بعد الرحيل
- -غزة صوت الحياة والموت-.. وثيقة سينمائية من قلب الكارثة
- -غزة صوت الحياة والموت-.. وثيقة سينمائية من قلب الكارثة
- بائع الصحف الباريسي علي أكبر.. صفحة أخيرة من زمن المناداة عل ...
- لماذا انتظر محافظون على -تيك توك- تحقق نبوءة -الاختطاف- قبل ...
- فاضل العزاوي: ستون عامًا من الإبداع في الشعر والرواية
- موسم أصيلة الثقافي 46 يقدم شهادات للتاريخ ووفاء لـ -رجل الدو ...
- وزير الاقتصاد السعودي: كل دولار يستثمر في الثقافة يحقق عائدا ...
- بالفيديو.. قلعة حلب تستقبل الزوار مجددا بعد الترميم


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد العبيدي - عبد الرزاق النايف: رحلة من القصر الى القبر