أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - سعد العبيدي - من أطلال الحرب إلى أيقونة السياحة… حكاية قلعة بامبرة














المزيد.....

من أطلال الحرب إلى أيقونة السياحة… حكاية قلعة بامبرة


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8439 - 2025 / 8 / 19 - 22:10
المحور: السياحة والرحلات
    


من يقصد اسكتلندا باحثًا عن الطبيعة والتاريخ، لا بد أن يمد رحلته قليلًا نحو الجنوب ليبلغ قلعة بامبرة (Bamburgh Castle)، حصنًا عتيقًا يعلو ربوة صخرية قبالة بحر الشمال، وكأنه يحرس الأفق منذ قرون. الطريق إليها لوحة زراعية بديعة؛ مروج خضراء ممتدة، وحقول حبوب تلمع تحت ضوء الشمس، وبيوت ريفية متناثرة تمنح المشهد دفء الحياة البسيطة.
لكن هذه الجدران المهيبة لم تعرف السكينة دائمًا؛ فقد كانت مسرحًا لهجمات متكررة عبر العصور، أبرزها في حرب الوردتين حين أمطرتها المدافع بوابل من القذائف، أجبرت حاميتها على الاستسلام، وعرّضت أسوارها لضرر كبير. كما ارتبط اسمها في القرون الوسطى بقصص الملك أوسوالد، ملك نورثمبريا، الذي قيل إنه اتخذها مقرًا له قبل مقتله في معركة ماسرفيلد. أعقب ذلك قرون من الإهمال، تُركت خلالها لتصارع الرياح والأمطار، حتى غدت أطلالًا صامتة يكسوها العشب وتستوطنها الطيور البحرية. ثم جاء القرن التاسع عشر ليمنحها حياة جديدة، حين ابتاعها الصناعي والمبتكر ويليام أرمسترونغ، فأعاد بناءها ورمّم قاعاتها، وأضاف إليها ما جعلها منزلًا عائليًا ومتحفًا حيًّا يحفظ إرثها.
حال الوصول إليها، يلحظ الزائر حسن التنظيم:
ساحة واسعة لوقوف السيارات لقاء ستة جنيهات، يتبعها مدخل رئيسي بتذكرة مقدارها ثمانية عشر جنيهًا، رسوم تسهم مباشرة في صيانة المكان وإدامة حياته، ليبقى شامخًا يروي تاريخه للأجيال القادمة.
داخل الأسوار، تنفتح عوالم متعددة:
قاعات ملكية واسعة تحتفظ بهيبتها، غرف معيشة وأجنحة كانت مخصصة للعاملين في خدمة العائلة، سجن ضيق يوثق قصص الصراع والسلطة، ومدافع صامتة في مواقعها تشهد على عصور الدفاع والحصار. وإلى جانب ذلك، تُعرض مقتنيات منزلية وأدوات زينة؛ مرايا مذهّبة، وثريات كريستالية، وأوانٍ خزفية ملوّنة، ولوحات وصور عائلية، تسرد تفاصيل الحياة اليومية وذائقة الجمال لدى من مرّوا بها.
أما الركن الأحدث فهو متحف أرمسترونغ للطيران، إرث مالكها الأخير وعاشق التاريخ الشغوف بالتكنولوجيا، حيث تُعرض قطع نادرة من تاريخ الطيران، ومجسمات لمشروعات هندسية، وأجزاء من محركات، في مشهد يربط بين صرامة الحصون وروح الابتكار، صاغه وفق فلسفة تتجاوز حماية الحجارة الصامتة، إلى الحفاظ على ذاكرة المكان حية، وحراسة قصص الملوك والمحاربين، والصنّاع والفنانين، وكل من مرّ بها عبر العصور.
زيارتها والتجوال في أرجائها لقاء مع مشهد طبيعي أخّاذ، وتجربة ثقافية غنية، ودرس في أن الماضي يمكن أن يظل حاضرًا ما دام هناك من يحرسه.
على قمتها، حيث يلتقي الأفق البحري مع جدرانها الحجرية، يدرك الزائر أن هذه القلعة ليست مجرد فصل من التاريخ البريطاني، وإنما امتداد لروح المكان ذاته، وما يثير الاهتمام أن هذا النهج في الإحياء والحفاظ يمكن أن يلهم مشاريع مشابهة في مجتمعنا العراقي، حيث تنتشر القلاع ذات الإرث العريق مثل قلعة أربيل، وقلعة كركوك، وحصن الأخيضر، وغيرها. فإذا حظيت ببرامج ترميم مدروسة وإدارة سياحية مستدامة، يمكن أن تتحول إلى مراكز جذب ثقافي وسياحي واقتصادي، تمامًا كما فعلت قلعة بامبرة، مع الحفاظ على طابعها التاريخي واستثمارها في إبراز الهوية المحلية وإحياء الذاكرة الجمعية التي تعاني من تصدّع الارث وتشتّت السرديات أمام زحف النسيان.



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين إنجلترا واسكتلندا: قرية تزهر بالحب والهروب
- مدينتان على ضفتي التاريخ: ليدز ويورك
- رحلة في أزقة الزمن وذاكرة الحجر
- حين تنطق لندن....
- حين يصاب الوطن بالتبلد
- تداعي الدولة العراقية: حين تنهار البُنى من داخلها
- مسرح الحريق: العراق بين لهب المأساة وقيد البندقية
- حين يسير العراق إلى حتفه: مرآة النفس الجمعيّة المعطوبة
- ڤرّنا... حيث تتكلّم الغابة بلغة الهدوء
- في حضرة التاريخ: بين أوربرو وبابل
- بطء بطعم الشرق
- على طريق الحسين
- علمٌ ينتظر الولادة من رحم الوطن
- أربعة أيام في عمر قاضٍ
- هذا ليس دين أبي
- الشبح من انتصر
- كيف تُهيّأ النفوس لتقبّل الخسارة؟: قراءة نفسية في سيناريو ال ...
- التفاهة: حين تُغلق أبواب المعنى في وجه بلد بأكمله
- تشوه صورة الدولة في وعي مواطنيها
- لماذا لم يتجاوز العراقيون أحزانهم


المزيد.....




- لقطات تفطر القلب.. فتيات يتيمات ينهلن بالدموع بحفل تخرجهن في ...
- ماذا تعني الضمانات الأمنية لأوكرانيا؟
- إيران أمام -معضلة استراتيجية- بعد الحرب مع إسرائيل: تفاوض صع ...
- عزلة وفقر.. الجزيرة نت تستطلع أحوال نازحي جنين بعد 7 أشهر من ...
- إلى أين تتجه مسارات السلام في السودان؟
- تحليل لغة جسد ترامب وقادة أوروبا وكيف جلسوا أمامه وحركة ميلو ...
- السفارة السعودية تعلق على وفاة سعود بن معدي القحطاني بعد سقو ...
- ترامب يستبعد إرسال قوات برية إلى أوكرانيا وسويسرا تعرض حصانة ...
- النظم العشبية.. الحليف المهمل في مكافحة تغير المناخ
- الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته شمال ووسط قطاع غزة


المزيد.....

- قلعة الكهف / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياحة والرحلات - سعد العبيدي - من أطلال الحرب إلى أيقونة السياحة… حكاية قلعة بامبرة