أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - سعد العبيدي - عندما يتحول القائد الى قدوة قسرية














المزيد.....

عندما يتحول القائد الى قدوة قسرية


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 11:50
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


لم تكتفِ السلطة في العراق، قبل عام 2003، باحتكار أدوات التخزين المعرفي، فقد ذهبت إلى ما هو أشد تأثيرًا وأبعد أثرًا: تشكيل الإنسان نفسه عبر النمذجة السلوكية، آلية نفسية تقوم على تحويل رموز السلطة إلى أمثلة يُحتذى بها، بالإجبار أو التكرار المفرط حتى يتحول التقمص إلى سلوك يومي. إذ إن الإنسان لا يتعلم فقط من خلال ما يخوضه من تجارب، وإنما مما يلاحظه في سلوك الآخرين أيضًا. وحين يُحاصر بمجموعة واحدة من "النماذج" الاجتماعية، التي تتكرر وتُضخم وتُلمّع، فلا يعود التماهي خيارًا حرًا، وإنما ضرورة لا واعية، خصوصًا عندما يكون البديل الوحيد هو التهميش أو الاتهام أو العقاب.
في الزمن السابق، صُممت القدوات بعناية لتعكس مواصفات محددة لا تقبل التعدد أو التنوع: الجندي المطيع، المواطن الذي يهتف، والقائد الذي لا يُناقَش. حتى الأب في البيت والمعلم في المدرسة تحوّلا إلى أذرع لنقل السلوك المرغوب، بصيغته الرسمية، وليس الإنسانية.
كان الإعلام حقلًا للنمذجة القسرية بامتياز، إذ لم تكن النشرات والأغاني والبرامج تنقل خبرًا أو رأيًا، بقدر ما كانت تصوغ شكلًا للسلوك والانفعال، حيث يُرى القائد دومًا منتصرًا، والمعارض دومًا خائنًا، والشعب مصفقًا. ما يُبثّ لم يكن محتوى، كان وكأنه تمرين على التقليد.
في المدرسة، تغيّر دور المعلم من مربي إلى مرسل لأوامر سلوكية مغلفة بالمناهج.
أُعيدت كتابة العديد من معطيات التاريخ، ليس من أجل الحقيقة وإنما لصنع ذاكرة موحّدة لا ترى في النظام إلا المنقذ.
وخنقت الفلسفة والعلوم الاجتماعية، وعُدّ التفكير النقدي تشكيكًا.
وتحولت الطاعة إلى فضيلة كبرى.
لقد أصبح الرعب شريكًا دائمًا في هذه النمذجة. حين تُقطع الرقاب بسبب رأي، أو تُجر العائلات إلى التحقيقات بسبب جملة عابرة، يصبح الخوف جزءًا من التربية اليومية. ومع الوقت أصبح مكونًا أصيلًا في اتخاذ القرار، حتى في أبسط المواقف.
وهكذا استمرت النمذجة بعد 2003 بثوب آخر، أو أعيد تشغيلها بعد فترة من ذلك التاريخ في اتجاه مختلف، تغيرت فيه الأدوار وبقيَّ الجوهر قائمًا:
فرض أنماط سلوكية جاهزة، من بوابة الدين الطائفي هذه المرة، وليس من نافذة الحزب القائد.
في الزمن السابق كان الجندي الذي يضحي هو النموذج، أما الآن فصار "المؤمن" وفق طقوس معينة، هو المثال الأعلى، ومن لا يصلي مخالف مشكوك في ولائه.
ان المؤسسات التي ظهرت بعد 2003، الدينية منها أو الحزبية، مارست نمذجة سلوكية مشابهة بأدوات مختلفة:
رجال دين تحولوا مراجع لسلوك يومي لا يقبل النقاش.
مدارس وجامعات مرتبطة بجهات عقائدية أخذت على عاتقها "تربية الجيل" ضمن قوالب جاهزة.
تحولت المناسبات الدينية إلى أدوات لقياس الولاء الجماعي الى المؤسسة الدينية.
وهكذا أنتجت النماذج السلوكية الجديدة وبكثافة: الخطيب الذي يُتقن خطاب العاطفة. المتدين الذي يلتزم بالرمزية. المشارك في المواكب الحسينيّة، المساهم في نشاطات الجماعة رياءً. وبالتدريج أصبح هؤلاء مرآة يراقب الناس أنفسهم فيها، وينحتون سلوكهم على شاكلتها، وإن لم يقتنعوا تمامًا بها.
واللغة من جانبها تغيّرت مرة أخرى فأصبحت "الحرية" مرتبطة بالطائفة، و"الكرامة" مشروطة بالانتماء الى العشيرة، و"الحقيقة" صارت نسبية، تُحددها الجهة المُمولة للمؤسسة الإعلامية أو التربوية أو الدينية.
وعلى هذا يمكن التأكيد على أن السلوك في الحالتين لا يُترك للحرية مجالًا لتشكيه، سواء في النظام السابق، أم فيما تلاه وإن كان بدرجة أخف وبتوجهات ليست مركزية، كانت النمذجة حاضرة بصيغ مختلفة لتشكيل السلوك المطلوب: مرة بالقوة، ومرة بالإغراء. مرة بزيّ الجندي، ومرة بثوب الواعظ. والنتيجة واحدة: إنسان مشكل وفق قالب خارجي، لا ذات حرّة. والأخطر، أن تراكم هذه النماذج المفروضة عبر عقود، ترك أثرًا عميقًا في النفس العراقية. أصبح من الصعب التمييز بين ما اختاره المواطن عن قناعة، وما تم تكراره عليه حتى صار يُشبهه. وبين ما يبدو كإيمان، وما هو في جوهره مجرد تكيّف مع السلطة السائدة.



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرطي الأمن الداخلي: زقيب الوعي الذاتي
- عراق يسكنه الحزن
- جمهورية التغاضي: كيف نسي العراقيون أن ينتبهوا؟
- الفسدنة: رحلة نفسية في خزين الوعي العراقي (4 - 12)
- الكَبْرَنّة: رحلة نفسية في خزين الوعي الوعي العراقي (3 - 12)
- الغلونة: رحلة نفسية في خزين الوعي العراقي (2- 12)
- ظواهر العفن الاجتماعي: رحلة نفسية في خزين الوعي السلبي
- الاعتراف بالخطأ فضيلة
- سيكولوجيا النجاة من الغرق
- سيكولوجية إزدراء الوظيفة في البلاد
- في معنى الخيانة
- 14 تموز في الذاكرة الجمعية
- الدولة المدنية
- الدولة القوية
- توازن المواقف القلق
- الشيخ والدولة
- تعري الطفولة الآثم
- 8 شباط تعزيز للهدم المنظم
- المساءلة والعدالة
- إلتقاء التضاد في خراب البلاد


المزيد.....




- سموتريتش لنتنياهو: لن أسمح باتفاق جزئي.. ومن الحماقة تخفيف ا ...
- الدفاع الألمانية: كييف ستسلم أولى أنظمة الصواريخ البعيدة الم ...
- -ابتعد أيها الخاسر-.. قراءة شفاه تكشف ما دار بين ماكرون وزوج ...
- الخارجية الإيرانية تنفي مزاعم لـ-رويترز- حول احتمال تعليق ال ...
- وزير الخارجية الإيطالي: على أوكرانيا استخدام أسلحتنا داخل أر ...
- مراسلنا في لبنان: قوة إسرائيلية تتوغل جنوبي البلاد والجيش ال ...
- السنغال.. طرد السفير الإسرائيلي من حرم جامعة في دكار وسط هتا ...
- هل باتت تسوية النزاع الأوكراني قريبة؟
- حماس: توصلنا لاتفاق مع ويتكوف على اتفاق لوقف إطلاق النار
- فيديو.. السقا يؤكد انفصاله عن زوجته


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - سعد العبيدي - عندما يتحول القائد الى قدوة قسرية