أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعد العبيدي - الخرافة: ظل الخوف في العقل العراقي














المزيد.....

الخرافة: ظل الخوف في العقل العراقي


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8374 - 2025 / 6 / 15 - 00:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عادل، موظف في إحدى دوائر بابل، لا ينام دون أن يضع حرزًا تحت وسادته. ورقة صغيرة كتبها له أحد السادة يوم ولادته لتقيه الحسد. طقس تشكّل، حين كانت الوالدة تهمس له بحنان مفرط أن العين أسرع من المرض. فتسربت تلك الكلمات الي وعيه، وأنشأت خوفًا يدارى بطقوس الخرافة.
لكن ما يبدو عادة شخصية، هو في جوهره صورة مصغرة لمجتمع يلوذ بالخرافة كوسادة خوف. ففي زمنٍ بلغت فيه البشرية ذروة التكنولوجيا، ما زالت الخرافة بيننا تؤدي دورًا يتجاوز الترف الروحي، لتغدو وسيلة بقاء، كائنًا طفيليًا ينمو كلما عجز العقل عن الفهم، وتآكل المنطق أمام القلق المزمن.
قصة عادل ليست استثناءً، إنها انعكاس لبنية ذهنية شُكِّلت تحت ضغط التاريخ، لا ضعف الفطرة. فالعقل العراقي، في أصله، لا يقل قدرة عن غيره، لكنه تعرّض، خلال العقود الماضية، لصدمات متتالية: حروب، حصار، قمع، وعنف أشبه بالدائم، فتكوّن داخله خوف مقيم من التفاصيل اليومية: من الغد، من التيار المنقطع، من العبوة التي قد تختبئ خلف الباب.
ومع تراكم الخطر وتشظّيه، وغياب التفسير الرسمي العقلاني، تعززت الخرافة كمُسكن، كحيلة نفسية تحاول تنظيم الفوضى المتصاعدة في العقل. سلسلة في بلادنا لم تنقطع، لقد ازدادت بعد عام 2003. فحين انهارت المنظومة القمعية التي كانت تمسك بزمام التخويف، لم يُفتح الباب للعقل كي يفسر، ترك التفسير مجالًا فارغًا ملأه أولئك الذين ركبوا موجة الدين رياءً، وقدد جاؤوا بفتاوى "النجاة من النار" بدل مناهج التنوير، واحتلوا مكانة في الدولة يفترض أن يشغلها العلماء والمفكرون فزادوا وقع الخرافة، وشاركوهم سياسيون اقتحموا مجال الدين ليحصنوا أنفسهم، فجعلوا من "الاستخارة" أداة لاتخاذ قرارات أمنية مصيرية، ومن فصائل بنت رؤاها على الأحلام، وعلى فقراء الأحياء، ملأت لهم الجدران إعلانات علاج بالرقيّة لفتح أبواب الرزق، وجلب المحبة والفوز بالآخرة. عدوى امتدت بين المتعلمين فصار بعضهم يُحذّر من الحسد أكثر من البكتيريا، ويشير إلى الربط بشباك الامام كبديل عن العلاج النفسي، وامتدت الى الدولة التي صارت بعض مفاصلها راعٍ غير معلن لهذا النمط من التفكير. وجّهت ميزانياتها إلى المواكب، وأهملت المدارس. نظّمت الزيارات المليونية بكفاءة، وتركت المستشفيات بلا أجهزة تخدير صالحة.
هكذا، غدت الخرافة في بلادنا نظامًا غير معلن، يُستخدم لإبقاء الناس في موقع التبعية، إذ أن الانسان وكلما ظن أن خلاصه بيد "الولي"، تراجعت ثقته بالقانون، وتقلص اعتماده على عقله، وصار مستعدًا لأن يقاد دون اعتراض.
اليوم وبسبب سعة وقع الخرافة في البلاد، كثيرون يتصرفون كما لو أنهم أسرى فصام مجتمعي. يرون ما لا يُرى، ويسمعون ما لا يُسمع، ويعيشون وفق قرارات لا عقلانية: المرأة التي تخشى مرض طفلها إن لم تأخذه للزيارة، الطالب الذي يربط نجاحه بتعويذة مطوية في محفظته، الجندي الذي يعلّق نجاته على نذر، كأنهم يركبون قاربًا مثقوبًا في عاصفة، موقنين أن التعاويذ ستمنع الغرق.
عادل، وقد بلغ الأربعين، بدأ يشعر بالإنهاك من طقوسه اليومية. صار يعترف بخوفه، ويسأل إن كان ممكنًا الخروج من هذا النفق المظلم، والاجابة المنطقية: ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب شجاعة ثقافية تبدأ من التعليم. إدخال التفكير النقدي في المناهج، تمويل المختبرات لا الخرافات، وفهم الطب النفسي علاجًا لا يناقض الإيمان. عندها، سينكمش ظل الخرافة، ويستطيع عادل، وأمثاله، أن يناموا أخيرًا دون وسادة من وهم.



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة كتابة الذات العراقية
- حكاية راهب ومدينة
- عندما يتحول القائد الى قدوة قسرية
- شرطي الأمن الداخلي: زقيب الوعي الذاتي
- عراق يسكنه الحزن
- جمهورية التغاضي: كيف نسي العراقيون أن ينتبهوا؟
- الفسدنة: رحلة نفسية في خزين الوعي العراقي (4 - 12)
- الكَبْرَنّة: رحلة نفسية في خزين الوعي الوعي العراقي (3 - 12)
- الغلونة: رحلة نفسية في خزين الوعي العراقي (2- 12)
- ظواهر العفن الاجتماعي: رحلة نفسية في خزين الوعي السلبي
- الاعتراف بالخطأ فضيلة
- سيكولوجيا النجاة من الغرق
- سيكولوجية إزدراء الوظيفة في البلاد
- في معنى الخيانة
- 14 تموز في الذاكرة الجمعية
- الدولة المدنية
- الدولة القوية
- توازن المواقف القلق
- الشيخ والدولة
- تعري الطفولة الآثم


المزيد.....




- إيهود باراك: إسرائيل لا تستطيع وحدها إعلان حرب تستهدف -إزالة ...
- السيد الحوثي يدعو الدول العربية والاسلامية للوقوف إلى جانب ا ...
- إعلام إيراني: مقتل مستشار المرشد الأعلى متأثرا بإصابته
- بابا الفاتيكان يعرب عن قلقه إزاء تدهور الأوضاع بين إيران وإس ...
- نزلها لولادك.. طريقة تثبيت تردد قناة طيور الجنة الجديد على ك ...
- ألمانيا- مفوض مكافحة معاداة السامية يحذر من تزايد التهديد تج ...
- المرح والسعادة لك ولطفلك مع تردد قناة طيور الجنة الجديد على ...
- إستنكار لبناني للإعتداءات الإسرائيلية على الجمهورية الاسلامي ...
- رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يدعي عدم وجود خطة لاغتيال ...
- -أضعف لحظات الجمهورية الإسلامية-.. ما خيارات إيران للرد على ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعد العبيدي - الخرافة: ظل الخوف في العقل العراقي