أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد العبيدي - بطء بطعم الشرق














المزيد.....

بطء بطعم الشرق


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8400 - 2025 / 7 / 11 - 20:14
المحور: الادب والفن
    


لم يكن في الحسبان أن تبدأ الرحلة القصيرة من لندن إلى السويد بمشهد من الانتظار المعلّق في مطار ستانستيد، ثالث أكبر مطارات المدينة الستة. هناك، وجد ركاب رحلة أوربرو أنفسهم أمام تأخير صامت، بلا تفسير. شاشة تكرر الإعلان، وخطى تتبع الظل بين مقاهٍ ومطاعم مكررة، وكأن الزمن توقف فجأة، لا ينذر بانطلاق قريب ولا يعد بوصول وشيك.
ومع وفرة الوقت، اتخذ التأمل طابعًا فضوليًّا، لتتبع تاريخ هذا المطار الذي بدأ كقاعدة عسكرية خلال الحرب العالمية الثانية، تنطلق منها القاذفات الأمريكية B 26 لتنفيذ المهام فوق أوروبا المحتلة. قرب بوابات المغادرة، لوحات تذكارية صغيرة تخلّد مشاركين في مهام إنزال نورماندي عام 1944. ووجوه طيارين التُقطت قبل رحلات لم يعودوا منها، بقيت عالقة في الذاكرة، كأن الزمن أبقاها هناك، لحظةً قبل الإقلاع الأخير. وفي ركن آخر، لوحة لطاقم نجا لأن عطلاً ميكانيكياً أبطأه، تلمّح بهدوء إلى أن بعض التأخيرات قد تنقذ الحياة، ففي الحروب كما في الرحلات، قد يكون التأخير خلاصًا، وقد يكون مجرّد انتظار مثير على حافة المجهول.
مرت الساعة الثانية كأنها حجر اختبار للمزاج. غدا المطار طوالها كخلية نحل نشطة: مقاعد ممتلئة، وممرات تختنق بالمارة، ومسافرون افترشوا الأرض في مشاهد أقرب إلى لقطات وثائقية منهكة. غفا بعضهم جالسًا، كأن للانتظار طقسًا خاصًا من الرضا المُر.
"وأخيرًا، أقلعت الطائرة. ساعتان في السماء فوق سحب وادعة، لم تنجح في محو أثر الانتظار عن الوجوه. وعند الهبوط بعد منتصف الليل في مطار أوربرو، بدا المكان أقرب إلى حقل نائم منه إلى مطار؛ صمت يلف الجدران، نسيم بارد، ومحيط يوحي وكأنه كان يوما مزرعة أنيقة. انقسم المسافرون في الخطوات الأولى الى مكاتبه كما تنقسم خرائط السياسة: أبناء القارة في طابورهم القصير، والبقية — ونحن منهم — في طابور أطول من الرحلة ذاتها. سار الطابوران ببطء في ممر ضيق، يبدو وكأنه قد أُعدّ على عجل. جدرانه المعدنية الباردة تشبه شيئًا بين حاويات الشحن ومخارج الطوارئ. في وسطه، وقف زوجان بريطانيان. التفتت الزوجة، وقالت بصوتٍ مسموع:
كأننا في مكان خارج أوروبا! فأجابها وهو يطالع ساعته ضاحكًا:
اوروبا... على الطريقة الشرقية! ثم أضاف ممازحًا:
لو علمت، لحجزت إلى بيروت... أسرع وأدفأ!
عند خط الوصول، جلست في الواجهة ضابطة جوازات في الثلاثين من عمرها، ملامحها تحمل توازنًا فريدًا بين سمار الشرق ولون الشمال الفاتح، كانت جميلة بما يكفي لتخفيف وطأة الملل الذي صاحب البطء في الانجاز. وبصوت محايد، سألت:
ما سبب الزيارة؟ كم ستبقى؟ مع من تقيم؟ أين تذكرة العودة؟ كانت أسئلتها تمضي بنبرة رتيبة، لا تطلب إجابة بقدر ما توحي بأنها تبحث عن ما هو أعمق من البيانات؛ بقيّ عليها أن تسأل: ما هدفك في هذه الحياة؟
ختمت الجواز دون أن ترفع بصرها، وكأنها تختم مشهدًا خالٍ من البطولة، بلا ضوء، بلا تصفيق. عندها فقط أدركت أن البطء لا وطن له، وأن البيروقراطية قد تحمل جواز سفر أوربي داكن، وإن ليل السويد خارج المطار شاحب، يشبه النهار الكسول، فيه الطريق إلى المدينة ممتد بين حقول نائمة وأشجار واقفة كحراس القرى القديمة. تأملت صمته القاسي، وقلت في سري:
أوروبا... أنتِ أيضًا تتلعثمين.



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على طريق الحسين
- علمٌ ينتظر الولادة من رحم الوطن
- أربعة أيام في عمر قاضٍ
- هذا ليس دين أبي
- الشبح من انتصر
- كيف تُهيّأ النفوس لتقبّل الخسارة؟: قراءة نفسية في سيناريو ال ...
- التفاهة: حين تُغلق أبواب المعنى في وجه بلد بأكمله
- تشوه صورة الدولة في وعي مواطنيها
- لماذا لم يتجاوز العراقيون أحزانهم
- الخرافة: ظل الخوف في العقل العراقي
- إعادة كتابة الذات العراقية
- حكاية راهب ومدينة
- عندما يتحول القائد الى قدوة قسرية
- شرطي الأمن الداخلي: زقيب الوعي الذاتي
- عراق يسكنه الحزن
- جمهورية التغاضي: كيف نسي العراقيون أن ينتبهوا؟
- الفسدنة: رحلة نفسية في خزين الوعي العراقي (4 - 12)
- الكَبْرَنّة: رحلة نفسية في خزين الوعي الوعي العراقي (3 - 12)
- الغلونة: رحلة نفسية في خزين الوعي العراقي (2- 12)
- ظواهر العفن الاجتماعي: رحلة نفسية في خزين الوعي السلبي


المزيد.....




- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...
- بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما ...
- الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة -بن بينتر- الب ...
- مليون مبروك على النجاح .. اعتماد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد العبيدي - بطء بطعم الشرق